أولى

أين الموقف العربي الموحّد دعماً للأونروا…؟

‬ بشارة مرهج*

بناء على الدعوى التي قدّمتها دولة جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” وممارساتها الإجرامية بحق غزة وأهلها أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارات أدانت بموجبها “إسرائيل” وألزمتها الامتناع عن جميع الأعمال التي تدخل في نطاق اتفاقية منع الإبادة الجماعيّة. كما حسمت بأنّ ما ارتكبته “إسرائيل” في غزة يمكن أن يندرج ضمن أحكام اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وأكدت حق الفلسطينيين في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية وشدّدت على “إسرائيل” أن تضمن، بأثر فوري، عدم قيام قواتها بارتكاب أيّ من الأفعال المنصوص عليها في الاتفاقية.
وبموجب هذا القرار الدولي الذي شاركت فيه دول كبرى أطلسية مؤيدة للصهيونية كان يُفترض بهذه الدول أن تنصاع للقرار الذي شاركت فيه، عبر قضاتها، وتشكل لجاناً ذاتية لمراقبة تنفيذ القرار، ولجاناً أخرى للتأكد من دخول المساعدات الطبية والغذائية والحياتية الكافية التي يحتاجها أهل غزة المحاصرون بالقذائف “الإسرائيلية” المتلاحقة وسياسة التجويع المتصاعدة.
لكن بدلاً من ذلك عمدت هذه الدول بتحريض من الإدارة الأميركية الى شنّ هجوم لا مبرّر له على وكالة الأونروا التي تمّ تأسيسها بناء على قرار من الأمم المتحدة، والتي يتركز عملها على إغاثة الفلسطينيين وتأمين الغذاء والطبابة والتعليم لهم باعتبارهم ضحايا التهجير الصهيوني.
وادّعت هذه الدول أنّ مشاركة بعض أفراد من موظفي الأونروا في “طوفان الأقصى” يكفي لمعاقبة الأونروا والامتناع عن تمويلها على الرغم من أنّ الموظفين “المتهمين” بمساعدة مواطنيهم لم يخضعوا للتحقيق أو المحاكمة بعد، ولم تصدر أحكام بحقهم مما يكشف نية الحلف الأطلسي في الضغط على الفلسطينيين ومساعدة تل أبيب على تجويعهم وتشريدهم خارج بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم وبلادهم، وكأنّ ما تفعله “إسرائيل” اليوم من إبادة جماعيّة لا تكفي.
انّ هذا التوجه الأطلسي لاغتيال الأونروا وإنْ كان عصياً على التنفيذ لارتباطه بقرارات جوهرية سابقة للأمم المتحدة التي ترفض تفكيك الأونروا بغالبية أعضائها، إلا أنه يشي بتصميم الكتلة الأطلسية على تصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حق العودة وإرغام الدول العربية على إدماج الفلسطينيين في مجتمعاتها خلافاً لرغبة اللاجئين الفلسطينيين المتمسكين بهويتهم الوطنية وخلافاً لرغبة أهل البلاد المضيفة.
وإذا كانت بعض الدول الأطلسية تتحفظ اليوم على هذا القرار فلأنها تعتبره مستعجلاً ويأتي في لحظة غير مناسبة تستقطب فيها القضية الفلسطينية تأييداً عالمياً واسعاً يستنكر ويستهول المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والحرب الدموية المرافقة لها.
مقابل هذه السياسة الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهلها إلى مصر والدول العربية المحيطة فإنّ الدول العربية ملزمة اليوم، كلها وبدون استثناء، التقيّد بالتزاماتها واحترام تعهّداتها تجاه الأونروا، وتالياً دعمها سياسياً ومالياً وصولاً الى إسقاط المنطق الأميركي – الأطلسي الذي يسعى لفكّ كلّ الارتباطات القانونية المتعارف عليها، والفتك بكلّ المواثيق الدولية، وإطلاق يده للتنكيل بشعوب العالم وترويضها ونهب مواردها وإخضاعها لمنطقه السياسي العنصري الآتي من جحور الاستعمار قديمه وجديده.
إنّ معركة فلسطين اليوم تبرهن عمق ارتباطها بقضية التحرر الإنساني من الاستعمار والاستبداد والأبارتيد. وشرف كبير لكلّ العرب أن يكونوا جزءاً من هذا الكفاح العالمي بوجه الصهيونية وعنصريتها ودمويتها واحتقارها لحقوق الشعوب كافة.

*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى