مقالات وآراء

اغتيال الضمان الاجتماعي خط الدفاع الأول والحُصن الأخير…

‭}‬ عباس قبيسي
إنّ الانهيار الحاصل قد سلط الضوء على أزماتنا المالية والاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة، لكن تشتيت القضايا هي سمة الحكومة العاجزة عن اجتراح الحلول وليس آخرها الإجهاز على ما تبقى من مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تعتبر خط الدفاع الأول وآخر الحصون الاجتماعية والصحية للعمال والموظفين.
انّ أهمية الضمان الاجتماعي تكمن في الحفاظ على ديمومته وتوسيع نطاق التغطية لتشمل كافة شرائح المجتمع اللبناني ولتقديم باقة أوسع من الخدمات، ومن أبرز أهدافه تطوير القدرة المالية للصندوق من خلال تعزيز الإيرادات وترشيد النفقات ومراقبتها وذلك تأميناً للاستدامة المالية وتلبية حاجات المواطنين وتوسيع نطاق تغطية الخدمات من خلال استهداف شرائح جديدة كما يرمي إلى ضمان عيش المواطنين ومساعدتهم على تغطية الأعباء والنفقات الاستثنائية الناشئة عن المرض والعجز والوفاة.
*ماذا تعني زيادة الحدّ الأدنى للأجر من دون منح أيّ زيادة غلاء معيشة؟
وافق مجلس الوزراء في جلسته التي انعقدت نهار الخميس 4 نيسان 2024 في السراي الحكومي على رفع الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص من 9 ملايين ليرة الى 18 مليون ليره رغم الشوائب الكثيرة المخالفة للقوانين المرعية الإجراء التي قد تؤدي في ما بعد إلى الإجهاز على ما تبقى من مؤسسة تعتبر خط الدفاع الأول عن العامل في الطبابة والاستشفاء والمرض والأمومة (وتعويض نهاية الخدمة بانتظار صدور المراسيم التطبيقية لقانون ضمان الشيخوخة).
إنّ قرار الحكومة الأخير بتعديل مرسوم الحدّ الأقصى للكسب الخاضع للحسومات لفرع ضمان المرض والأمومة ليصبح 50 مليون ليرة لبنانية أيّ ما يعادل 550$ بعد أن كان يساوي سابقاً 5 أضعاف الحدّ الأدنى للاجور ايّ بحدود 2250$، والمحصلة أنّ الحدّ الأقصى للكسب بات يساوي حالياً ربع المبلغ قبل الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها الوطن، وعلاوة عن ذلك انّ هذا المرسوم يشكل مخالفة واضحة وصريحة لقانون الضمان الاجتماعي لعدم احترامه الأصول القانونية في إعداد وإرسال المراسيم وهذا سيؤثر حكماً على تصحيح ورفع التعريفات الطبية وبالتالي سينعكس سلباً على أيّ تصحيح مستقبلي لتقديمات فرع المرض والأمومة وبالتالي حرمان شريحة واسعة من اللبنانيين من الاستشفاء والطبابة والحكم عليهم بالموت الحتمي أمام أبواب المستشفيات. إنّ للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي آلاف المليارات من الديون المستحقة في ذمة الحكومة التي وُظفت في سندات الخزينة وهي الآن في خبر كان بسبب تقاعس وتقصير الدولة عن القيام بواجباتها تجاه الأزمة الاقتصادية وتسديد المتوجبات معطوفة على انهيار الليرة حيث تركت العامل بدون أيّ مظلة حماية صحية واجتماعية لصالح شركات التأمين.
انّ المرسوم الذي عدل الحدّ الأدنى للأجر في القطاع الخاص وتمّ إقراره لم يلحظ ايّ نسبة غلاء معيشة، بالرغم من أنّ وزير العمل قد أخذ موافقة مجلس شورى الدولة بتاريخ 26/3/2024 على مشروع المرسوم بإعطاء زيادة غلاء معيشة للقطاع الخاص ولم يُقرّ لغاية في نفس الهيئات الاقتصادية وأرباب العمل وقد فات مجلس الوزراء بأنّ أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 500% وأسعار المحروقات بنسبة 1000% وأسعار فواتير الكهرباء بنسبة 500% وأسعار الاتصالات بنسبة 400% وهذا كله على حساب جيب العامل الكادح بعد إعطائه فُتات الفُتات من حقوقه.
يجب على الحكومة، وخاصة وزير العمل المعروف بحرصه الكبير على حقوق العمال، أن يأخذ المبادرة ويكون السبّاق بتصحيح الخطأ الجسيم في المرسوم وتصحيح الخلل، وعلى الحكومة البدء بمعالجة استثنائية لأسباب الأزمة الاقتصادية، منها التضخم والفساد، وانهيار الليرة والغلاء الفاحش والقيام بإجراءات تحاكي خطورة المرحلة عبر وضع نظام ضريبي عادل لا يسلب العمال رواتبهم ولا تحمّلهم أعباء تمويل الخزينة وعجز ميزانيتها المتهالكة وتبتكر حلاً للجهات الضامنة وليس تجاهل تمويلها وتغييب دورها في الطبابة والاستشفاء والتقديمات الاجتماعية وتعويضات نهاية الخدمة.
وختاماً، ومن دون أيّ تأويل أو خلفيات يُرجى سماع صوت العمال الذين أثخنتهم الجراح والتطلع إلى مشاهد الفقر والظلم الذي حلّ بهم. دعونا فقط وللمرة الأخيرة ان نكون جزءاً من قراراتكم ولا نريد أكثر من إثارة انتباهكم لأنّ الحديث عن مشاكل العمال لا تنتهي وسرد جراحاتهم قد يطول، أملي ان تكون الرسالة واضحة والمقصود وصل والرجوع خطوة الى الخلف فضيلة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى