أولى

ردّ المقاومة على مقترح الهدنة… أحبط الفخ الأميركي «الإسرائيلي» وعكس قوتها في الميدان

‬ حسن حردان

جاء ردّ المقاومة الموحد، الذي أبلغته حركة حماس للوسيطين القطري والمصري، على مقترح اجتماع باريس الرباعي للهدنة المؤقتة وتبادل الأسرى، صادما لكلّ من واشنطن وتل أبيب… لأنهما لم تتوقعا رداً من هذا النوع، يعكس صلابة وقوة وتماسكاً في الموقف، بل توقعتا ان يكون الموقف مرناً ويلهث وراء قبول عرض هدنة مع تعديلات ليست جوهرية، انطلاقاً من اعتقادهما انّ المقاومة في الميدان باتت ضعيفة ولم تعد تملك القدرة على الاستمرار فترة طويلة في القتال، بعد أربعة أشهر من الحرب والتدمير الذي أحدثه جيش الاحتلال في قطاع غزة والخسائر التي مُنيت بها فصائل المقاومة، والمعاناة الإنسانية الثقيلة التي تسبّبت بها حرب الإبادة الصهيونية وأدّت إلى استشهاد وجرح أكثر من مائة ألف مواطن فلسطيني وتشريد أكثر من مليون ونصف مليون مواطن من منازلهم التي دمّرت، وأصبحوا يعيشون في خيم مترهّلة في محافظة رفح المحاذية للحدود مع مصر…
لكن المقاومة خيّبت ظنّ العدو ومن ورائه واشنطن، لأنها أدركت ووعت جيداً الفخ المنصوب لها من وراء مقترح باريس، والذي يستهدف تحقيق هدنة مؤقتة، لا تنتهي بوقف الحرب وإنهاء العدوان، وفكّ الحصار، وإعادة الإعمار، ووقف الاعتداءات على المسجد الأقصى، كما طالبت حماس في ردّها، ويكون خلالها كيان الاحتلال قد استعاد أسراه في عملية التبادل وانتزع من المقاومة ورقة القوة التي تملكها وتضغط بها على حكومة العدو ومجتمعه، إلى جانب الخسائر الكبيرة التي يُمنى بها جيش الاحتلال على أيدي رجال المقاومة في الميدان.. وفي المقابل لم تحصل المقاومة سوى على هدنة مؤقتة، وزيادة في إدخال بعض المساعدات الإغاثية لأهالي القطاع، والسماح بتنقلهم بين الجنوب والشمال…
وبالتالي، بعد انتهاء الهدنة وإنجاز تبادل الاسرى، يكون جيش الاحتلال التقط أنفاسه وأعاد تأهيل قواته، التي تعاني من الخسائر الفادحة في الأرواح، والإحباط والضعف في المعنويات ونتيجة استمرار الفشل في تحقيق أيّ من الأهداف العسكرية، وبات جاهزاً لاستئناف عدوانه من جديد، كما يخطط رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، مدعوماً من الوزراء المتطرفين، ويتمّ تصعيد العدوان بكلّ شراسة، مترافقاً مع إعادة تشديد الحصار، بغية تحقيق أهدافه، بعد أن تخلّص من عبء الأسرى وأعاد توحيد الجبهة الداخلية خلف قراره الاستمرار في الحرب مراهناً على تحقيق ما يحلم به من انتصار ينقذ مستقبله السياسي وكيانه من تداعيات الهزيمة أمام المقاومة مرة ثانية…
غير انّ الرياح لم تجر كما تشتهي سفن تل أبيب وواشنطن، فردّ المقاومة لم يحقق لهما أحلامهما، لبلوغ ما عجزوا عنه بالقوة، بواسطة الخدع والفخاخ السياسية… لأنهما توهّمتا انّ المقاومة قد هُزمت وباتت جاهزة لقبول صفقة تستسلم فيها لشروط الاحتلال.
لهذا جاء ردّ المقاومة، بضرورة ان يضمن الاتفاق هدنة تامة ومستدامة، ووقف النار والعدوان، وإغاثة سريعة للقطاع بتأمين المساكن الجاهزة والخيم وكلّ ما يحتاج اليه من مساعدات إنسانية، وفك الحصار، وإنجاز إعادة الإعمار خلال ثلاثة سنوات، جاء هذا الردّ ليؤكد الدلالات الآتية:
الدلالة الأولى، أنّ المقاومة لم تتعب او تهن او تضعف عزيمتها ولا قدراتها على مواصلة خوض حرب طويلة النفس، حتى تضطر إلى القبول بصفقة مذلة تخدم مخطط الاحتلال وأهداف عدوانه.. وهو الأمر الذي اعترفت به إذاعة جيش الاحتلال عندما خالفت ادّعاءات وزير الحرب يوآف غالانت، وقالت انّ حركة حماس ما زال لديها مائة ألف صاروخ، وانّ الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى عام او عامين حتى يتمكن من القضاء على قدراتها.
الدلالة الثانية، إنّ المقاومة ما زالت تملك السيطرة واليد العليا في ميدان القتال في كلّ المناطق، بما فيها تلك التي توغل فيها جيش الاحتلال وادّعى انه فرض سيطرته فيها، وأكبر برهان على ذلك عملية المقاومة النوعية في المغازي على بعد 600م من السياج، واستمرار المقاومة الضارية في كلّ مناطق شمال غزة.. عدا طبعاً عن المقاومة الشرسة التي تواجه جيش الاحتلال في خان يونس وجوارها.
الدلالة الثالثة، انّ المقاومة، ورغم المعاناة الإنسانية الثقيلة، لا تشعر بأيّ ضغط شعبي عليها للقبول بصفقة لا تحقق مطالبها.. بل على العكس ما زالت تتمتع بدعم وتأييد أهالي القطاع، ولسان حالها انّ الشعب الفلسطيني قد دفع الثمن ولم يعد لديه ما يخسره ليرفع الراية البيضاء.. وانّ الذي يدفع المزيد من الأثمان، مع كلّ يوم تستمر فيه الحرب، هو كيان الاحتلال.
الدلالة الرابعة، انّ من هو في موقع ضعف وتعب ويراهن على صفقة تنقذه من الإقرار بالهزيمة وتحقق له إنجازاً يستطيع أن يقنع به الصهاينة بأنّ الضغط العسكري أجبر في النهاية حماس على إطلاق الأسرى بشروطه، إنما هو الكيان الصهيوني ورئيس حكومته نتنياهو، الذي يراهن على تحقيق صورة نصر تنقذ مستقبله السياسي وتجنّبه السقوط على طريقة سلفه إيهود اولمرت.. ولهذا فإنّ نتنياهو اصيب بالخيبة.. بعد أن نجحت المقاومة في إعادة رمي الكرة في ملعبه، وجعله في مواجهة استمرار ضغط عائلات الأسرى وجيشه المنهك والمحبط والذي بات يتوق لمن يخرجه من الغرق المستمر في رمال غزة التي حوّلتها المقاومة إلى شرك لجنود الاحتلال ودباباتهم تصطادهم كما يصطاد الصياد الطيور.. كما تثبت مشاهد الفيديوات التي تعرضها يومياً، كتائب القسام، والتي تحوّلت إلى شاهد على هزيمة وفشل جيش الاحتلال في مواجهة مقاومين يملكون شجاعة وجرأة القتال من مسافة صفر ومهارة وكفاءة وخبرة أذهلت العدو والصديق على السواء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى