أولى

عنجهيّة وزير خارجية أميركا تجسيد لانهيارها…

‭}‬ د. جمال زهران*
للمرة الأولى يأتي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى المنطقة العربية بهذه الكثافة منذ حدوث عملية «طوفان الأقصى»، والتي مضت عليها سبعة أشهر حتى الآن، لدرجة أنه يمكن احتساب زيارة شهرية تقريباً، يقوم خلالها بزيارة عدة عواصم عربية، ويبدأ أو يختم بالكيان الصهيوني ومقابلة «حبيب القلب» النتن/ياهو، وعصابة الحكم في الكيان، شركاء هذا المجرم في ارتكاب أبشع الجرائم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي شهدت الجرائم والمجازر العلنية!
فهذا الرجل (بلينكن) قد أعلن أنه ليس يهودياً، فحسب، وإنما صهيوني وداعم للكيان الصهيوني بكلّ ما يملك! إذن هو قد أعلن عن هويته، ورغم ذلك هناك من يتفاوض معه، ويثق به من حكام الإقليم. فهو فاقد الثقة والاعتبار، منذ أن أعلن عن صهيونيته، وليس عن يهوديته فحسب! ومن ثم لا يجوز أبداً أن يتمّ استقباله وكأنه فاتح لـ «عكا»، حتى ينحني الجميع أمامه، ويستقبلونه في كلّ العواصم العربية ومطاراتها، بالسجاد الأحمر، تعبيراً عن البهجة والفرح! وإذا سألت هؤلاء، لماذا لا تعبّرون عن غضبكم مما يفعل، دفاعاً عن قضية العرب الأولى والمركزية، يقولون بسرعة: إنه «البروتوكول»، وردّي أنّ هناك من يعلن الغضب بكسر قواعد البروتوكول، للفت نظر الضيف! وهذا ما حدث في زيارته الأخيرة للعاصمة الصينية (بكين)! إنما هي الإرادة المفقودة لدى حكام الإقليم العربي بكلّ أسف، ممن يتظاهرون بدعم القضية الفلسطينية، بينما هم يطعنونها بخناجر مسمومة!
كما أنّ رئيس هذا الرجل، وهو الرئيس الأميركي جو بايدن، سبق وزير خارجيته (بلينكن)، بالقول إنه صهيوني بشكل كامل، وإن «إسرائيل»، إنّ لم تكن موجودة، لأوجدناها، تحقيقاً لمصالح أميركا والغرب! وسارع فور عملية «طوفان الأقصى»، لزيارة الكيان الصهيوني، والالتقاء فوراً بـ «النتن/ياهو»، وأخذه بالأحضان، وربّت على كتفه، وطبطب عليه، واعداً إياه بالدعم والمؤازرة، بشكل كامل، قائلاً له: استمرّ في حربك ولا تقلق، فكلّ مخازن الأسلحة ومليارات الدولارات، في خدمتك، ومجلس الأمن، إنْ لم يدعمك، فإنه لن يقف ضدك! ولذلك كان الفيتو الأميركي، مرفوعاً عند نظر أيّ مشروع لوقف إطلاق النار والحرب على غزة، وإدانة الكيان الصهيوني، حتى أصبح مجلس الأمن مشجعاً على الحرب والعدوان، وتهديد السلام العالمي والاستقرار في إقليم المنطقة العربية، والشرق الأوسط، بل والعالم، والمفروض أن يقف لدعم السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي!
إذن نحن أمام رئيس أميركا، وأركان حكمه (وزير الدفاع – وزير الخارجية/ وزير المالية إلخ…)، وبجوارهم مجلسي النواب والشيوخ (الكونغرس)، يدعم الإدارة الأميركية، ويصدّق على قراراتها، وآخرها تخصيص (26) مليار دولار، لدعم الكيان الصهيوني، إضافة إلى دعم أوكرانيا وتايوان!
والسؤال: ماذا يُنتظر من هذه الإدارة الأميركية؟! هل من المنتظر إجبار الكيان الصهيوني – وهي تقدر على ذلك – على وقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، على مدار الأشهر السبعة الماضية؟ هل من المنتظر، أن تأتي العدالة على طبق من الإدارة الأميركية؟!
فلقد أصبحت أميركا وإدارة بايدن وأركان حكمه، هي العدو الأول للعرب، وهم مع الكيان الصهيوني بشكل سافر وفاجر وعلني، وهم ضدّ الشعب الفلسطيني خاصة والعرب عامة، ومن ثم فإنّ الوضع الطبيعي، ألا نتعامل معهم بالانبطاح وتكريس التبعية، وإثبات الطاعة، لهذا العدو، بل إنّ الواجب يفرض علينا، إعلان العصيان على هذا العدو الأكبر وهو أميركا، وهو العدو الأصيل، بينما العدو الصهيوني، هو العدو التابع والأداة في تفريق العرب، وفصل الحكام عن شعوبهم، والحيلولة دون الوحدة والتقدّم! وبدون هذا العصيان، ستظلّ هذه المنطقة العربية بحكامها وشعوبها، تابعين، ومنبطحين، ومنهوبين!
إلا أنّ المقاومة على مدار سبعة أشهر، وبدأنا الشهر الثامن، في واقعة لم تحدث من قبل على مدار (76) عاماً، منذ حدوث النكبة الأولى في عام 1948م، حيث تمّ فرض الكيان الصهيوني على الإقليم، أثبتت أنّها القادرة على رفع راية العصيان ضدّ المشروع الأميركي وتابعه الكيان الصهيوني، وإذلاله، وإفقاده التوازن، وإشعاره بأنّ هزيمة كبرى يمكن أن تحدث له، وقد حدثت فعلاً. فماذا فعل ويفعل وزير خارجية أميركا في الإقليم، وماذا يعبّر عن الحالة التي وصلت إليها أميركا المنهارة التي أصبحت غير قادرة على تمرير أي تسويات مطروحة من خلالها، بل إنّ نظمها التابعة انهارت في فرض ما تريده أميركا وهي السيد الأكبر الذي لا يُرفض له طلب!
فقد جاء وزير خارجية أميركا (بلينكن)، متعالياً، بالقول، على حماس أن تنفذ ما نريد، وتقبل ما يُعرَض عليها، كآخر محاولة، إذا أرادت أن تنقذ شعبها!
وكأنّ ما جرى مع هذا الشعب من جرائم خلال الشهور السبعة غير كافٍ! وبتحليل لغة الخطاب الذي يتفوّه به وعلى أرض عربية، هي المملكة السعودية، يتضح أنه يتحدث بلغة الفرض والأمر، ويمارس أسلوب التعالي والغرور والعنجهية بلا حدود أو سقف، لأنه يخاطب التوابع، بينما المقاومة ليست تابعاً للهيمنة الأميركية ولن تكون. كما أنّ بلينكن، يقول للكيان الصهيوني: نحن لا نوافق على اقتحام رفح، إلا بعد تأمين عملية خروج المدنيين، حتى لا تكون الخسائر كبيرة! يا الله! فأميركا توافق على اقتحام الكيان الصهيوني لـ «رفح»، بشرط تقليل الخسائر في الأرواح، وكأنّ هذا الكيان لم يرتكب جرائمه طوال الأشهر السبعة الماضية، بالإبادة الجماعيّة للمدنيين في غزة، وراح ضحيتها (35) ألف شهيد، (80) ألف مصاب! بالإضافة إلى هدم المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس والمنازل، تحت سمع وبصر العالم، وفي المقدمة أميركا، التي وافقت أصلاً على قيام الكيان الصهيوني بهذا العدوان الواسع!! ومثل هذا التصريح، يعني مشاركة أميركا في القتل ودعمه والخلاف في الطريقة!
إنّ تتبع أسلوب وزير خارجية أميركا، ورئيسه (بايدن)، يكشف عن عنجهية وغرور غير موثوق، يصاحبه عدم الثقة في هذه الإدارة، مثل غيرها، غير أنّ الأهمّ أنه يعبّر عن عجز أميركي واضح، وانهيار متسارع للقوة الأميركية، ستتأكد كلّ يوم، والأيام شاهدة، والمقاومة في انتصار دائم…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى