مرويات قومية

مرويات قومية

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.

إعداد: لبيب ناصيف

كبير مهندسي الصوت في استديو بعلبك الرفيق فريد أبو الخير

ترك بصماته الخالدة في مهرجانات بعلبك ومع الرحابنة وفيروز ووديع الصافي وزكي ناصيف وتوفيق الباشا

 

الرفيق فريد أبو الخير

 

خلال تسجيل أحد الأعمال الموسيقية

لم يكن فقط مهندساً للصوت، حمل شهادته ودار بها الى مؤسسات يطلب منها عملاً، انما كان، الى شهادته، صاحب موهبة بدأت تظهر وهو طفل في السنة الثانية من عمره، حتى اذا كبر ولمع اسمه، بات لصيقاً بكل عمل فني كبير، وبات المعنيون يهرعون اليه للاستفادة من خبرته، ومن أذنه الموسيقية، ومن شغفه بعمله.
منذ الستينات أسمع به وأقرأ عنه في كلّ أعمال الاخوين رحباني، وفي انجازات ستديو بعلبك، وكان مديراً له.
التقيت به اكثر من مرة في منزل الأمين عبد الله محسن الكائن في الطابق الخامس من بناية مجاورة لمبنى الريجي في الحدث. وكان الرفيق فريد يقطن في الطابق الثالث من البناية نفسها.
لفتني فيه مستواه الأخلاقي وثقافته القومية الاجتماعية، هو الذي تربى على سعاده واقسم امامه.
واندلعت الحرب المجنونة، فيغادر الرفيق فريد مكان سكنه في منطقة لم تعد آمنة، ومثله يفعل الأمين عبد الله محسن، إنما لم يغادر ذاكرتي حتى اذا انصرفت مجدداً الى موضوع تاريخ الحزب، رحت أسأل عنه بدءاً من الحدث، الى ان امكنني زيارة الفاضلة عقيلته السيدة سامية الحلبي في ضهور الشوير مترافقاً مع الرفيق المهندس جميل أبو خير ومرة ثانية لأستلم منها مستندات وصوراً تضيء على سيرة الرفيق فريد.

من هو الرفيق فريد أبو الخير
لعلّ ما يقوله الناقد الأدبي والإعلامي عبيدو باشا في جريدة «السفير» يضيء بوضوح على ما كانه الرفيق فريد أبو الخير في عالم الموسيقى.
مقالته بتاريخ 7 شباط 2001 خير شهادة، وتعريف صادق عن الرفيق الذي يبقى خالداً كلما تحدث التاريخ عن مهرجانات بعلبك، وعن هذه الكوكبة الرائعة من الموسيقيين الذين عرفهم لبنان في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي.

رحيل فريد أبو الخير سفير الموسيقى
لم يتصوّر فريد أبو الخير اولاً، ان الصناعة تركيب وتنظيم للمادة. ذلك ان علاقته بالمهنة جاءت من هواية خالصة. اتفق الجميع على ذلك، جميع من عرفه وسألناه عنه، أكّد انه حصّل مهنته من الهواية. لم يفكر البتة في ان يتحوّل الى مهندس صوت، بضربة واحدة او بضربتين او اكثر. ميزته بلاغته في علاقته بالموسيقى، ابن التاجر اللبناني، الذي بدأ بالتجارة، قبل ان ينتقل الى مجاله الخاص، الذي لا يقلد قوالب الغناء، حين ينسخها.
الموسيقى في مرتبة ثانية في اول حياته. الموسيقى في مرتبة اولى في المرحلة الثانية من حياته. لم يتوفّ فريد أبو الخير، قبل ان يبني مكتبة موسيقية ذات مساحة سمعية شاسعة. انه وحده، من يمتلك تسجيلات الفرق التي جاءت الى بعلبك قبل ان تبدأ المهرجانات. وهو وحده، من يمتلك تسجيلات برامج مهرجانات بعلبك منذ بداياتها. هكذا اضحى ذاكرة الموسيقى اللبنانية والموسيقى العربية والعالمية، على حد سواء. بالصدفة، الصدفة وحدها اخذته الى ان يفتح ابواب تجربة جديدة، لم يكن في صددها. جاءت فرقة سمفونية الى بعلبك، طُلب الى فريد أبو الخير، كما يروي توفيق الباشا، الاهتمام بشؤون النقل والتسجيلات التقنية الخاصة بحفلها. اهتم بذلك، بما لفت إليه الجميع. مذاك، طلبوا منه، ان يهتم هو وحده بتسجيل حفلاتهم الموسيقية، على ادراج بعلبك، وفي الصالات البيروتية المعتمة. اضحى معرفة مجسدة في شخص، مع الآلات الضخمة الغريبة في تلك المرحلة البعيدة ومع الميكروفونات الضخمة، بحجم حبات الفطر في شرائط الرسوم المتحركة.
بيديه، على كتفيه حمل فريد أبو الخير آلاته ومهنته. لم يتأفف يوماً. لم يكن مثلاً متعالياً. بل مثل طبيعة باطنة للظواهر الطيبة، هذا الرجل الوديع الطيب المتفاني. لذا، لا يختلف اثنان، على انه ساهم في إعلاء صوت النهضة الموسيقية والغنائية في لبنان، بالرغم من انه لم يلحن اغنية واحدة او يؤلف قطعة موسيقية بموازير عتيقة او جديدة. سجل لفيروز ووديع الصافي وعبد الوهاب ولفريد الأطرش وللأخوين رحباني في لبنانياتهم وعربياتهم. اصبح وأمسى كبير مهندسي الصوت في استديو بعلبك، حين نسبت كل الاعمال الغنائية والموسيقية الكبرى الى تجهيزاته المتطورة والنوعية التي طبعها على الاغنيات والقطع المنتجة في استديواته.

داخل الاستديو
حصّل فريد أبو الخير قوانينه العلمية من تجربته الشخصية. حصّل علومه الشخصية، من نشاطه الإنساني. صار صديقاً للجميع وصوتاً مسموعاً في مهنته، وهو يلبّي حاجات الآخرين. في كل صناعة سمعية – صوتية. نشاط صناعي ملحوظ، رسم حضور فريد أبو الخير عبر تكرار الحضور. اكتسابه الملكة الصناعية، أكسبه عقلاً استثنائياً وحنكة في اكتساب الطرق المتعددة والمختلفة في المهنة الواحدة.
يتذكره منصور الرحباني في الستينات، في همة دائمة، سمّيع، بذا يصفه. رافقنا في رحلاتنا البعيدة والقريبة. واحد من قلة قليلة نادرة، تفهم في دقائق الهندسة الصوتية والتكنولوجيا. لم تغلبه التقنية، اذ بقي خلفها خطوة خطوة ولحظة لحظة. بقي شاب مهنته وهو في السبعين. لانه رفض ان يحوّل النسبي الى مطلق والمطلق الى نسبي. لم يتهكم ولم يوقع نفسه ولا الآخرين في المعارف الوثوقية او الجدليات النظرية المضجرة. ولعل صرامة شغله، باحترامه الاشياء، كبيرها وصغيرها، جعلت الكل لا يغفل عما تضمنه عمله من بحث وجدة.
منذ العام 1955. وفريد أبو الخير في مهنة الموسيقى، كسامع من طراز رفيع للموسيقى الكلاسيكية. نزل في مغطس البسيط والمركب في الموسيقى والاغنية اللبنانيتين. منذ استُدعي، لكي يركب اجهزة الصوت في بعلبك، ولكي يسجل الحفل بمعدات بدائية، صنع العجائب، على ما يروي زكي ناصيف صديقه وتوفيق الباشا ومنصور الرحباني. الكل أصدقاؤه، من لا يكلّ عن وصفه بالخبير والمرجع وخصوصاً على الصعيد التقني.
حين جهّزت دار الاوبرا في مصر بآلات يابانية متطورة، استدعي لكي يعاين مكامن الخلل فيها. أصابه الحياء، اذ لم يبح بأنّ العلة ليست في الآلات، بل في حداثة علاقة شاغليها بها، ساهم في تسجيل اوراتوريو توفيق الباشا هناك، قبل ان يعود الى صوته وصمته وأعماله الخاصة. مات في السبعين، بعد ان ماتت مطارحه الحميمة. مات شعره ومات نثره، ماتت قصائده المسجلة. أيقن انّ الحي مات، وانّ ما هو عن الحي، ليس حياً إلا في حياة أصحابه الغاربين، هاله ذلك. خفق خفقة وداع أخيرة ومات. مات ابن ضهور الشوير المنتقل الى كفرشيما، محوّلاً بيته الى متحف تسجيلات صوتية. ما يحتفظ به، لا يحتفظ به احد، هذا جهده، هذه حياته، وهذا موته.
وفي 20 شباط 2001 يكتب الشاعر هنري زغيب في «نهار الشباب» عن الرفيق فريد أبو الخير، أثر رحيله:
«ودّعنا فريد أبو الخير. الصامت المتواضع الواقف وراء الاعمال الفنية الكبيرة يوصلها بالتقنية الافضل الى مستمعيها، غادرنا بالصمت نفسه الذي عاش فيه طوال حياته.
فريد أبو الخير لم يحمل معه الى الغياب ذكراً له، بل حمل معه ذاكرتنا. كان يقف دائماً وراء الحاجز الزجاجي، ويشرف على التسجيل، حتى اذا انتهى العمل، خرج الى الناس بأبهى صوت، وبقي فريد وراء الحاجز الزجاجي، فيسمع الناس العمل نقياً ممتازاً من دون حاجز يفصلهم عنه، لكنهم لا يرون الحاجز الزجاجي.
كل صرح كبير لا يقوم إلا على أعمدة متينة، تبقى تحت الارض ليظهر فوق الارض الصرح الكبير. والناس يرون الصرح ولا يرون الاعمدة المطمورة. هكذا فريد أبو الخير: لا يعرفه إلا أهل البيت من الوسط الفني، ويعرفون أنه لم يكن «مهندس صوت» عادياً، بل كان «المعيار» الضامن كلّ نجاح تقني.
بعد اليوم، كلما سمعنا عملاً من مهرجانات بعلبك او من استديو بعلبك، او سواها مما مرت عليه انامله، سنترحّم على فريد أبو الخير، ونذكره بالخير الفريد، ونتخيّل أنامله الخبيرة على هندسة الصوت، توصل إلينا الجميل جميلاً، ليبقى في ذاكرتنا جميلاً لأن وراءه مبدعين صاغوه فنياً، وخبيراً أوصل الابداع الفني الى قمته.
سنظل نذكر الخبير الكبير: فريد أبو الخير».

لمحة عن حياته:
ابرز ما جاء في ما كتبه القس كبريال بهتان، عن الرفيق فريد أبو الخير، في «النشرة» الصادرة عن «الكنيسة الانجيلية الوطنية»:
ـ ولد فريد أبو الخير في وادي شحرور سنة 1927.
ـ ابتدأ علومه في مدرسة كفرشيما الوطنية، وبقي فيها حتى تخرّج. عُرف بذكائه وشغفه بدراسة الكهرباء وعلم الصوت.
ـ بدأ حياته العملية في سن مبكرة. إذ عمل مع إذاعة الشرق الادنى، ومن ثم انتقل ليعمل مع إذاعة صوت الإنجيل. حيث ذاع صيته وعُرف عنه اتقانه لهندسة الصوت. تعرّف على المرسلين الأميركان ودرس معهم فن الصوت وعلمه، وبعد سنوات عدة من الدراسة العملية والتحضير نال بجدارة شهادة هندسة الصوت.
ـ عمل كمهندس للصوت في استديو بعلبك، تعرف هناك على كبار الفنانين الموسيقيين. عمل مع الرحابنة وكان له معهم ومع فيروز رحلة عمر إنْ في لبنان أو خارجه. رافق فريد مهرجانات بعلبك منذ نشأتها وحتى توقفها القسري بسبب الحرب البغيضة.
ـ تزوج فريد سنة 1970 من الانسة سامية الحلبي(3) وعاشا معاً حياة سعيدة رغيدة، قدّمت له سامية فيها كلّ خدمة وتضحية ومحبة.
ـ كان لفريد موهبة فريدة في جمع الأغاني والألحان، فبالإضافة الى الترانيم الروحية، فإنّ مكتبته الموسيقية غنية بأرشيف زاخر من الأشرطة والاسطوانات التي تحمل أطيب الذكريات وأجمل الأغاني والألحان. كُرّم فريد من قبل المركز الكاثوليكي للإعلام عن الأعمال الجليلة التي قدمها. كما كُرّم تكريماً رسمياً في مصر بعد أن أعاد تجهيز دار الاوبرا بالمؤثرات الصوتية المختلفة وأيضاً في مناسبات متعددة من قبل أصدقائه ومحبّيه.
ـ كان فريد شديد الملاحظة، ثاقب النظرة لا يطيق الكذب ولا الرياء، متواضعاً لكنه عليمٌ في دقائق الأمور. تميّز بطبعه الهادئ ومحبته لكلّ الناس، كان مسكونياً بكلّ ما للكلمة من معنى فهو كاثوليكي وأرثوذكسي وماروني وإنجيلي لا غش فيه، أحب الجميع حتى أعداءه وخدمهم بدون استثناء، لم يكن يعترف بالطائفية ولا هي وجدت لنفسها مكاناً في قلبه.
فريد أبو الخير الغائب عنا اليوم بالجسد والحاضر معنا دائماً بالروح ستبقى كلماته وأعمال يديه خالدة في كلّ عمل رائع.
ـ كان آخر مهرجان شارك فيه هو صيف 840.

كتب تنويه
الى حفلات التكريم التي أقيمت له، فقد تلقى الرفيق فريد كتابي تنويه من قائدي الجيش العماد ميشال عون بتاريخ 15/12/1988، والعماد إميل لحود بتاريخ 10/2/1993.
كتاب العماد ميشال عون:
«نشكر لكم كل ما قدّمتموه واسهمتم به لإنجاح نشاطات يوم الاستقلال 1988 لعائلات الشهداء العسكريين ونتمنّى لكم اطراد النجاح ودوام التوفيق».
كتاب العماد اميل لحود:
«إنّ مساهمتكم في إحياء ذكرى الاستقلال بالمشاركة في الحفلة الفنية التي أقيمت للعسكريين وعائلاتهم كانت مدعاة شكر وامتنان لما حملت من دلائل العاطفة تجاه أبناء المؤسسة العسكرية وشعور نحو الجيش،
فإذ نحيي لديكم هذه الدوافع الوطنية والإنسانية نرجو لكم دوام التوفيق لمزيد من الخدمة والعطا «.

وفاته:
وافت المنية الرفيق فريد يوسف أبو الخير يوم السبت 3 شباط 2001، وقد نعته عقيلته السيدة سامية الحلبي، شقيقتاه ليللي واكيم وهدى فريجي وعائلتيهما، ولدا عمه، أولاد خاله المرحوم أنيس، وعائلات أبو الخير، الحلبي، هاشم، واكيم، فريجي، كنعان، خياط، فرحات وعموم أهالي كفرشيما وضهور الشوير.
يوم الثلثاء 6 شباط نقل جثمان الرفيق الراحل الى الكنيسة الانجيلية في زقاق البلاط حيث أقيمت خدمة الدفن الساعة الثانية بعد الظهر ثم ووري في مدفن العائلة في كفرشيما. تقبّلت التعازي قبل الدفن وبعده في صالون الكنيسة الانجيلية ويومي السبت والاحد 10 و 11 منه في منزل الفقيد في ضهور الشوير ملك فيليب الحلبي.
وبتاريخ 24 شباط نشرت العائلة في الصحف «شكراً على تعزية» جاء فيه:
نتقدّم بالشكر لجميع الذين آسوها بمصابها الأليم بفقيدها الغالي خاصة فخامة رئيس الجمهورية والسادة الوزراء والنواب الحاليين والسابقين ونقابة الفنانين والهيئات الروحية والسياسية والاجتماعية ان كان بحضورهم الشخصي او باتصالاتهم الهاتفية وبتبرعاتهم ببدل أكاليل او إرسالهم الأكاليل سائلين الله ان لا يفجعهم بعزيز».

استديو بعلبك:
لأنّ مسيرة الرفيق فريد اقترنت باستديو بعلبك الذي كان له حضوره اللافت في السنوات التي سبقت الحرب المجنونة، فمن المفيد ان نورد «قصته» كما وردت في جريد «النهار» بتاريخ 6/3/2010 تحت عنوان:
استديو بعلبك: الحرب أقفلته مرة أولى وزمن السلم قضى على الأمل بإنقاذه:
طلب وزير الثقافة سليم وردة بعد ظهر أمس من محافظ جبل لبنان بالوكالة أنطوان سليمان وقف اعمال الهدم في استديو بعلبك في حرج تابت، لترسل الوزارة بعثة منها للتأكد من طبيعة المبنى ومحتوياته وما اذا يمكن تصنيفها بالاثرية والتراثية، وما يمكن عمله في هذا المجال على ما افاد «النهار» في اتصال معه.
وكانت أعمال الهدم بدأت أمس، وقال جيران المبنى انه يتم بيع أدوات الإنتاج الجديد بالكيلوغرام بدل نقلها الى أي متحف وطني يسجل تاريخ الإنتاج الفني اللبناني.
وكانت إدارة الاستديو اعلنت في 24/7/1992، اعادة تنشيط الانتاج السينمائي في الاستديو الوطني العريق بعد توقف قسري فرضته الحرب، قاصراً نشاطه طوال سنوات على التسجيلات الموسيقية لفنانين كبار.
وقد اقيم احتفال انذاك رعته السيدة منى الهراوي على ترّاس المبنى حضره حشد من الفنانين اللبنانيين والمصريين.
ومما قاله عضو مجلس الإدارة ضاهر ديب انذاك: اذا ما ذكرنا الفن في لبنان وفي العالم العربي لا بد ان نذكر استديو بعلبك، لأنه قطعاً، اصبح جزءاً من التراث القيم. قام استديو بعلبك بأعمال كبيرة في حقل السينما والموسيقى، وكان له دور رائد في هذا المجال. وها نحن اليوم، وبعد هذه المحنة، نعود مجدداً ننفض الغبار وننتفض كطائر الفينيق لنلملم جروحنا ونرجع الى العطاء، هذا العطاء الذي عملنا به دائماً، وكان مقياسه ان نعطي بلا مقياس… ذاك كان سر نجاحنا في استديو بعلبك، وإذا كنا نتكلم عن الفن، فإننا نتكلم عن الحرية، اذ من غير الحرية لا يستقيم الفن».
وتكلمت السيدة الهراوي: «ضيوفنا الأعزاء، يا نجوم مصر الشقيقة والفن العربي، أهلاً بكم في لبنان واحة اللقاء من أجل الابداع، إن إعادة تنشيط بعلبك هو تجديد لانطلاقة الفن والانتاج واحياء لدور لبنان الثقافي والابداعي. انه اعلان لنجاح مسيرة السلام».
وأضافت: «اليوم نعيد افتتاح بعلبك، وغداً نجدد تجهيزه واستكمال عدته، اعيدوا بيروت عاصمة الفن والعطاء، انطلقوا في بناء العصر الجديد، احبوا بريق الصناعة العربية، املأوا الارض والقلوب، بصحوة القيم، كونوا انتم، صوغوا ثقافة الجمال، جمال الحياة، جمال الامل، جمال الاباء، الجمال الذي تحدث عنه اديبنا اللبناني الكبير جبران خليل جبران قائلاً: «الجمال هو الحياة بعينها، سافرة عن وجهها الطاهر النقي، ولكن انتم الحياة، وانتم الحجاب، والجمال هو الابدية تنظر الى ذاتها في مرآة، ولكن انتم الابدية وانتم المرآة، عاش لبنان».
تقترن قصة تأسيس بعلبك بالمصرفي يوسف بيدس (بنك انترا) اضافة الى ثري فلسطيني الأصل هو بديع بولس يتردد ان الا قام في فيللا كانت ملكاً له. ولا يمكن فصل نشأة بعلبك عن الارث المكتسب من تجربة «اذاعة الشرق الادنى»، احد رجال هذه الاذاعة، كامل قسطندي، اخبر انه قبل ان يكون الا معروفاً باسمه الحالي، لم يطمح مؤسّسوه الى اكثر من تطوير أسلوب العمل الذي مارسوه في اذاعة الشرق الأدنى. وبالفعل، فقبل اضافة النشاطات السينمائية الى قائمة مشاريعه، اطلق على الا اسم «الشركة اللبنانية للتسجيلات الفنية» وكان بين المشاركين في المرحلة التأسيسية كل من توفيق الباشا، نزار ميقاتي، زكي ناصيف، كامل قسطندي، وشغل صبري الشريف منصب المسؤول عن الدائرة الموسيقية فيما تولى سميح الشريف مهمات الادارة.
وفي التفاصيل، يوضح قسطندي ان «الشركة اللبنانية للتسجيلات الفنية» تأسست سنة 1957: «ذات يوم، اتصل بي بديع بولس وأطلعني على خريطة بناء كبيرة في سن الفيل، كان ينوي تشييد ، وبعد البحث، اتفقنا على البدء بالتنفيذ. لكن حدث اني اتصلت بالمغفور له اميل البستاني، وكان آنذاك رئيس مجلس ادارة شركة «كات» فطلبنا منه الدخول في المشروع. سألني: كممثل لشركة «كات»؟
اجبته: لا. ولكن بصفتك الشخصية. فوافق. وكان هذا كافياً لإثارة الريبة في نفس بديع بولس الذي آثر الاستقلال في مشروعه، وانتهى الأمر بانصراف قسطندي الى نشاطاته الخاصة، وشيئاً فشيئاً تحوّلت «الشركة اللبنانية للتسجيلات الفنية» الى « بعلبك».
ويروي فنانون عن مدير ال فريد أبو الخير انه كان يخيف الفنانين بإدارته الصارمة بما فيهم الرحابنة الذين كانوا يلتزمون تعليماته. وقد شهد ال أبرز تسجيلات ذلك الزمن من فيروز الى زكي ناصيف وفريد الاطرش وغيرهم.
في عام 1992 أعيد افتتاح ال وبعد 18 عاماً اقفل من جديد، وهذه المرة بشكل نهائي، اذ تم هدم المبنى وبيعت المعدات.
وقال الفنان وليم حسواني لـ «النهار» مساء أمس:
في تلك الأيام كان ا بعلبك بالنسبة الينا، المجتمع الفني الراقي والمنارة التي تشرق منها الكلمة واللحن.
اذا كان بعلبك سيزول من الوجود، نعتبر انّ قسماً كبيراً من عالم الفن في لبنان زال، وكلنا أسف على ما يحصل.
وفي اتصال مع الفنان الياس الرحباني قال: «نحن في بلد تملك دولته روح الهدم للفكر والفن. لقد أعطى هذا البلد الحرف والفكر والحقوق الى العالم، لكن «الوحوش الكاسرة» أكلت جبال لبنان والأخضر فيه.
كان عاصي ومنصور وفيروز وصباح وزكي ناصيف وتوفيق الباشا وفيلمون وهبي وغيرهم وراء قيام بعلبك.
وأضاف: منذ ان كان عمري 19 عاماً أتذكر كيف كان الانكليز يصفون الباطون لبنائه، كنت أجلس هناك. أتذكر الآن كل تلك اللحظات، أتذكّر تلك الغرفة التي تعطي رنّة للاوركسترا، كل هذا التراث الذي تسمعونه في العالم اسمه بعلبك. كل العالم العربي وكبار فنانيه سجّلوا في بعلبك الذي كانت تقنياته الأهم، هو قلعة وتراث الشرق الاوسط، مثل تلفزيون لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى