أخيرة

دبوس

طولكرم…

لا زلت أذكر بيتنا المتواضع في طولكرم، وذلك المدخل الذي كانت تغطيه شجرة العنب المتسلّقة بهدوء وبإصرار حتى غيّبت الشمس تماماً، وأصبحت غطاءً للقعدات العائلية، تظلّلنا من الشمس الحارقة في الصيف، وتزوّدنا بذلك العنب الطيّب في موسم العنب، وبالحصرم اللاذع الحموضة حينما كنا نستعجل القطاف ونحن في ميعة الصبا نتعجّل الأمور ونحب أن نقفز فوق الزمن البطيء أحياناً…
كنا نعيش أطفالاً مفعَمين بالسعادة والقناعة، وكانت خالاتي الخمس اللواتي كنّ يقطنّ في مناطق الجيرة يستيقظن مع بزوغ الشمس للتنظيف ولتحضير الطعام، ولتجهيزنا للمدارس، وبعد ان تستغرق كلّ واحدة منهن في عملها البيتي وفي تفاصيل الرزق حتى تبدأ الشمس بالإنزلاق نحو المغيب، يبدأن بهدوء التسحّب نحو المهجع مع الغروب، كان البيت الزوجي مقدّس وسكن لهن خالد لا يعتريه أيّ أمر من المحدثات…
كنت أجلس بحذاء أمي ـ رحمها الله ـ وأنا فتىً يافع، أتطلّع إليها وهي تحيك الفساتين ببراعة وإبداع لا نظير لهما، وأستمع إليها وهي تدندن بصوتها الخلاب، يا ليلة العيد آنستينا وجدّدتي الأمل فينا، يا ليلة العيد، صوت لم أسمع أجمل منه، وما زال يتردّد الى الآن في بقايا الذاكرة…
لك الله يا طولكرم، يا جنة الكروم والزيتون والزعتر والخبيزة، ونفوس تتدفق طيبة وفطرةً وقناعة لا يعرفها المارقون وأشباه المارقين ولا يريدون أن يعرفوها بسبب تلك الذات المتكدّسة، الساحة تتحضر في فلسطين للمنازلة الكونية بين الفطرة التي تستمدّ قوّتها وطاقتها من السماء، وبين الوحش الذي يحاول أن يفتك بهذه الفطرة بالاستعانة بكلّ شياطين الأرض التي تتدفق من باطن الأرض، وبغضّ النظر عن الخسائر التي سيتكبّدها كلّ طرف، إلّا انّ هنالك عنصراً سينبثق مع اندلاع الحرب الشاملة، وهو غير ظاهر الآن، ولا يمكن تحسّسه إلا بعد الإندلاع، وهو هشاشة الإنسان الصهيوانجلوساكسوني النفسية وانعدام مقدرته على الانتماء والتضحية، ونزوعه الفطري نحو الابتعاد عن مواطئ الخطر خوفاً على وجوده، وسيكون لهذا العنصر الدور الأكثر تأثيراً في زوال هذا الكيان، رأس الحربة للمشروع الشرير، مشكلة هذه الكينونة الشيطانية التي ابتدعوها على «أرض الميعاد»، انّ مكوّنها البشري المغرق في شذوذه ونظرته القيَمية ومفاهيمه الكونية الماسخة يعتقد، وبئس ما يعتقد، ان التعابث الجيني بالمنتجات الربانية الزراعية، والنبوغ في تكنولوجيا القتل والتدمير، هو مؤشر على تفوّقه العرقي الجيني، والذي يجب ان تترتب عليه سيطرته على هذا الكوكب…
مروق فكري فلسفي، وقصور في المقدرة على تفهّم السببية التي على أساسها كانت الحياة، وكان الإنسان، وكانت الخلافة الإنسانية لله في الأرض.
سميح التايه

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى