خذوا بنصائح الحاج محمد عفيف…
أحمد بهجة
“بكير بكير بكير كثير الحديث عن الاستثمار السياسي، فلا تستعجلوا ولا تحرقوا أصابعكم أو أنكم لم تتعلّموا أبداً من دروس الماضي، وتذكّروا دائماً أنّ “الإسرائيلي” لا يعمل عندكم بل يعمل لمصالحه…”
هذا ما نصح به مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف، خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده بين الركام على طريق مطار بيروت، أولئك الذين اعتقدوا واهِمين أنّ الأمور انتهت، وأنّ المقاومة هُزمت، وراحوا يتراكضون ويتسابقون في ما بينهم لإجراء “حصر إرث”، لإعادة البلد مجدّداً إلى مراحل سابقة عفا عليها الزمن وولّت إلى غير رجعة.
صحيح أنّ المقاومة تعرّضت لضربات غادرة وقاسية وموجعة خلال الشهرين الماضيين، بدءاً من اغتيال القائد الشهيد السيد فؤاد شكر في 30 تموز الماضي، ثم تفجير أجهزة الاتصال والمناداة في 17 و18 أيلول، واغتيال عدد من القيادات الأساسية في 20 أيلول على رأسهم القائد الشهيد ابراهيم عقيل، وصولاً إلى رأس الهرم مع اغتيال سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله، الشهيد الأقدس والأسمى…
وصحيح أنّ العدوان الصهيوني الذي توسّع واشتدّ على امتداد المناطق التي تتواجد فيها المقاومة وأهلها في الجنوب والضاحية والبقاع وجبل لبنان وبيروت، أدّى إلى استشهاد وجرح مئات المواطنين المدنيّين معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السنّ، كما أدّى إلى نزوح مئات آلاف المواطنين عن منازلهم وقراهم ومدنهم إلى مناطق لبنانية أخرى حيث وجدوا الاحتضان والترحيب من الغالبية المطلقة من اللبنانيين، باستثناء بعض الحالات الشاذة التي تثبت القاعدة…
في موازاة هذه الظروف الصعبة والمعاناة التي يتكبّدها كلّ مَن يُغادر منزله من مختلف النواحي، لم تكن مستغربة تلك المحاولات الرخيصة للاستغلال المادي والسياسي من بعض صغار النفوس والجهات السياسية وهم قلة قليلة جداً في مجتمعنا اللبناني الذي اعتاد أن يبادل الوفاء لأهل الوفاء الذين يقدّمون الغالي والنفيس ولا يبخلون بالدماء والأرواح في سبيل الدفاع عن لبنان واللبنانيين.
وها هي الأمور لا تتأخر كثيراً حتى ينقلب المشهد وينفض عمالقة المقاومة الغبار عن بعض العيون ويؤكدون أنّ يدهم هي العليا في الميدان حيث يعجز جيش العدو عن التقدّم بضعة أمتار في أرض جنوبنا الغالي العزيز.
وسريعاً فرضت إنجازات الميدان نفسها على الواقع السياسي، وخاصة لجهة الدول المؤثرة التي غاب مسؤولوها وموفدوها عن السمع لفترة من الزمن، انتظاراً لـ “إنجازات” اعتقدوا أنّ العدو قادر على تحقيقها بعد الضربات الموجعة التي تلقّتها المقاومة، ها هم يعاودون اتصالاتهم بالمسؤولين اللبنانيين علّهم يستلْحقون تحقيق شيء ما في السياسة بعدما ثبُتَ عجز جيش العدو عن تحقيق أيّ شيء في الميدان، خاصة أنهم اكتشفوا في وقت قصير أنّ تلك الضربات الموجعة لم تضعف المقاومة، بل أعطتها المزيد من الزخم والقوة، لا سيما أنّ رجال الله في الميدان كانوا يتشوّقون منذ زمن للمواجهة المباشرة مع جيش العدو ونخبة وحداته وضباطه، فهل يمكن لأحد أن يتخيّل كيف تكون أحوال المقاومين ومشاعرهم وحافزيّتهم للقتال اليوم، وهم يعرفون أنّ أهلهم وعائلاتهم وأحبّاءهم مهجّرون، وبعضهم شهداء وجرحى، وأنّ بعض قادتهم الأعزاء، وأمينهم العام الأغلى والأسمى، قد ارتقوا شهداء على طريق القدس…؟
اليوم نحن أمام أيام حاسمة، قد تتصاعد فيها المواجهات، وقد يرتكب العدو المزيد من الجرائم والمجازر بحق أهلنا وناسنا في أكثر من منطقة، هذا متوقع جداً خاصة بعد الخسائر الفادحة التي لحقت به في المواجهات الميدانية، والذين يذكرون ما حصل في العام 2006 يجدون الكثير من أوجه الشبه، إذ انّ مسار المواجهة الذي استمرّ 33 يوماً، لم يكن واضحاً خلال الأيام العشرين الأولى، وكان بعض السياسيين ممن عُرفوا يومها بـ “جماعة 14 آذار” يراهنون على أنّ المقاومة هُزمت وأنهم سيتمكنون من السيطرة على البلد كله بعد الحرب، وقد جمعتهم وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس في عوكر، وأكلوا معها “سندويشات الجبنة”، ووزعت عليهم الأدوار والمهمات… لكن الميدان لم يسمح لهم بتحقيق أحلامهم، وبدأ بعضهم بعد اليوم العشرين يسأل المقاومة وسيدها السيد الشهيد حسن نصرالله “لمن سيُهدي النصر”؟
واليوم… نرى بوضوح تامّ وثقة مطلقة أننا منتصرون في هذه المواجهة، بفضل دماء الشهداء وعلى رأسهم سماحة الأمين العام الأسمى، وبفضل تضحيات جمهور المقاومة ومعهم الغالبية الكبرى من اللبنانيين، وبفضل تضحيات المجاهدين والمقاومين الثابتين في الأرض إلى ما شاء الله…
أما أولئك الذين يستعجلون هزيمتنا فما عليهم إلا الأخذ بما نصحهم به الحاج محمد عفيف، حتى لا يحرقوا أصابعهم مجدّداً وربما غير أصابعهم أيضاً…