أولى

من الإدانة الى العقوبة…

بشارة مرهج*

“إسرائيل” تحتلّ اليوم فلسطين من البحر الى النهر، وتتجاوز ذلك الى احتلال مناطق حيوية في لبنان وسورية والأردن. ومع ذلك لا تخجل من اتهام اطراف فلسطينية ولبنانية وعربية بطرح شعار من البحر الى النهر ومعاقبتهم على أساس انهم يسعون، من خلال هذا الشعار، الى محاصرة “الإسرائيليين” وإبادتهم أو رميهم في البحر..
الى ذلك تدّعي “إسرائيل” انّ المسجد الأقصى مبني فوق هيكل سليمان دون حجة ملموسة بدليل انّ الحفريات التي قامت بها بعثات علمية “إسرائيلية” ودولية فوق الأرض وتحتها لم تثمر نتيجة إيجابية واحدة تثبت ادّعاء تل ابيب. مع ذلك تستمر هذه الدولة المصطنعة في تبني روايتها الكاذبة وتقديمها في كلّ الأوساط والمحافل لإثبات مشروعية وجودها دون أن يخطر على بالها الاعتراف بالحقيقة المختلفة تماماً عن ادّعاءاتها.
وإذا كان هذا الادّعاء المكرّر يكشف صلافة الدولة الصهيونية وانغماسها حتى الرأس في ممارسات الكذب والتزوير فإنه يكشف من باب آخر مدى خواء هذه الدولة وعدائها للقيم والمبادئ والقوانين وخوفها من الحقيقة كما من الصمود الفلسطيني الذي أدّى في أكثر من محطة الى احراج هذه “الدولة” التي تهيّئ نفسها منذ عقود للسيطرة على المنطقة العربية وصولاً الى إيران وتركيا.
فالواضح انّ هذا الكيان رغم انتصاراته التكتيكية وفائض أسلحته الأميركية – البريطانية – الألمانية يتقهقر يوماً بعد يوم ويسجل الفشل تلو الفشل في التغلب على الأطراف المحيطة وإطفاء النار وسط “بيته” كما في وقف التدهور الاقتصادي وتفادي الانقسام الداخلي المترافق مع هجرات كثيفة الى الخارج وهجرات مماثلة من الأطراف الى المركز.
فهذا الكيان الذي لا يتورّع عن كتمان الحقائق وإطلاق الشائعات على مداها، هو الذي يروّج اليوم لسقوط غزة ولبنان فيما هو ينفق الأموال – الأميركية – الباهظة لإخفاء إخفاقاته الأمنية إلا اذا اعتبرنا – كما هو يعتبر – انّ القوات المعادية هي جماهير الشعب المجردة من أيّ سلاح والتي تعاني همجية الاعتداءات المتواصلة والتي تجاوزت سياسة الإبادة الجماعية والتهجير السكاني والتعذيب المنهجي.
وهنا لا بدّ ان نــنوّه بالصحــوة العالمية التي ندّدت بدمويــة وفاشــية النــظام العنصري الصهيوني وادانــته في كــلّ المواقــع العالمية الرسمية كما في الشارع. لكن بــعد شلال الدم الفلسطيني اللبــناني لم تــعد كــلمة إدانة تعني شيئاً أمام صلافة العدو وإصراره على متابعة نهجه السادي متكلاً على الدعم الأميركي الذي لم يصل يوماً الى هذا المستوى.
انّ كلمة إدانة يجب ان تقال كتمهيد للفعل الإيجابي الذي يؤدّي الى ردع الجريمة ومعاقبة أصحابها، أما الاكتفاء بالقول والتنصل من الفعل فهو يشجع المجرم على التمادي في إجرامه وكذبه وافتراءه. لكلّ ذلك فإنّ المؤسسات العربية والدولية كما الدول نفسها ملزمة اليوم بعدما، بلغ السيل الزبى، ان تلاحق المعتدين ملاحقة جدية بدلاً من التندر بممارساته التي يندى لها جبين البشرية.
تردّد الدول الغربية دائماً انّ الإفلات من العقاب يشجع على تكرار الجريمة وتصعيدها. فلماذا إذن تسكت هذه الدول على جرائم العدو «الإسرائيلي» وتطالبنا بالتراجع تجاهه واستيعاب انحرافاته ودمج اللاجئين والنازحين، الذين تسبّب هو بمحنتهم، بمجتمعاتنا التي تكاد تنفجر بسبب الحصار الأميركي الأوروبي. وما يصحّ على الدول الغربية يصحّ أيضاً على الدول العربية إذ أمام هول الجرائم الإسرائيلية يسأل المواطن العربي لماذا لا تبادر هذه الدول بسحب سفرائها من تل أبيب وقطع علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية بها كخطوة أولى لا بدّ منها.
لو سألت تلك الدول أبناءها عن الخطوة التي ينبغي القيام بها للردّ على هذا الإجرام الصهيوني بحق الأمة العربية أرضاً وشعباً وتراثاً لما ارتضت بأقلّ من ذلك، مع معرفتها بقوة «إسرائيل» وقوة شراكتها مع الولايات المتحدة الأميركية التي تتفنن اليوم، مع حليفها الصهيوني، بإيذاء الشعب الفلسطيني والتنكيل بالشعب اللبناني من مطلع الفجر حتى نهاية الليل.

*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى