مقالات وآراء

تعنت نتنياهو…. والسياسة الأميركية اللامتوازنة

‭}‬أحمد عويدات

المتابع للخط البياني للسياسة الأميركية التي ينتهجها بايدن وإدارته، يلحظ صعوداً وهبوطاً تمليهما التطورات الميدانية تارة، والمواقف والمصالح السياسية تارة أخرى، لمختلف الأطراف سواء «الإسرائيلية» أو الإقليمية أو الحليفة للولايات المتحدة.
هذا التذبذب في المواقف يمكن رصده من خلال التصريحات التي يدلي بها المسؤولون في الإدارة الأميركية بمختلف مستوياتهم، ويشاركهم الكثير من مشرّعي الكونغرس وأعضاء بارزين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
الواضح تماماً أنّ هذه التصريحات والمواقف تأخذ أحياناً أشكالاً متناقضة؛ ففي الوقت الذي يطالب فيه بعض النواب الأميركيين بوقف لإطلاق النار، وإنهاء لهذه الحرب المجنونة؛ التي تزهق أرواح آلاف البريئين من السكان المدنيين، وتهدر في الوقت ذاته أرواح الأسرى «الإسرائيليين» المحتجزين لدى المقاومة، يتمّ من جهة أخرى التصويت لتزويد دولة الكيان بالسلاح والعتاد الذي يمكنها من مواصلة الحرب ودوامة القتل والتدمير.
السؤال هنا، كيف يمكن تفسير هذين الموقفين المتناقضين؟
وفي السياق ذاته، كثرت في الآونة الأخيرة تصريحات لكيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية بما يردّده عن رئيسه بايدن تتعلق بضرورة حلّ الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية. وكذلك ما صرّح به بلينكن وزير الخارجية أمام مؤتمر ميونيخ للأمن «إّن قيام دولة فلسطينية أصبح أكثر إلحاحاً من أيّ وقت مضى، بحيث تضمن أمن إسرائيل، وتقدّم الإلتزامات المطلوبة للقيام بذلك».
بيد أنّ هذه المواقف سواء الأخيرة منها، أو ما قبلها لو ووضعت في مسارها العملي التطبيقي، لوجدنا أنها مجرد مناورة متجدّدة لكسب الوقت بانتظار تغيير ما في الظروف الميدانية، وأنها تفتقر إلى المصداقية والجدية؛ لكونها تخلو في المقام الأول من برنامج زمني، وآليات التنفيذ، والتوصيفات اللازمة. ثانياً، الافتقار إلى توفير الأرضية الممكنة للبدء بهذا الحلّ. ثالثاً، ممارسة الضغط لدفع قادة الكيان ولربما بالحدّ الأدنى إلى القبول بهذا الحلّ من حيث المبدأ.
وعلى الضفة الأخرى، تأتي تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بالرفض المطلق لمجرد الحديث بهذا الأمر، ولعلّ ما صرح به إيلي كوهين وزير الطاقة الإسرائيلي ما يؤكد هذا الموقف بقوله: «نفضل عدم التوصل إلى إتفاقيات سلام، اذا كانت ستؤدّي إلى قيام دولة فلسطينية»
وفي سياق متصل، لم يصدر عن الإدارة الأميركية أيّ موقف أو تصريح يدين أو ما يمثل رداً على ما ورد على لسان نتنياهو عندما ذهب إلى القول: «إنّ أيّ إعلان أحادي الجانب للاعتراف بدولة فلسطينية لن يجلب السلام، إنما سيخاطر بأمن إسرائيل». كذلك لم يصدر أيّ ردّ فعل على تصويت الكنيست الإسرائيلي بالإجماع لمقترح نتنياهو برفض فكرة حلّ الدولتين، والذي يفاخر نتنياهو بأنه كان وراء رفضه منذ تسلمه رئاسة الحكومة قبل 17 عاماً وحتى الآن.
هذا التراخي واللامبالاة من قبل إدارة بايدن؛ إنما يعبّر عن حقيقة الموقف الأميركي الداعم بلا حدود لسياسة قادة الصهاينة، ليس فقط في مقترح حلّ الدولتين الذي بات وكأنه اجترار لما سبق، وذرّ للرماد في الأعين؛ بل في كافة القضايا الآنية والملحة المتعلقة بالوضع الراهن في المنطقة، بدءاً من وقف العدوان، والضغط على الأطراف الإقليمية بالسماح لدخول المساعدات بوفرة وإلى كافة مناطق القطاع؛ لوقف شبح المجاعة والأوبئة المنتشرة، ناهيك عن مناقشة اليوم التالي للحرب، وممارسة النفوذ بعقد الصفقة الصغرى لتبادل الأسرى، وصولاً إلى الصفقة الكبرى، وإقامة الدولة الفلسطينية مقابل التطبيع الشامل مع دول المنطقة، والاعتراف بدولة الإحتلال.
وبلغ التغاضي، بل التعامي عن سياسات نتنياهو، فيما سماها هذا الأخير بالخطة الإستراتيجية، وما حملته من مواقف وخطط ميدانية لا تتماشى أبداً مع توجهات السياسة الأميركية .
مما سبق يمكن الاستنتاج؛ أنّ تماهي المصالح الأميركية والإسرائيلية على حدّ سواء يجعل موقف إدارة بايدن يسير متقاطعاً مع الموقف الإسرائيلي في كافة التفاصيل والقضايا السياسية والدبلوماسية والقانونية واللوجستية. وهذا ما عبّر عنه استخدام الفيتو الأخير ضدّ المشروع الجزائري الداعي لوقف دائم وفوري لإطلاق النار؛ والذي أيّدته 13 دولة وامتناع بريطانيا عن التصويت.
هنا لا بدّ من التذكير بأنّ هذا هو الفيتو الثالث للولايات المتحدة ضدّ وقف إطلاق النار، والمرة 36 ضدّ مشروع يتعلق بالقضية الفلسطينية من أصل 38 مرة صوت عليها مجلس الأمن منذ 1945.
وهكذا تنفرد إدارة بايدن بهذه المواقف، غير آبهة بتداعيات سلوكها الداعم للاحتلال، وكأنها باتت مطمئنة أو جاهلة لوضعها الانتخابي الذي يشهد تراجعاً ملحوظاً في شعبية الحزب الديمقراطي ومرشحه بايدن، خاصة في صفوف الجاليات العربية والمسلمة ومؤيديهم من الجاليات الأخرى، وذلك على خلفية مواقف هذه الإدارة من جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للقوات الإسرائيلية الغازية في قطاع غزة، ورفضها المتكرّر وقف إطلاق النار، وتبنّيها للرواية الإسرائيلية، وممارسة سياسة التضليل لشعوبها والمجتمع الدولي.
لقد بات واضحا أنّ إدارة بايدن تسعى بهذه السياسة إلى مغازلة أصوات اليهود لكسبها وإرضاء اللوبي الصهيوني كونه اللاعب الأساسي في الانتخابات الأميركية مالياً وإعلامياً. وما الخلافات التي تظهر بين الفينة والفينة مع قادة الكيان؛ إلا فقاعات صابون ما تلبث إلا أن تختفي.
ختاماً، إنّ هذه السياسة اللامتوازنة للولايات المتحدة، القوة العظمى التي تتحكم بسياسات العالم، وتفرض شروطها على المجتمع الدولي، لا يصدق أنها لا تستطيع التأثير في سياسة نتنياهو الرعناء، ولا يصدق أنها لا تستطيع إيقاف الكارثة الإنسانية الأبشع في القرن الواحد والعشرين. إنّ هذه السياسة المتناقضة تضع إدارة بايدن موضع الشريك في العدوان على الشعب الفلسطيني، وليس داعماً للاحتلال فحسب، كذلك تجعلها شريكاً في دفع المنطقة إلى مزيد من التصعيد، وتوسع الحرب وتداعياتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى