أولى

أجراس الحرب في رفح: واشنطن تجهّزها و «إسرائيل» تقرعها!

‭}‬ د. عدنان منصور*
لم يعد أمام مجرم الحرب نتياهو سوى تنفيذ قراره الذي لوّح به منذ اليوم الأول للحرب على غزة، وهو اجتياح رفح بالكامل، بغية فرض الأمر الواقع «الإسرائيلي» العسكري، والسياسي والأمني، والديموغرافي عليها.
نتنياهو يرى في اجتياح رفح خشبة الخلاص له، تتوّج عدوانه. إذ ان السيطرة عليها، ستحقق له أهدافه، وتخرجه من المستنقع الذي هو فيه، بـ «نصر» يقدّمه للإسرائيليين، يجدّد من خلاله ثقتهم به، ويمتصّ نقمة شريحة واسعة من الإسرائيليين عليه، ومن ثم يعزز حضوره على رأس الحكومة.
نتنياهو مُصرّ على أن لا عودة عن رفح بتسويات أياً كان نوعها، وإلا خسر الحرب على الصعيد العسكري والسياسي والمعنوي والشخصي. هو لا يريد وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً من القطاع، لأنّ ذلك يعني له هزيمة مذلة، وانتصاراً مدوياً للمقاومة، رغم كلّ الدمار الهائل والقتل الجماعي الممنهج الذي لحق بغزة.
نتنياهو بذهابه بعيداً في حربه، يعتمد على واشنطن، الحليف الأكبر، والداعم دون حدود لـ «إسرائيل»، لا سيما أنّ الهدف الاستراتيجي واحد للطرفين، لجهة تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، والقضاء على المقاومات الوطنية القومية في المنطقة بأيّ شكل من الأشكال، طالما أنّ هذه المقاومات في فلسطين وخارجها، تُفشل خطط الحليفين، وأدواتهما في المنطقة من دول وأنظمة «عربية»، في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.
لا يراهننّ أحد في هذه الأمة على أميركا التي تطرح نفسها على أنها داعمة للسلام والأمن في المنطقة. هذا الوسيط لم ولن يكون يوماً حيادياً ونزيهاً، بل كان على الدوام منحازاً، حاقداً متآمراً، وعنصرياً.
مع بريطانيا وفرنسا كانت العلة الأساس في زرع الكيان المحتلّ في فلسطين.
الولايات المتحدة، الوسيط «النزيه» تريد وقفاً مؤقتاً للحرب على غزة دون انسحاب إسرائيلي كامل منها، وهي ليست ضدّ اقتحام رفح من حيث المبدأ، اذا لم يسبّب الاقتحام سقوط الكثير من الضحايا. رغم المجازر اليومية التي لا تتوقف، ورغم عشرات المقابر الجماعية التي حفرها الجيش الإسرائيلي، تتجاهل واشنطن كلّ شيء، ولا تكترث لمظاهرات شعبها، ومطالبه الداعية إلى وقف العدوان، ووقف التعامل مع «إسرائيل»، بل تلجأ إلى الكونغرس لتقديم مساعدات مالية عاجلة لها، إضافة الى الدعم الإعلامي، والسياسي، والتقديمات المتنوّعة الأخرى التي تتدفق عليها منذ بداية العدوان.
كم كان أنشتاين محقاً عندما قال: «لا يمكن حلّ مشكلة مع الذين أوجدوها».
فكيف إذن يمكن حلّ مشكلة فلسطين وشعبها مع الذين احتلوها، وهجّروا شعبها، ومع الذين تواطأوا مع العصابات الإرهابية في زرع الكيان «الإسرائيلي»؟! دول غربية مستبدّة ما كانت سياساتها حيال شعوب المنطقة سوى سياسات القهر، والخبث، والقذارة، حيث احتلت، وقسّمت، وأنشأت كيانات ودولاً لا زالت حتى اليوم تتخبّط وتعاني من عدم الاستقرار السياسي والأمني والوجودي.
رغم المظاهرات التي اجتاحت الولايات المتحدة وجامعاتها، المؤيدة للحق الفلسطيني في سابقة لم تشهد أميركا مثيلاً لها منذ نشوء الكيان المؤقت، وجدنا كيف أنّ دولة «الحرية»، تصدّت للمتظاهرين، ولأساتذة الجامعات بكلّ وحشية، لتبيّن بشكل فاضح مدى ارتباط الكاوبوي الأميركي بدولة الإرهاب، وحرصه الشديد في الدفاع عنها بشكل سافل وسافر، عبّر عنه رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون الذي زحف بنفسه، إلى جامعة كولومبيا، مع مجموعة من النواب ليفرغ عنصريّته، ودعمه، وولاءه المطلق لـ «إسرائيل،» مهدّداً ومتوعّداً في خطابه أساتذة الجامعة وطلابها، واصفاً ما يجري على أنه «فيروس معاداة السامية»!
لقد استطاعت «إسرائيل» عبر لوبياتها في أوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا، وغيرها، في ظلّ غيبوبة عربية كاملة، أن تغسل «أدمغة» زعمائها ونوابها وسياسييها، وأحزابها وإعلامييها… من أنّ السامية و»إسرائيل» هما ملك وحكر على اليهود. وهذا ما شكل بحدّ ذاته عنصرية موصوفة، نظراً لاختزال باقي الساميين الآخرين غير اليهود في هذا العالم، والذين يشكلون عشرات الأضعاف من اليهود الساميين الحقيقيين، ورغم ذلك تعتبر «إسرائيل» انّ من يمسّ بها، فإنه يمس بالسامية، وهو معادٍ لها.
هي تهمة تلقى رواجاً كبيراً في الغرب، تسلط على رقاب من تسوّل لهم أنفسهم انتقاد «إسرائيل» من قريب أو بعيد، مثل ما فعلوا مع كلّ من يشكك بأرقام الهلوكوست. إذ اصبحت تهمة التشكيك بالهولوكوست والمعاداة للسامية، سلاحاً مقدساً بيد «إسرائيل» تهدّد به في أي لحظة كلّ من يعمل على انتقادها، او يجرؤ على مهاجمتها او يتخذ إجراء ما ضدها. وما مايك جونسون إلا نموذج، وواحد من السياسيين في أميركا وأوروبا، الخاضعين لتسلط اللوبيات اليهودية وتأثيرها المباشر عليهم، والذين يعرفون مسبقاً ما سيلحق بهم إذا ما وقفوا يوماً ضدّ مصالح «إسرائيل» وسياساتها.
عميدة مراسلي البيت الأبيض، رئيسة نادي الصحافة الأميركي، هيلين توماس، التي عاصرت على مدى 50 عاماً رؤساء الولايات المتحدة، وصفت بشكل دقيق حالة الإدارة الأميركية مع «إسرائيل»، عندما صرخت في محاضرة لها في نادي الصحافة تقول: «اليهود يسيطرون على إعلامنا وصحافتنا، ويسيطرون على البيت الأبيض، إنّ الإسرائيليين يحتلون فلسطين، هذه ليست بلادهم. قولوا لهم ارجعوا الى بلادكم، واتركوا فلسطين لأهلها»…
«إنني أرى بريطانيا تستحضر روح البريطاني مارك سايكس، وفرنسا فرانسوا جورج بيكو، وواشنطن تمهّد بأفكارهما الأرض لتقسيم الدول العربية بين الثلاثة… إنهم يحاربون الإرهاب نيابة عن العالم، وهم صناع هذا الإرهاب، والإعلام يسوّق أكاذيبهم، لأنّ من يمتلكه هم يهود إسرائيل».
كلام هيلين توماس، يتوافق مع كلام رئيس «سي أي آي» الأسبق جيمس وولزي James Woolsey، الذي شغل منصبه بين عامي 1993 ـ 1995 عندما تحدث عام 2006 عن شعوب المنطقة قائلاً: «سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات، ثم نقسمهم لنعرات تعصبية، ومن بعدها نحن قادمون للزحف وسوف ننتصر». وقال: «المنطقة العربية لن تعود كما كانت، وسوف تزول دول وتتغيّر حدود دول موجودة». تناغماً مع كلام وولزي، رأى الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية مارك رجيف «انّ المنطقة على صفيح ساخن. ونحن لن نسكت، وننسّق مع أجهزة الاستخبارات في الدول الكبرى للقضاء على الإرهاب، وسوف ننسق معهم لمحاربته حتى لو اندلعت الحروب لنضمن حماية دولتنا».
غزة اليوم وبالذات رفح تحسم الصراع بشكل قاطع، تدافع عن شرف وكرامة الأمة كلها، في ظلّ سلطة فلسطينية صورية هزيلة، وتواطؤ دول عربية تدفع باتجاه وقف الحرب بأي ثمن، وإنْ كانت بشروط إسرائيلية – أميركية.
وحدهم الحمقى الذين يعوّلون على الولايات المتحدة وأوروبا لإيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية، لأنّ الحلّ وبكلّ تأكيد لن نجده مع القتلة الذين أوجدوا «إسرائيل».
في رفح يتقرّر مصير غزة وكلّ فلسطين والمنطقة.
الأمة اليوم تغلي، وهي أحوج ما تكون إلى رجال، وقادة، وحكام ينقذونها وينقذون فلسطين قبل فوات الأوان، وإلا ستكون الأمة بما فيها كلّ فلسطين، فريسة لواشنطن وتل أبيب، تشاركهما بريطانيا وفرنسا في استحضار الروح الشيطانية للسيّئَي الذكر مارك سايكس وفرنسوا جورج بيكو؟!
ما كانت «إسرائيل» اليوم بفجورها، وعربدتها، لترتكب هذه الجرائم بحقّ الفلسطينيين، لولا دعم شياطين الغرب لها، ووجود «وديعة» من العجزة في عالمنا العربي في أيدي واشنطن وتل أبيب. عجزة يغطون كلّ ما تفعلانه، دون ان يعلم هؤلاء المغفلون انّ الإسرائيليين قادمون إليهم، ولو بعد حين.
في بحر غزة تضع واشنطن منصّتها البحرية، ظاهرها «مساعدة إنسانية»، وباطنها «تشجيع» الغزاويين وإغرائهم على الرحيل».
في رفح تنصب واشنطن أجراس الحرب، فيما «إسرائيل» تتأهّب لقرعها، والعرب تائهون يتفرّجون على المشهد المأساوي وهم أشبه بخيال المآتة على ساحة فلسطين والأمة كلها!
شعوب وطلاب الجامعات في أوروبا وأميركا والعالم انتفضت لتدافع عن الحق الفلسطيني، فيما غالبية شعوب أمتنا وطلاب جامعاتها في عالم آخر، قابعون في كهوفهم، يتابعون المشهد من بعيد، دون إحساس إنساني أو نخوة قومية عربية إزاء ما تقوم به قوى الشر، وما ستلحق بهم من ذلّ وعار!
جيش الإرهاب يقترب من رفح يستعدّ لاقتحامها، فما أنتم فاعلون يا أعراب الأمة؟!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى