مرويات قومية

الأمين سهيل رستم والحزب في بلدة مقعبرة

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.

إعداد: لبيب ناصيف

الأمين سهيل رستم والحزب في بلدة مقعبرة

سمعت ببلدة مقعبرة يوم تعرّفت على الأمين سهيل رستم في أواخر ستينات القرن الماضي، وفي مرحلة حرجة جداً، حيث كان ايّ تحرك حزبي يودي بصاحبه الى الاعتقال، مع ما يرافق ذلك في تلك الفترة العصيبة من إيذاء جسدي، تحدث عنه مناضلون قوميون اجتماعيون، وأوردتُ عنه في كثير من النبذات.
أشهد انّ الأمين سهيل كان يحيا الحزب قضية تساوي كل وجوده، وقد ملكت عقله وقلبه ووجدانه وكل نهاراته ولياليه.
إذا سُئلنا عن انسان النهضة، أشرنا الى الأمين سهيل رستم،
ولو أردنا ان يتعرّف احد من رفقائنا الحديثي الانتماء، الى الانسان، الجديد الانسان المجتمع، اصطحبناه الى منزل الأمين سهيل كي يستمع ويتعرّف، اذ يلتقي العائلة النموذجية التي كان سعاده حياة لها وقدوة.
وبالرغم من مضيّ سنوات على غياب الأمين سهيل رستم، فهو ما زالَ حيّاً في أعماقي، محتلاً لديّ الكثير من المحبة ومن التقدير، لما تحلّى به من ثقافة قومية اجتماعية، ومن تفانٍ في سبيل الحزب ومن تجسيد حقيقي لمفاهيم النهضة ولتاريخه.
*
من الأمين سهيل رستم هذه المعلومات عن الحزب في قرية مقعبرة، رفعها في الصادرة رقم 1/8/80 بتاريخ 10/7/2018.
لمحة عن وجود الحزب في قرية «مقعبرة»
تتبع القرية محافظة حمص – تلكلخ. تبعد عن قلعة الحصن حوالى 10 كم شمال شرق. تتألف حالياً من ثلاث حارات تبعد عن بعضها حوالى كيلو متر واحد، وكانت سابقاً خمس حارات.
أول من انتمى للحزب من القرية وهبة الجرجس في مدرسة الشويفات في الكيان اللبناني عام 1935، وأصبح منفذاً عامّاً لمنفذية الحصن الشرقي في ما بعد. ترك الحزب خلال عقد الأربعينات، لكنّه بقي على إيمانه القومي، بدليل أنّه عندما افتتح مدرسة إعدادية (المرحلة المتوسطة) في قرية (المزيبلة) – المزينة عام 1950، كان معظم الأساتذة قوميين اجتماعيين، وانتمى في المدرسة عدد من الطلاب الآتين من القرى المجاورة.
عام 1936، زار حضرة الزعيم القرية خلال جولته على الفروع الحزبية في الشام، وتجمّع في القرية حشد كبير جداً من القرى المجاورة لاستقبال حضرة الزعيم والاستماع له، كما روت لي والدتي، وكما روى لي والدي وبعض الذين حضروا الاستقبال، كذلك سجّلت صحيفة «الرائد» بعض وقائع الاستقبال. وجاء، أنّه كان من المستقبلين دعاس الجرجس (الذي كان عضواً في المؤتمر السوري)، وإلياس الجرجس شقيق وهبة الجرجس، والذي أصبح نائباً في البرلمان الشامي عام 1947، وبدعم من الحزب. وألقى دعاس الجرجس خطاباً ترحيبياً وقصيدة، وبعد زيارة الزعيم التقى عدداً من المواطنين في القرية والقرى المجاورة، وحتى سنة 1963، أي عند تولّي حزب البعث للسلطة، لا يوجد في القرية حزب غير الحزب القومي، وكان بعد زيارة الزعيم للقرية قد زارها كلّ من: جورج عبد المسيح، جبران جريج وإلياس جرجي قنيزح. ومن الذين انتموا للحزب في القرية في الثلاثينات والأربعينات ومطلع الخمسينات: فريد الجرجس: أصبح منفّذاً عامّاً (توفي). يوسف حنا صايغ (توفي)، حنا أسعد صايغ (توفي)، ميخائيل إلياس (توفي)، طلال الجرجس تولّى في ما بعد مسؤولية مدير تحرير جريدة البناء (توفي)، نسيم رستم (والدي – توفي)، سُجن عام 1955 لفترة قصيرة حيث اتّهم بتهريب رفقاء إلى لبنان، إلّا أنّه كان يعمل في مؤسسة الإنتاج الزراعي على خط جسر قمار – العريضة – تلكلخ، لويس تامر ميخائيل (ابن عمي) سافر إلى الأرجنتين (توفي)، حنا خوري (خالي. كان برتبة وكيل أول في الجيش الشامي – توفي)، عيسى داوود جروج (توفي)، سليم عبدالله خوري (تولّى مسؤولية مدير مديرية – توفي)، سليمان خوري (توفي)، عطية إلياس جروج (محصل مديرية – توفي)، أسعد ميخائيل طاهر (سافر إلى الولايات المتحدة وعاد إلى الوطن – توفي)، سليم عبدالله توما (سافر إلى الأرجنتين وعاد إلى الوطن – توفي)، جروج داوود جروج (لم ينتمِ لكنّه سُجن عام 1955)، فؤاد جرجس (محام مقيم في حمص)، مروان جرجس، خليل جرجس (سافر إلى ترينداد)، رياض جرجس (توفي)، عبدالله جرجس (توفي)، حليم خوري (كان رقيباً أول في الجيش الشامي)، سُجن عام 1955 مدة ثلاث سنوات ونصف السنة، ثمّ انتقل إلى لبنان وعمل في عمدة الدفاع، ميشيل سليمان، جهينة ميخائيل (شقيقتي – في الأرجنتين)، ميخائيل ميخائيل (توفي في الأرجنتين)، وصفي رستم (شقيقي. سُجن لمدّة قصيرة عام 1956 – توفي، وكان تسلّم مسؤولية مدير مديرية)، سهيلة رستم (شقيقتي)، فؤاد رستم (دخل الجيش الشامي ووصل إلى رتبة عميد وعمل مع قوات الردع في لبنان – توفي – شقيقي أيضاً)، غسان جروج، ميخائيل خوري، جهاد ميخائيل (أصبح كاهناً وهاجر إلى الولايات المتحدة ولا يزال، نعمان سعدو (دخل الجيش، مساعد أوّل – اعتُقل عام 1955 وسرّح من الجيش – توفي)، جورج سعدو (توفي).
بعد حادثة اغتيال المالكي استمرّ النشاط الحزبي، لكنّ الضغط اشتدّ بعد إعلان الوحدة بين مصر والشام، إذ تعرّضت خلالها القرية إلى حملات مداهمة عسكرية، خاصة في المناسبات القومية، إلى أن توقّف النشاط تقريباً عام 1960.
ما بين 1955 – 1957، وفد إلى القرية بعض القوميين للتخفّي، إذ إنّها كانت مكاناً آمناً، ربما بسبب عدم وجود أحزاب أخرى فيها، وكان أهل القرية يستقبلونهم في بيوتهم، فجاء إليها على ما أذكر: ياسين عبد الرحيم، رجا اليازجي، ميشيل أديب، ديوب ديوب، بديع كاسر أحوش، دعاس ناصيف وشقيقته أدما ناصيف، أمين حلاوي (من دير الزور)…. وأذكر أنّنا كنّا نُكلّف، كصغار، أنا وابن خالي، وقريب آخر لي، بإيصال الطعام لهم إلى الأماكن التي كانوا يختبئون فيها في البداية، في الأحراش والوديان، ثمّ في ما بعد في بيت في طرف القرية، وأذكر أنّ والدتي وشقيقتي سهيلة كانتا تخيطان لهم قمصان وقبعات مطرّزة بالزوابع، كما أنّ والدتي كانت تخيط لهم الأعلام في عقد الأربعينات، إذ كانوا يقومون بتدريبات على البيادر مقابل القرية.
التضييق على الحزب وقع حتى على الصغار، مثلاً، كان أحد المعلمين في المدرسة الابتدائية بعثياً اسمه دعاس بيطار من قرية (المزيبلة) – المزينة، وكان يكره الحزب، ويضيّق على التلاميذ الذين هم من بيوت قومية. إذ إنّه مرّة طرد من المدرسة لعدّة أيام شقيقتي ليلى ورفيقتها ليلى خوري، وكانتا في الصف الرابع، لأنهما تقفان في الاستراحة مع معلم قومي (إلياس الفاضل) من مرمريتا. ومرة وجّه لي تنبيهاً وكنت في الصف الثالث، لأنني كتبت في موضوع إنشاء كلمة سورية ووضعتها بين قوسين، وكتب لي ملاحظة على الموضوع، هي (لا تضع كلمة سورية بين قوسين لأنّ ذلك يدلّ على معنى سياسي). فرددنا عليه (مجموعة من التلاميذ) بأن كتبنا عبارات للزعيم على أوراق صغيرة ووضعناها في قفل باب المدرسة. إضافة لذلك، كنّا نلتقط طيور السنونو، ونعلّق بها أوراق عليها رسم الزوبعة أو عبارات للزعيم ونطلقها لتطير. كذلك في صيف 1956، افتتحت شقيقتي الرفيقة سهيلة مدرسة صيفية مجانية، وكانت تعلّم التلاميذ إضافة للدروس أناشيد قومية، وهذا أثار (الأستاذ دعاس) المذكور آنفاً، وأخبر دائرة الأمن وأغلقت المدرسة.
إضافة لذلك سأبيّن الوجود القومي في بعض القرى المجاورة:
المزرعة: مطانيوس حنا شماس (توفي)، حنا مطانيوس شماس (سافر إلى الولايات المتحدة – توفي)، ميخائيل مطانيوس عبود (توفي)، رفيق فائق حداد.
المزينة – (المزيبلة): أعرف عنها بعض الشيء، لأنني تعلّمت فيها بين 1954 – 1960. أذكر أننا كنّا نشارك كأشبال في احتفالات الأول من آذار. وأذكر احتفال الأول من آذار 1955 الذي كان متميّزاً، إذ بعد إشعال النار على رؤوس التلال وأسطح البيوت، تجمّع القوميون والمؤيّدون في ساحة أمام دكان أحد المواطنين بصفوف نظامية، وحضر الاحتفال عدد من أفراد الشرطة للحماية، بسبب أنّه قبل أيام حصلت معركة بين الشيوعيين والقوميين في قرية الحواش بعد اعتداء الشيوعيين على مندوب جريدة البناء، الذي حضر إلى المنطقة لمتابعة اشتراكات الجريدة. عند إلقاء الخطابات، كان رجال الشرطة المتواجدين حول صفوف المحتفلين، يرفعون قبعّاتهم عند كلّ هتاف يصدر من المحتفلين. بعد الاحتفال انتقل عدد من المحتفلين إلى بيتنا، ليكملوا السهرة التي تخلّلها أغانٍ وأناشيد قومية، وكان بين الحضور رفقاء من تلكلخ.
في المدرسة (الحصنية المتوسطة) – الحلقة الإعدادية – كان فيها عدداً كبيراً من القوميين من قرية (المزيبلة) – المزينة. وفي القرى الأخرى المجاورة، وفي عام 1955 – 1956 انتمى عدد من الطلاب إلى الحزب مثل قرى (بحور، برشين، كفرام، الحواش).
ومن المعلمين القوميين في المدرسة منذ بداية تأسيسها كان عيسى بندقي من حمص، إلياس غازي من الكورة، يوسف أبو حلقة (أعتقد من فلسطين)، طلال الجرجس من مقعبرة، جورج شحود من صافيتا، رياض جرجس من مقعبرة، منيف سعد من الخريبة (الناصرة).
القوميون في (المزيبلة) المزينة: فوزي نادر (أعتقد كان مدير المديرية)، وشقيقه ميشيل نادر، إلياس نادر وشقيقه سليم وشقيقته سلمى، ميشيل نادر، يوسف قطريب، وشقيقه نزيه (الآن في الولايات المتحدة)، زخّور زخور (في الولايات المتحدة)، دعاس عبود، فاضل مخول (صار ضابطاً في الجيش – الآن في الولايات المتحدة)، وشقيقه شكري، أمين عبود، جميل عبود، وديع نصّار (انحرف عام 1955)، ميشيل سويد، مسيوط سويد، وشقيقه غسان، يوسف الطلب وشقيقه تامر، عزت الطلب، صبحي الختيار، إبراهيم القاعي، جبران الخوري، سمير سويد، حبيب قطناوي، وشابّين من بيت قويق لم أعد أذكر اسمهما.
القوميون في عين الغارة: د. إبراهيم حداد، صار مدرّساً في جامعة دمشق، ثمّ وكيلاً لكلية العلوم، ثمّ وكيلاً للجامعة ثمّ مديراً لهيئة الطاقة الذرية، ثمّ عضواً في هيئة الطاقة الذرية الدولية، ثمّ وزيراً للنفط، وحالياً مديراً لإحدى الجامعات الخاصة.
د. إلياس حداد (شقيق الدكتور إبراهيم). صار ضابطاً في الجمارك (واستقال من عمله)، حصل على دكتوراه في الحقوق من فرنسا، وعمل مدرّساً في كلية الحقوق في جامعة دمشق ووكيلاً للكلية، ثمّ في مؤسسة الأسواق المالية، ومدرساً في جامعة القلمون الخاصة.
هذا موجز من سنة 1960.
الأمين سهيل رستم في سطور، نقلاً عن الكتيب الذي وزعته عائلته بمناسبة مرور أربعين يوماً، ويتضمّن كلمات قيلت في رحيله.
ولد الأمين سهيل رستم في دمشق عام 1946
انتمى الى الحزب عام 1966
حفلت مسيرته الحزبية بالالتزام والعطاء والإبداع، وتحمّل مسؤوليات محلية ومركزية، بدءاً من مسؤولية مذيع مديرية الى مدير مديرية، فناظر للإذاعة والإعلام، ثم ناموس لمنفذية حلب، ومنفذ عام لمنفذية دمشق، مفوض للكيان الشامي، ثم معتمد لمعتمدية الشام. كما تحمّل مسؤولية رئيس لجنة تاريخ الحزب في الشام لعدة سنوات.
منح رتبة الأمانة في العام 1981 وانتخب عضواً في المجلس الأعلى عام 1990، وحائز على شهادة البكالوريوس من جامعة دمشق، قسم العلوم الجيولوجية.
كتب الأمين الراحل العديد من الدراسات حول المفاهيم القومية الاجتماعية، وهو الصحافي الملتزم والباحث المتمكن والقيادي الواسع الثقافة، المتعمّق بفكر سعاده وفلسفته، له العديد من المؤلفات والدراسات، تميّز بمناقبيته القومية، وكان من القيادات الحزبية ذات الحضور الاجتماعي والثقافي.
عايش العديد من المحطات الحزبية الرئيسية وكان أميناً مؤتمناً على مبادئه وعقيدته، طيلة حياته، وخصوصاً
يوم كان مفوضاً خلال مرحلة العمل السري في الشام.
توفي الأمين سهيل رستم في 27/9/2015، وشيّع في اليوم التالي في بلدته مقعبرة (منفذية الحصن)،
في مأتم حزبي وشعبي لافت.
صدرت له المؤلفات التالية:
سيناء – دار فكر – بيروت -2000.
جذور العولمة الأميركانية- دار فكر – بيروت – 2010
الفكر القومي الاجتماعي – الجزء الأول – دار فكر – بيروت – 2011
الفكر القومي الاجتماعي – الجزء الثاني- دار فكر – بيروت – 2012
صيانة العقيدة والحركة – دار فكر – بيروت – 2013
العالمية في الفكر السوري (انطون سعاده نموذجاً) – دار فكر – بيروت – 2013
سوريون في التاريخ – دار فكر – بيروت – 2013
سعاده والسياسة الفرنسية- دار فكر – بيروت – 2013
النظام المركزي ووحدة العمل – دار فكر – بيروت – 2014
سعاده والسياسة التركية – دار فكر – بيروت – 2014
الأزمة في الشام، نظرة ومواقف – دار فكر – بيروت- 2014
موقف سعاده من السياسة الأميركانية وجامعة الأمم والمؤتمرات الدولية – دار فكر – بيروت – 2014
سعاده والسياسة البريطانية – دار فكر – بيروت – 2014
لواء اسكندرون – دار فكر – بيروت – 2015
موقف سعاده من الصهيونية والمسألة اليهودية- دار فكر
أسس مع الأمين حيدر الحاج اسماعيل فكرة أطلس سورية ويرجع له الفضل الأول في تنفيذ الفكرة بمساعدة الأمين فايز شهرستان واستشارة الدكتور عادل عبد السلام، برسم الخرائط.
وله تحت الطبع:
1 ملامح تاريخية في كتابات سعاده.
2 نظرة سعاده الى العروبة والعالم العربي.
عند رحيله نشرت الكلمة التالية:
الأمين سهيل رستم… أمثالك نادرون
ليتني لم اعرفه. ليتني لم أرد على الهاتف، فلا يصلني خبر نعيه، فأقف بذهول أمام فداحة خسارة ذلك الرائع.
مذ عرفته في أوائل السبعينات، أحببته، وأحببت كلّ تلك العائلة المليئة بمناقب النهضة.
كنتُ مكلّفاً بمتابعة التنظيم الحزبي السري في الشام، وكان مفوّضاً للحزب فيها، وعرفتُ أيضاً الأمين، الصادق، المؤمن، القومي الاجتماعي خليل الخضري، وتباعاً الرفقاء الذين تعاقبوا وتولوا المسؤولية الأولى: الرفيق د. طلال الخوري، الرفيق معزة الاشهب، الأمين إيليا المعرّي، الأمين عبد الكريم عبد الرحمن.
كنتُ كلّفت رفقاء بمهمات البريد الحزبي من – الى دمشق، منهم الرفيقة إخلاص حردان (عقيلتي لاحقاً)، وما زلتُ أذكر انها كانت تتوّجه الى ملحمة الرفيق عوض القيّم في دمشق. كلمة السر: تُسلّم وتتسلم.
توجهتُ أكثر من مرة الى دمشق. كان الأمين سهيل رستم، وكان الأمين خليل الخضري الطودين اللذين لا أنساهما.
مرة توجهت مع الرفيق سمير جواد تلبية لدعوة الأمين عصام المحايري، الذي كان يتولى مسؤولية الرئيس المؤقت للحزب.
منذ ذلك الحين استمرت علاقتي بالأمين سهيل، وكلّ أهله: الأمينة الرائعة راغدة، الباشّة المشعّة أخلاقاً وطيبة سهيلة، الرفيقة جهينة التي التقيت بها في الأرجنتين والتقيت قرينها الرفيق ميخائيل ميخائيل الذي رحل باكراً تاركاً غصّة ولوعة وكثيراً من الحزن.
كان الأمين سهيل رستم «التوأم» على صعيد تاريخ الحزب.
ليس فقط لأنه تولى مسؤولية رئيس لجنة تاريخ الحزب في الشام لسنوات طوال، انما لأنه تاريخ من الذاكرة والمعلومات، والأرشيف الذي يندر ان يحتفظ رفيق آخر بمثله.
يترك الأمين سهيل برحيله فجوة هائلة، فهو كان يُقصد في الكثير: ثقافةً وتاريخاً وبحثاً وحضوراً عقائدياً.
بيته، والأمينة راغدة، كان مركزاً للقوميين الاجتماعيين. قلّة هم الرفقاء في دمشق الذين لم يعرفوا منزله، لم يتردّدوا إليه ولم يستمعوا الى شلالات من الثقافة والوعي والتوجيه العقائدي والمناقبي. فإن توقف للحظات، تابعت الأمينة راغدة، وان تعبت (ترى هل تعرف التعب؟)، استمرّ الأمين سهيل، يدفق من خزائنه، ما لا ينضب.
سيمرّ وقت طويل قبل ان نعتاد على رحيل الأمين سهيل، وسيخسر ذلك المنزل – المركز عموداً اساسياً، ودمشق يتيمة برحيله.
معه، كنت تقعد مع قومي اجتماعي، شرب العقيدة حتى الثمالة، وجسّد فضائل النهضة حتى ادق شرايينه، صدقاً ونقاوة وتواضعاً ووفاء ووضوحاً في كل كلمة وفي كل تصرّف.
أشعر، برحيل الأمين سهيل انّ شيئاً اساسياً من ذاتي قد هوى.
بتُّ لصيقاً به، وكان لصيقاً بي، وانْ لم نلتق إلا نادراً.
في أعماقي اليوم حزن كبير. وسيستمر.
أمثالك نادرون يا أمين سهيل. سيمرّ وقت طويل قبل ان نفيق من هول المفاجأة ونصدّق انك رحلت. وفي كلّ يوم سنلمس كم ان خسارتك موجعة جداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى