أولى

شكرا جنوب أفريقيا

لا تقاس قيمة الدعوى التي تقدّمت بها حكومة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بما إذا كانت ستؤدي الى وقف العدوان على غزة، ذلك أن المسار اللازم لذلك يستدعي صدور قرار عن المحكمة يأخذ بكل ما طلبته جنوب أفريقيا في الدعوى، وهذا غير مؤكّد. ثم يستدعي صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي بالمضمون ذاته. وهذا يعني تخلّي أميركا عن استخدام الفيتو لحماية كيان الاحتلال من أي ملاحقة، وهذا مستحيل. والأرجح أن تسعى واشنطن لخفض سقف أي قرار للمحكمة، ثم المفاوضة على تمرير قرار عن مجلس الأمن بالامتناع عن التصويت، وعن استخدام الفيتو، مقابل تخفيضات إضافية في القرار تفقده قيمته وتحوله الى مجرد دعوة لهدنة إنسانية. وفي النهاية فإن أي قرار لا يصدر وفق الفصل السابع مشفوعاً بالتهديد بالعقوبات لا قيمة له مع كيان أدمن سماع القرارات الدوليّة ورميها في سلة المهملات.
قيمة دعوى جنوب أفريقيا تأتي من أن الجهة التي تقدّمت بالدعوى هي جنوب أفريقيا وتاريخها وسمعتها في مجال حقوق الإنسان ومواجهة العنصرية، ومن المرافعة المتقنة اللامعة والمهنية التي أعدّها الفريق القانونيّ لجنوب أفريقيا بصورة قدّمت أفضل مطالعة يمكن تقديمها لشرح حقيقتي المظلومية الفلسطينية والتوحش الإسرائيلي، لمليارات البشر الذين كانوا يتسمّرون أمام الشاشات يستمعون بإصغاء، لفهم قضيّة يشعرون بالتضامن مع الأطفال والنساء ضحايا الحرب الدائرة حولها. وهذه المطالعة المتقنة والمقنعة لن تفلح كل محاولات محوها والتلاعب بها في التأثير على كل مَن تلقاها جرعة لقاح فكريّ لا يقاوم.
قيمة دعوى جنوب أفريقيا أنّها في الحرب النفسيّة وحرب كيّ وعي، جاءت في مكان حساس على معنويات كيان الاحتلال. وها هي الحالة الهستيريّة التي يردّ بها قادة الكيان على الدعوى وجنوب أفريقيا تكشف أن الدعوى أصابت مكاناً شديد الألم في الجهاز العصبيّ للكيان. وقالت ببساطة للكيان الذي مضى له عقود وهو خارج المساءلة والمحاكم، أن الزمن قد تغيّر. ومعادلة أن الزمن قد تغيّر كافية لفتح الباب لفهم المستوطنين أن أشياء كثيرة تجري تحت هذا العنوان. فكيف تدخل قوات القسام إلى غلاف غزة وتُسقط أسطورة القوة الاسرائيلية؟ والجواب هو أن الزمن قد تغيّر. وكيف يتحكم حزب الله بأمن مستوطنات شمال فلسطين المحتلة؟ والجواب أن الزمن قد تغيّر. وهذا يعني توقع أن يطال التغيير الكثير الكثير غير ذلك، وأن يكون الكيان الذي عاش متسيّداً قد دخل مرحلة الزوال.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى