أولى

دراكولا العصر والدماء القاتلة

‭}‬ د. حسن أحمد حسن*

أثبت بنيامين نتنياهو على امتداد ستة أشهر ونيف أنه يتربع هرم الإجرام والقتل والتدمير وسفك الدماء، وأن أنيابه قد استطالت بفعل الإدمان على مص دماء الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ ومرضى وطواقم طبية إعلامية في داخل فلسطين المحتلة وخارجها، إلى درجة التبرؤ التام من كل ما له علاقة بإنسانية الإنسان. والمعضلة التي أضحى نتنياهو وأعضاء حكومته العنصرية المتطرفة لا تكمن في الملل من السكر بدماء الأبرياء، ولا من قلة أدوات القتل والفتك والإبادة، ولا حتى في التبدل الطارئ في الخطاب المعتمد على المستوى العالمي الذي كان يتبنى التوحش الإسرائيلي ويدافع عنه. فالمسؤولون الصهاينة غير معنيين بغضب المجتمع الدولي الذي بدأ يتعافى من كي الوعي الذي فرضته واشنطن بالفيتو الجاهز للاستخدام من قبل جميع الإدارات الأميركية جمهورية كانت أم ديمقراطية، مع امتلاك القدرة على تفريغ أي قرار يمكن أن يصدر من محتواه وفاعليته لضمان اطمئنان قادة تل أبيب ودفعهم للاستمرار بممارسة هوايتهم المفضلة بغرز الأنياب المسمومة في عنق الطفولة والقيم الإنسانية، وإكمال العرض المسرحيّ المقيت لإسدال الستار على القضية الفلسطينية وكل ما يتعلق بها وإلى غير رجعة، وهيهات لهم أن يفلحوا في بلوغ هدفهم حتى في الأحلام…
ما يقضّ مضاجع نتنياهو وبقية مصاصي الدماء الصهاينة أن أنيابهم التي تطاولت كثيراً لم يعد بإمكانهم إخفاؤها داخل تجاويف الأفواه النتنة التي تقطر من أشداقها دماء الأطفال والنساء في غزة وغيرهاـ وأكثر ما يُزعج القتلة أن تلك الدماء اصطدمت بأنياب الإدارة الأميركية لبايدن وزبانيته التي حاولت الإطباق على عنق الضحية الفلسطينية من الجهة الخلفية بلا رحمة ولا اختلاج لضمير أخلاقيّ أو وازع إنسانيّ. وهنا كانت القفزة الطائشة التي ظن نتنياهو وفريق إجرامه أنها ستمكنهم من تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه طيلة الأشهر الستة المنصرمة برفع سقف العدوانية والتوحش والهروب إلى الأمام يقيناً منهم أن بايدن وإدارته ستلحقان بهم وتشدانهم من عضدهم، فكان الفصل الجنوني باستهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وبعد تمرير تسريبات متناقضة سارع “البيت الأسود” في واشنطن ـــ بعد التيقن من حتمية الرد الإيراني ـــ إلى غسل يديه والتنصل من المشاركة بالجريمة بأي شكل من الأشكال. وهنا مكمن السر في عدم التبني الإسرائيلي الرسمي للجريمة النكراء والسابقة في تاريخ العلاقات الدولية، إلا أن الأمر لا يحتاج إلى اعتراف لإثبات الجريمة المرتكبة أمام بصر العالم وسمعه، والقرار الإيراني محسوم، وقد صدر الأمر بحتمية الرد، ومعاقبة الكيان المارق على الشرعيّة الدولية وجعله يندم على فعلته، ومؤشرات الواقع القائم وقرائنه الدالة تؤكد أن أنياب نتنياهو تنتظر التكسير أو الاقتلاع بعد أن استطالت ووصل أذاها وإجرامها حد استهداف مبنى قنصلية دبلوماسية لدولة مستقلة ذات سيادة. وواهم من يشكك بأن التأخر في الرد الفوري من قبل طهران يعني إمكانية غض النظر عما حدث بتداعيات تتم هندستها لتكون البديل الذي يرضي القيادة الإيرانية ويدفعها لغض النظر عن الرد على الجريمة الإسرائيلية التي ما كان لها أن تتم لولا الدعم الأميركي اللامحدود، وتزويد تل أبيب بكل ما تطلبه لزيادة قدرتها على القتل وارتكاب الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية. ومن المفيدة هنا الإشارة إلى بعض النقاط المتعلقة بهذا الأمر، ومنها:
*تدمير مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق بصواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية أميركية الصنع يعني العدوان على أرض إيرانية، ومن حق طهران أن ترد على هذا العدوان بالطريقة التي ترتئيها قيادتها مناسبة، والمزاج الدولي اليوم لا يمنح واشنطن المزيد من الترف في تسويغ الإجرام غير القابل للتبرير، وهذا يعني أن إمكانية خلق تعاطف دولي مع الكيان المؤقت في تآكل متسارع.
*الاعتداء على القنصلية الإيرانية خطوة انتقامية من طهران على دعمها المقاومة الفلسطينية، وحرمان تل أبيب من إمكانية الاستفراد بغزة أو بأي طرف آخر من أطراف محور المقاومة. وهذا يعني أن الضغط الدولي لضمان وقف مسلسل الإبادة الجماعية ضد الوجود الفلسطيني بجميع مظاهره، وإمكانية التوصل لفرض وقف فوري لإطلاق النار، وفتح المعابر وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة قد يترك آثاره على القرار الإيراني بنوعيّة الرد ومستواه المتوقع.
*الكلام المذكور في الفقرة السابقة لا يلغي الرد الإيراني أبداً، لكنه قد يساهم في تخفيض بنك الأهداف المحملة على الصواريخ والمسيرات الإيرانية القادرة على الوصول إلى أي نقطة في الكيان وتدميرها، وهنا اختبار لإدارة بايدن، فإذا كانت راغبة فعلاً بعدم توسيع نار الحرب في المنطقة، فعليها تحقيق أمرين بآن معاً:
1 ـ إلزام حكومة نتنياهو على توقيع اتفاق فوري لإطلاق النار ينسجم مع غالبية ما تشترطه المقاومة الفلسطينية بغض النظر عن تداعيات ذلك على الداخل الإسرائيلي المأزوم والمتشظي، فعلى المجرم تحمل مسؤولية إجرامه.
2 ـ الضغط على تل أبيب وإرغامها على امتصاص الرد الإيراني، وعدم الرد على الرد، لأن ذلك يستدعي تلقائياً رداً أعلى مستوى، وأشد إيلاماً وأوسع انتشاراً، وهذا يعني اشتعال المنطقة برمّتها، وإدارة بايدن العجوز تدّعي أن لا مصلحة لها في ذلك، ولن يفيد أصحاب فرض سياسة الأمر الواقع التذرع بأن نتنياهو متمرّد، فالجميع على يقين أن واشنطن قادرة على إلزام تل أبيب وكل من يدور في فلكها الآسن بتنفيذ كل ما تريده الإدارات الأميركية، وليس أمام تل أبيب وجميع الأتباع وأصحاب الأدوار الوظيفية إلا التنفيذ.
*من المهم التوقف عند دلالات إعلان قيادة الجيش الإسرائيلي بتاريخ 8/4/2024م. البدء بسحب الفرقة 98 بكامل ألويتها والقطعات الملحقة والداعمة لها في تشكيلها القتالي من مدينة خان يونس، وقد يكون ذلك الخطوة الأولى من انسحاب أعمّ وأشمل، والأيام القليلة المقبلة كفيلة بكشف المؤشرات الدالة على توجه التداعيات المحتملة المقبلة.
*من الخطأ المراهنة على تحديد وقت معين للرد الإيراني، وقد أثبت قادة محور المقاومة أنهم أسياد الحكمة وأسود الحرب، ولا ضمان لأحد من أن يستفيق العالم على رد إيراني في عمق الكيان الإسرائيلي في أي توقيت.
*من اللافت للانتباه أن وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إسنا” نشرت بتاريخ 9/4/2024م. أسماء وصور لتسعة صواريخ إيرانية قادرة على الوصول إلى داخل الكيان الغاصب، ومن بينها سبعة من الصواريخ فرط الصوتيّة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بأضعاف وتتراوح من (5 ماخ إلى (16 ماخ)، كما تتراوح أمديتها بين /1400 إلى 2500 كم/ ناهيك عن عدد غير محود من الطائرات المسيّرة النوعية والمتفوقة بميزاتها الفنية والتعبوية وطاقتها التدميرية، وهذا ما يعترف به الإسرائيلي والأميركي، ولا يستطيعان إنكاره.
في المقابل من يتابع الإعلام الإسرائيلي تتضح أمامه الصورة بجلاء تام لا يشوبه لبس، ولعلّ التوصيف الموضوعي الأكثر دقة للواقع القائم في الداخل الإسرائيلي يأتي ضمن المقالة التي نشرها موقع «زمن اسرائيل» للكاتب «عيران عتصيون» بتاريخ 7/4/2024م. بعنوان: («إسرائيل» غارقة في الحفرة التي حفرتها حكومتها). وقد خلص الكاتب إلى نتيجة مفادها أن («إسرائيل» أصبحت في أسوأ وضع استراتيجي في تاريخها). وتتضح هذه الصورة أكثر إذا أضفنا إليها ما صرّح به المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا فيليب لازاريني بقوله: (إن «إسرائيل» حطمت الأرقام القياسية في مجازر الأطفال وعمال الإغاثة والناشطين الإعلاميين والطواقم الطبية».
خلاصة: إنّ إيغال دراكولات العصر في واشنطن وتل أبيب بسفك الدماء البريئة وصل حد العجز عن التعامل الآمن مع التداعيات، والضريبة الحتمية التي لا تقبل تأجيل الدفع، وإذا كانت واشنطن حريصة فعلاً على استمرار دورها المفتاحي والفاعل في المنطقة فعليها التفكير الجدي، والانتقال من التفكير إلى التنفيذ لشق ورقة نتنياهو من دفتر المكلفين بأدوار وظيفية، ورميها في القمامة، لأن استمرار هذا الدراكولا أصبح خطراً يهدد كيان الاحتلال ذاته، كما يهدد المصالح الأميركية العليا في المنطقة، وقد يكون الرد الإيراني الحتمي المقبل عاملاً نوعياً يساعد في تخليص البشرية من شرور هذا السفاح الذي تفوق على كل مصاصي الدماء، وأوصلته دماء الفلسطينيين المسفوحة ظلماً إلى حافة الموت أو الانتحار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحث سوري متخصص بالجيوبوليتيك والدراسات الاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى