دردشة صباحية
من المفكّرة الدمشقية
يكتبها الياس عشّي
أصرّ الانتداب الفرنسي على تقسيم الكيان الشامي إلى دويلات طائفية، وإلغاء دمشق، كأول عاصمة في التاريخ، من ذاكرة السوريين والذاكرة العالمية، ولقد ترجم ذلك عمليّاً بنقل العاصمة إلى حمص سنة 1922، لكنّ حكومة الانتداب، وتحت ضغط الشارع الدمشقي، ألغت قرارها، وعادت دمشق عاصمة للشام بعد ثلاثة أعوام.
وفي سنة 1936 كانت دمشق شرارة الإضراب الستيني الذي لم تُفتح فيه نافذة قط، والذي لم ينتهِ إلّا بعد تحقيق المطالب الوطنية.
والسوريون ما زالوا يروون بفخر قصة السياسي الشامي الدمشقي المحنّك فارس الخوري الذي انتُدب إلى الأمم المتحدة الحديثة المنشأ، ليدافع عن حقّ الدولة الشامية في الاستقلال.
دخل فارس الخوري، ببزّته الأنيقة وطربوشه الأحمر، القاعة قبل الموعد المحدّد لمناقشة القضية السورية، وتوجّه فوراً إلى المقعد المخصّص لفرنسا، واحتلّه. وعندما وصل المندوب الفرنسي اقترب من مندوب سورية طالباً منه إخلاء المكان. لكن فارس الخوري كان منهمكاً بالنظر إلى ساعته، غير آبه باحتجاجات السفير الفرنسي، ولا بصراخه، ولا بتهديداته. وعندما أنهى الخمس والعشرين دقيقة أعاد ساعته إلى جيبه، ثم وقف وقال بهدوء:
سعادة السفير… جلستُ على مقعدك خمساً وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضباً وحنقاً، وسورية استحملت سفالة جنودكم خمساً وعشرين سنة، وآن لها أن تستقلّ».
ولم تنتهِ الجلسة إلّا وقد حصلت سورية على استقلالها.