على توقيت المقاومة…
نمر أبي ديب
بعيداً عن مفاهيم السياسة العسكرية التي كرّسها نموذج حرب تموز 2006، وشروطها الميدانية، ذهب بعض من في الداخل اللبناني، والخارج (الإقليمي والدولي) بعيداً في مقاربته العملية، لمسار المعركة الممتدة من فلسطين المحتلة غزة تحديداً، مروراً بالبحر الأحمر العراق سورية وصولاً إلى لبنان ضمن قراءة سياسية مجتزأة للجغرافيا التصادمية، التي عكستها بشكل أو بآخر ميادين الحروب المشتعلة في الدول المذكورة، يضاف إليها اليوم الافتقاد الجدي/ الحقيقي للثقافة العسكرية عند البعض كما الفهم الاستراتيجي للتكتيك الميداني، ما يرتب مع الهندسات العسكرية الحديثة، اعتبارات عديدة لا تلحظها أقلام البعض سواء عن جهل عسكري أم عن سابق تصوّر وتصميم، وأيضاً انتباههم السياسي، وتلك فجوة مدمرة للمصداقية السياسية من جهة كما للعسكرية، التي حاول البعض من خلالها تمرير مقاربات تحليلية غير متوازنة، انطلاقاً من ذرائع مستحدثة وتكهّنات لا تمتّ إلى الحقائق الميدانية في صلة، انطلاقاً أيضاً من خلفيات سياسية، وعقائدية، واجتماعية تندرج ضمن إطار التضليل السياسي الممنهج كما التحريف المتعمَّد للوقائع العسكرية، وأيضاً لتطورات الأحداث المتلاحقة على الساحتين الإقليمية والدولية.
في سياقٍ متصل، بلغت المقاومة الفلسطينية مع عملية طوفان الأقصى مرحلة جديدة من المواجهات العسكرية غير الاعتيادية، التي أكَّدَت من خلالها حماس على جملة اعتبارات ميدانية من بينها: الإعداد العسكري لعملية جداً استثنائية، كفيلة بكسر التوازن الميداني، لصالح ضوابط استراتيجية عنوانها الأول (توقيت المعركة)، في مشهد أمني وعسكري، متحرّر من جميع الاعتبارات، وأيضاً من الانجرار إلى مساحات تخدم سياسات العدو ومخططاته «الشرق أوسطية» ما يمثِّل على مستوى الرؤية والحياكة الميدانية للحدث الجزء الأول، لا بل الأساس في مقاربة أيّ جبهة عسكرية، على امتداد المحور الممانع، إذ يشكِّل ما تقدَّم «المنطق والقاعدة»، التي يُبنى عليها في مراحل إعداد الصياغة الفكرية والعملية لأيّ مخطط أمني، وحتى عسكري، يمكن أن يطرح على طاولات البحث الميداني لفصائل المقاومة في فلسطين المحتلة ولبنان.
قد يكون التكامل في جبهات المقاومة، أحد أبرز عناوين المرحلة وأكثرها اجتزاء للحقيقة الاستراتيجية من قبل بعض المتابعين، مع تباين استطلاعي واضح، قائم على قراءتين: قراءة أولى قائمة على مبدأ التكامل مع توفُّر العناصر الاستراتيجية المانحة بالتزامن مع أيّ تدخل أو محاولة، فرصة إحداث فارق استراتيجي كبير بالتكامل مع مقومات الخطة، ومتدرجاتها الزمنية التي قامت بها ومن خلالها استثنائية «الرؤية وأبعاد التصوُّر».
ثانياً النظرة المنبثقة عن محور التضليل: في البعد النابع من افتقار أو افتقاد المحلل، إلى مجمل عناصر «المقاربة الصحيحة»، وهذا يحدث حكماً في مراحل إقحام الذات، ومعها الدوافع والخلفيات في مقاربات أضخم وأكبر من قدرة البعض على الاحتواء والتعليل، وهنا تجدر الإشارة إلى المستحقات السياسية للتحليل، يضاف إليها حتمية المسائلة الوطنية من جهة وتحمّل المسؤولية الأخلاقية في أحداث دقيقة وحساسة، من تاريخ المنطقة والعالم، أحداث تعتبر فيها «المقاربات الخاطئة مشبوهة» وأيضاً جريمة موصوفة بكلّ المعايير الوطنية والاخلاقية، كما أنّ القانون لا يحمي المغفلين، المحكمة الوطنية الشعبية التي يتصدّرها «قاضي الرأي العام» لا تحمي المستثمرين في أمن المقاومة والوطن، انطلاقاً من مسلمات وحقائق عديدة أبرزها: «التاريخ لا يرحم»، ومعادلة لم أكن أعلم، لم ولن تحمي في ظروف استثنائية ومحطات مصيرية جملة المحوّرين والمحرّفين للوقائع الميدانية، والمقاربات العسكرية والسياسية، التي تساهم عن قصد او عن غير قصد في تغذية المؤامرات الخارجية، والدوافع السلبية، التي تعمل على «تشويه الصورة» ومعها السياق الطبيعي الذي يتظهَّر من خلاله السلوك الميداني العام، والآداء النوعي لمجمل القوى الممانعة والدول المقاومة.
ثانياً في البعد المؤامراتي الصرف الذي يدخل من خلاله التشويه الممنهج للوقائع الميدانية وأيضاً للحقائق، إطار الاستدراك المسبق لمفاعيل «النمط المؤامراتي»، وتأثيره المباشر على الرأي العام اللبناني كما الدولي، يضاف إليه «الحروب النفسية»، ومؤثراتها الإعلامية، مع ما يمكن أن تتركه تلك المؤثرات من مشاريع تشويه و»تغربة وطنية» على مجمل البيئات الداخلية الداعمة والحاضنة للفعل المقاوم، وهنا تجدر الاشارة إلى عوامل عديدة من بينها:
القوى الفاعلة في بنية النشاط المؤامراتي، «نواة تكاملية» في جسد المحور المعارض، المواجه لدول المقاومة.
ثانياً: الانغماس الكامل في مشروع التشويه السياسي والعسكري، شراكة كاملة بمفاعيل النتيجة المترتبة على اجتهادات نابعة من خلفيات سياسية ودوافع، غير بريئة تخدم عن قصد المشروع الأميركي في المنطقة، تحديداً في كل من فلسطين المحتلة ولبنان.
في سياقها العام والطبيعي ترتب «وحدة الساحات» على مجمل دول المواجهة استراتيجية تعاطياً مختلفاً، وجهداً استثنائياً محكوماً بتوقيت عام يتضمّن مراعات ميدانية لمجمل عناصر التفوق السياسي والعسكري، يضاف إليها مقومات الصمود الاستراتيجي في جبهات المواجهة، ما يمنح في سياقه العام ويجسِّد، المعنى الحقيقي للتكامل في جبهات المقاومة، إذ يعكس من زوايا مختلفة الإطار العام، الكامل وحتى الجامع على مستوى معارك الفصل الوجودية، جوانب عديدة في صيغة شبه واحدة تلحظ بشكل كامل ودقيق متطلبات المعركة الأساس، ومجمل مستحقاتها الميدانية العسكرية كما اللوجستية إضافة إلى توقيت التدخل الأمني والعسكري، بعيداً عن مجمل الاعتبارات السياسية والمواقف الانفعالية.
انطلاقاً من وجودية المرحلة، وبعيداً عن أقلام الضرورة، ومقاربات المصالح السياسية «العابرة للحدود»، المعركة اليوم على تماس مباشر مع خط فصل استراتيجي وآخر وجودي قائم على موازين عسكرية جديدة، و»هندسات ميدانية»، متلازمة في أبعادها الاستراتيجية مع حقيقة استثنائية، حروفها الأساسية: «على توقيت المقاومة».