مقالات وآراء

المحافظون الجدد نشأتهم… خلفيتهم الفلسفية… تطورهم… نشاطهم ومشاريعهم

إعداد: د. نسيب أبو ضرغم

المحافظون الجدد اسم لمع في الحياة الأميركية وهو يرمز إلى مجموعة من المثقفين التروتسكيين الذين جعلوا من جامعة سيتي نيويورك الجامعة التي تلقوا فيها علومهم موئلاً لحركة سياسية ثقافية كان لها دور فاعل في صناعة التاريخ، وخاصة على مستوى منطقتنا.

سوف نعالج مجموع المحافظين الجدد من خلال عرض نشأتهم وخلفيّتهم الفكرية والفلسفية مروراً بتطوّرهم الفكري والسياسي ودورهم في صناعة القرار الأميركي.

إن هذه الحلقة تتطرق إلى المرجعية الفلسفية التي تلبي فكرهم السياسي والمتمثّلة بالفيلسوف الألماني ليوشتراوس. إضافة إلى ذلك سنلقي الضوء على مرحلة التغيّر في التفكير والانتقال من الموقع الشيوعي التروتسكي إلى موقع المحارب الإمبريالي. كما سنشير إلى الآليات التي تبنّاها المحافظون الجدد وخصوصاً «الفوضى الخلّاقة» التي كانت السلاح الفتّاك بيدّ هؤلاء المحافظين لتمزيق المجتمعات وتدميرها لمصلحة «إسرائيل»، إضافة إلى مشاريعهم التدميرية وخصوصاً مشروع الشرق الأوسط الجديد.

من هم «المحافظون الجدد» Neo Conservateures

إنهم مجموعة سياسية أميركية يمينية، تؤمن بقوة أميركا وهيمنتها على العالم، تتألف هذه المجموعة من مفكّرين وصِلات خارجية وصِلات داخلية.

انطلقت حركة المحافظين الجدد من مجموعة من المثقفين اليهود الذين درسوا في جامعة سيتي نيويورك، حيث كانوا في شبابهم ينتمون إلى اليسار القريب من الحزب الديمقراطي.

أصولهم الفكرية:

يُعتبر الفيلسوف الألماني ليو شتراوس، الأب الروحي للمحافظين الجدد. لقد هاجر شتراوس بعد الحرب العالمية الثانية إلى إنكلترا، ومن ثمّ إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ولد شتراوس عام 1899، وتوفّي عام 1913. وهو يهودي التحق بالحركة الصهيونية بعمر لا يتجاوز 17 سنة. تلقّى دروسه الثانوية في ماريورغ، وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى، انتمى إلى صفوف الجيش الألماني وعمل مترجماً.

عند نهاية الحرب، تابع دراسته العليا وحاز على الدكتوراه من جامعة هامبورغ عام 1921. انتقل من الفلسفة الوجودية إلى الفلسفة النيوميثولوجية عند هوسرل وهايدغر. صدر له أول كتاب عن الفيلسوف اليهودي اسبينوزا عام 1930، واستطاع أن يحصل على منحة دراسية من طرف مؤسسة روكفلر لدراسة الفلسفة العربية واليهودية عام 1932 في فرنسا التي غادرها إلى جامعة كمبريدج العام 1937 ليستقر فيها.

عام 1937 أصدر كتاباً عن فلسفة ابن ميمون فيلسوف يهودي أندلسي وكتاباً عن الفلسفة السياسية عند هوبز، بعد ذلك التحق للتدريس بجامعات أميركا بين عامي 1938 1948 حيث درّس مادة العلوم السياسية في المدرسة السياسية الجديدة في نيويورك إلى أن تقاعد عام 1968.

يذكر فوكوياما في كتابه «Dou viennent les neo conservateures « أنّ شتراوس قد تأثّر بأفلاطون وتوسيديد وابن ميمون والفارابي. ولقد تجلّى تأثره بالفارابي عبر أهمّ أطروحة نُسبَت إلى الفارابي وهي الكذبة النبيلة ، والتي تعني أنّ قول الحقيقة قد يؤدّي إلى الموت والمغامرة القاتلة، ولهذا يجب الانحياز إلى الكذب وعدم الإفصاح عن الحقيقة العامّة للجماهير، وأن يقتصر ذكرها فقط على الخاصة. ولهذا ينصح ليو شتراوس أتباعه بالاعتماد على الكذبة النبيلة من أجل تحقيق أهدافهم الاستراتيجية. لقد شكّلت هذه المقولة الأساس «الأخلاقي» لسياسة المحافظين الجدد. هذا المبدأ الشتراوسي في الهجوم على الطرق وتبرير شنّ هذه الحرب باختلاق كذبة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، الذي يعرف المحافظون الجدد أكثر من غيرهم عدم صحّتها، وهذا ما تأكّد للجميع، عدم صحّتها، بعد إسقاط نظام الرئيس صدام حسين وفشل لجان التفتيش في العثور عليها.

فوكوياما في كتابه Dou viennent les neo conservateures

أما منطلقاتهم الفكرية فتتحدد بثماني نقاط:

الإيمان بالقوة العسكرية كأداة أساسية لمواجهة التحديات.

العلاقات الدولية بنظرهم تقوم على القوة.

السلام الحقيقي هو الذي يأتي كنتيجة للانتصار في الحرب وليس في الدبلوماسية.

يعتقدون أنّ أمام أميركا فرصة غير مسبوقة لإعادة صياغة النظام العالمي بفعل الفراغ الذي أحدثه تفكك الاتحاد السوفياتي.

آمنوا بضرورة التدخّل العسكري لإعادة تشكيل الدول كالعراق وأفغانستان ولبنان وإيران، ولهذا جرى الترويج من قِبَلهم لمبدأ السيادة الوطنية المحدودة، أو حتى إلغائها حينما تتعرّض مصالح الولايات المتحدة الأميركية للخطر.

يعتقدون أنّ من واجبهم العمل على تعجيل عودة «المسيح إلى الأرض» لتحقيق نبوءة الكتاب المقدّس ، وذلك بشنّ الحرب على المسلمين والاستيلاء على الأرض المقدسة.

ينظرون إلى الآخر كعدو يجب استئصاله.

لقد حدّد ستيفن هلبر وجوناثان كلارك، مؤلِّفا كتاب «المحافظون الجدد والنظام العالمي» المنطلقات الأساسية لتفكيرهم، وهي:

الإيمان العقدي والصراع بين الخير والشر… استناداً إلى دعوة فيلسوفهم الأول ليو شتراوس، إلى بناء أميركا كقوة تحارب الشرّ في العالم.

أمّا في المجال الاقتصادي فلم تكن أفكارهم أقل خطراً منها في المنطلقات العقائدية، وكانت كالتالي:

تبنّى «المحافظون الجدد» النيوليبرالية وهي الرأسمالية المتوحشة، وهي التي تستند إلى فرض الأمركة على نظام العولمة وما تتضمّنه من:

تدويل واسع على صعيد الإنتاج والتبادل.

تداول الخدمات والمال والاتصالات والمعرفة ومنظومة القِيم والأفكار.

جـ – الانحياز لمصلحة الأثرياء والشركات الرأسمالية الكبرى.

د- رفض الثورة الثقافية التي قامت في عقد الستينات في الولايات المتحدة معتبرينها إضعافاً لأميركا.

«المحافظون الجدد» منظّرون لخراب العالم علي عبد العال

أصول المحافظين الجدد

كثيرة هي الدراسات التي نُشرت حول «المحافظين الجدد»، حيث قدّمت لمحة عن الأصول الثقافية لهذه الحركة. لقد تحدّث الباحثان كريستول وبوتورتيز عن المسار الذي قادهما إلى الانتماء للمحافظين الجدد. إنّ الدراسة الأكثر توازناً في هذا الصدد هي التي قام بها الصحافيان الفرنسيان آلان فراشون Alain Frachon ودانيال فرني Daniel Vernet المنشور سنة 2004 بعنوان: «أميركا المؤمنة بعودة المنقذ» وباللغة الإنكليزية رصد جيمس مان James Mann المسار الشخصي لنائب سكرتير الدولة في الدفاع بول وولفوفيتز Paul Wolfowitz في كتابه «ارتفاع البراكين Rise of the Volcans 2004 «، كما كتب «موراي فريدمان Morray Fridmen» تاريخاً مفصّلاً عن الجذور الفكرية، خصوصاً من جانبها اليهودي لفكر المحافظين الجدد.

إنّ المحافظين الجدد، وهم مجموعة من المثقفين المرموقين، هم في أغلبهم من أصول يهودية، حيث كانوا يتابعون دراستهم الجامعية في جامعة سيتي نيويورك City College of New York CCNY في أواسط الثلاثينات وبداية الأربعينات، ومن أبرز وجوه هذه المجموعة:

إرفينغ كريستول Irving Kristol دانييل بيل Daniel Bell إرفينغ هو Irving Howe سيمون مارتن ليبست Saymon Martin Lepset فيليب سلسنكت Philipe Selsink ناثان كلازير Nathan Glazer، وفي مرحلة لاحقة دانيال باتريك مونيهان Daniel Patrik Monihan، وهذا ما أتى على ذكره جوزف دورمان في كتابه الصادر عام 2001، بعنوان: إقناع العالم Arguing the World .

كل هذه الشخصيات التي تنحدر من أصول شعبية، ومن أوساط المهاجرين، كانوا يترددون على جامعة سيتي نيويورك CCNY ، لأنّ المؤسسات العلمية الخاصة بالنُّخب كجامعة كولومبيا وهارفرد كانتا موصدتين أمامهم.

في تلك الأثناء كانت السياسة العالمية تمرّ بأزمة خانقة، وكانت المجموعة التي تنتمي إلى جامعة سيتي نيويورك، تهتم بالنضال السياسي وملتزمة صفوف اليسار، والسبب في ذلك أنّ المجموعة الأولى كريستول – بيل هو ليبست سلسنك ناثان كالزير كانت مجموعة تروتسكية…

يقول فوكوياما:

«لكن ما بقي من الإرث الذي تركته هذه المجموعة من طلبة جامعة سيتي نيويورك يشكّل عداءً محموماً للشيوعية واستخفافاً متفاوتاً بالليبراليين المتعاطفين مع الشيوعية من دون أن يُدركوا الخطر الذي كانت تمثّله».

ويُكمل فوكوياما:

«لم يكن من المصادفة أن تدشّن الأغلبية من أعضاء مجموعة جامعة سيتي نيويورك CCNY مسارها داخل صفوف التروتسكيين. لقد كان تروتسكي، كما هو معروف، شيوعياً، لكن في تلك المرحلة التي تميّزت بالانتقال التدريجي من الجبهة الشعبية ثم بعد ذلك إلى المعاهدة الجرمانية السوفياتية، ثمّ العودة أخيراً إلى الجبهة الشعبية بعد اجتياح الاتحاد السوفياتي لألمانيا، كان التروتسكيون أكثر من غيرهم يدركون جيّداً الرعونة المفرطة للنظام الستاليني وهمجيته عديمة الشفقة التي أدّت بنظام ستالين لاغتيال تروتسكي في المكسيك عام 1940».

فوكوياما المرجع السابق .

«كما أنّ معاداة الشيوعية عند يسار فقد إيمانه بالأوهام الإيديولوجية، يُعتبَر مختلفاً عن العداء للشيوعية من لدن اليمين الأميركي التقليدي، الذي كان يُناهض الحركة الشيوعية فقط، لأنها كانت تدعو إلى الإلحاد، أو لأنها تابعة لقوة أجنبية تُعادي اقتصاد السوق الحر، بينما كان اليسار المعادي للشيوعية خلاف ذلك. هو يؤمن بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تدعو لها الشيوعية، لكنه أدرك في الأخير، وخلال سنوات الثلاثينات والأربعينات أنّ الاشتراكية الحقيقية قد تحوّلت إلى وحش بسبب النتائج غير المتوقعة التي كانت تُسيء إلى الأهداف المُثلى التي كان يؤمن بها أصحابها».

فوكوياما المرجع السابق .

ويُكمل فوكوياما:

«وخلال الحرب العالمية الثانية، نجد أغلب أعضاء المجموعة التي تنتمي إلى جامعة سيتي نيويورك CCNY قد تخلّوا عن التزامهم الماركسي، لكنّ توقيت ودرجة التحوّل إلى اليمين تختلف في ما بينهم. حيث نجد أنّ إرفينغ كريستول كان أكثرهم ميلاً إلى اليمين، أمّا إرفينغ هو فكان أقلّهم تطرّفاً، بينما توزّع كلّ من بيل وكلازير وليبسيت وموينهان بين هذين الموقفين…

لقد كوّن هؤلاء المثقفون مراكز ثقافية ساهمت بشكل أساس في صياغة السياسة الخارجية الأميركية، إضافةً إلى تكوين تيار متعاطف مع نزعة ومفاهيم «المحافظين الجدد».

لقد كانت مدينة نيويورك تمثّل مركز الثقل الثقافي في نهاية سنوات الأربعينات وبداية الخمسينات، وذلك بفضل مجلتي Partisan Review و Comentary، وما أحدثه وجودهما من نقاشات ثقافية دارت حول الحرب الباردة التي نشأت لتوّها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إضافةً إلى النزعة الماركسية، كل ذلك أدّى مع مرور الزمن إلى ردّة جديدة نحو اليسار، ما نتج عنه زيادة في عدد المنتمين للمحافظين الجدد. نورمان بلوريتز Norman Polhoretz، كتب بالتفصيل عن تجربته في الانتقال من اليسار إلى اليمين، كما أنّ مجلة Comentary عرفت نفس التطوّر، لتتحوّل بعد ذلك إلى نبراس ينير طريق الفكر الجديد «للمحافظين الجدد».

هناك نوع من الاستمرارية الفكرية بين مناهضة الشيوعية من قِبل مجموعة CCNY وبين التيار الثاني داخل فكر المحافظين الجدد الذي يتحلّق حول مجلة «المصلحة العامة – The Public Interest» التي أسسها إرفينغ كريستول ودانيال بيل العام 1965.

لقد تطوّرت الحياة السياسية الأميركية بطريقة مذهلة مع نهاية عقد الستينات، وذلك بعد ظهور الحركة من أجل الحقوق المدنية المناهضة لحرب فيتنام. لقد تمّ تعويض، ولو مؤقتاً، الشيوعيين القدماء من مناضلي يسار سنوات الثلاثينات «باليسار الجديد»، الذي يقوده توم هايدن Tom Hayden، وجماعة عُرفت باسم «الطلبة من أجل مجتمع ديمقراطي Students for a Democratic Society».

لقد بدأ دخول رموز «المحافظين الجدد» في الإدارة الأميركية وهم بعد في صفوف اليسار، في رئاسة ليندون جونسون، خاصة بعد أن أطلقت الإدارة الأميركية البرامج المسمّاة «الحرب على الفقر والمجتمع الكبير War on Poverty and Great Society»، فتمّ تعيين شخصيات معروفة مثل Bell وGlazer وLibset في أهمّ المؤسسات الجامعية، ولكنهم سيصطدمون بمعارضة شديدة من لدن الجيل الجديد من الطلبة الراديكاليين الذين سيقومون بأنشطة اجتماعية تقدمية، بمساندة غير مباشرة من جانب بعض أستاتذتهم بالرغم من نقدهم للجامعة التي اعتبروها مجرّد إقطاع تابع للراسمالية والإمبريالية الأميركية.

ما يجب التوقف عنده، هو السؤال عن كيفية التحوّل من الموقع اليساري إلى الموقع المحافظ، ويبدو أنّ ذلك قد تمّ عبر معركتين:

أمّا المعركة الأولى: فكانت ضدّ الاتجاه الستاليني الذي ظهر في سنوات الثلاثينات والأربعينات، وأما المعركة الثانية فكانت مع اليسار الجديد والثقافة التي يروّج لها.

«لقد ظهر إلى الوجود بموازاة حركة الاجتماع على حرب فيتنام جيل من المتياسرين ، أصحاب النزعة اليسارية الأميركيين يتضامنون مع الأنظمة الشيوعية والفكر الماركسي في هافانا وهانوي وبكين ومانغوا، وقد أدّت هذه المعركة إلى ظهور سياسة طموحة تسعى على المستوى الداخلي إلى سنّ أنطمة الحماية الاجتماعية على الطريقة الأوروبية من أجل تصحيح الأسباب المتعددة التي تؤدي إلى التفاوت الاجتماعي».

فوكوياما المرجع السابق

في هذا المناخ أسّس كل من كريستول وبيل مجلة المصلحة العامة Public Interest بُغية تقديم رؤية نقدية حول ما يتعلّق بالجانب الوطني من هذا البرنامج.

لقد استقطبت هذه المجلة جيلاً من الجامعيين وعلماء الاجتماع والمثقفين، من بينهم:

Glazer و Moyniham و James R. Wilson و Glean Lousy و Charles Murray وStephan و Abiyail Thermenstrom.

إنّ النقد الذي قام به هؤلاء المثقفون «للمجتمع الكبير» مهّد الأساس الفكري الذي سينتهجه اليمين في سياسته الاجتماعية خلال سنوات الثمانينات والتسعينات.

إنّ الصعود الذي عاشه «المحافظون الجدد» نبّه عنه كثيرٌ من المسؤولين الأميركيين، وفي طليعتهم الرئيس جيمي كارتر، حيث كانت أولى إرهاصات نشأتهم الحديثة إبّان رئاسته، فقد أشار في كتابه «القيم الأميركية المعرّضة للخطر»، إلى أنّ المحافظين الجدد… قد أصبحوا بفلسفتهم «الإمبريالية يشكّلون خطراً على سمعة الولايات المتحدة في العالم».

ولقد أشار المرشّح ليندون لاروش لرئاسة الجمهورية في مذكّرة استراتيجية كتبها، يقول: «إنّ هدف الآفة المسمّاة إدارة بوش تشيني، هو إزالة كلّ ما يتعلّق بوجود «الدولة القومية ذات السيادة، وذلك باستخدام أداة الحرب الأبدية ». وكتب لاروش مخاطباً بشكل خاص أولئك الذين يعتقدون في دول العالم وداخل الولايات المتحدة الأميركية، أنّ بمقدورهم العيش مع فترة رئاسية جديدة لبوش تشيني، ما يلي:

«إنّ هدفهم ليس إخضاع مناطق معينة سياسياً كمستعمرات، بل إزالة جميع المعوقات التي تقف في طريق النهب الحر للكوكب الأرض ككلّ. إنّ نيّتهم ليس فتح أراضٍ جديدة، بل تحقيق إزالة كل بقايا السيادة القومية وتقليص عدد سكان العالم إلى أقل من مليار نسمة… فهدفهم في أفغانستان والعراق على سبيل المثال، هو ليس السيطرة على هذين البلدين، بل إزالة أمم قومية عن طريق إطلاق قوى الفوضى والدمار.

«المحافظون الجدد» منظّرون لخراب العالم علي عبد العال

هؤلاء «المحافظون الجدد» آمنوا بمجموعة من الثوابت هي:

اعتقادهم الراسخ بأنّ طبيعة النظام الداخلية لها أهمية في تحديد السياسة الخارجية.

الإيمان بضرورة استعمال القوة الأميركية في خدمة القِيم الأميركية عند التدخّل في النزاعات الدولية.

معارضتهم للبرامج والمشاريع التي تطمح إلى التنظيم الاجتماعي على مستوى السياسة الداخلية واعتبارها من مخلّفات النظام الشيوعي.

التشكيك في مصداقية القانون الذي تتبعه المنظمات الدولية هيئة الأمم المتحدة من أجل تحقيق السلم العالمي.

لقد وظّف المحافظون الجدد الخبرة من أجل أن تكون في خدمة الإمبراطورية الأميركية للسيطرة على العالم باستعمالهم الإيديولوجية الصهيونية السافرة التي تمجّد العنف والقتل وإرهاب الدولة، والتي جعلت من العالمين العربي والإسلامي حقل تجريب.

بهذه الأفكار اخترق المحافظون الجدد الإدارة الأميركية، الاختراق الذي أشار إليه كلّ من الرئيس كارتر، إضافةً إلى المرشح الرئاسي ليندون لاروش وكذلك ما صرّح به المرشّح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي هوارد دين، حيث تُبنى نظرية اختراق الإدارة من قِبل المحافظين الجدد متّهماً إدارة بوش بأنها كانت مُخترقة من لدن «المحافظين الجدد».

كما أنّ عدداً كبيراً من المراقبين أشاروا إلى أنّ كثيراً من المتعاطفين الذين يتصدّرون الصف الأول من دعاة الحرب على الطرق، كبول وولفوفتيز ودوغلاس فيست، هما من أصل يهودي، ولهذا ساهموا في جعل السياسة العراقية لبوش مدبّرة بإحكام كي تضمن أمن واستقرار «إسرائيل» الشرق الأوسط.

إضافة إلى أسباب أخرى ترجع إلى الجناح الليوشتراوسي في حركة المحافظين الجدد صاحب فكرة الكذبة النبيلة .

في آلياتهم التنفيذية:

تُعتبر مقولة «الفوضى الخلاقة» إحدى أهم الآلياتMechanisms التي توظّفها حركة «المحافظين الجدد» لتنفيذ مخططاتها بالسيطرة على العالم، وهي نظريتهم المُثلى في التعامل مع العالم من حولهم. والفكرة تعني باختصار:

إغراق الجماهير بالفوضى، كي تتمكّن الصفوة من ضمان استقرار وضعها، وطبقاً لما يذكره المتخصصون بفكر ليو شتراوس، فإنّ السلطة الحقيقية لا تمكن ممارستها إذا ما بقي المرء في حالة الثبات، أو حافظ على الوضع الراهن، بل على العكس، ينبغي العمل على تدمير أشكال المقاومة. وهي أيضاً فكرة تحويل مناطق واسعة من العالم إلى مناطق غير مأهولة، فبالنسبة لمنظّري «الفوضى البنّاءة» يجب سفك الدماء من أجل الوصول إلى نظام جديد في المناطق الغنية بالثروات أليس هذا ما تفعله الصهيونية عبر الإرهابيين؟

والأهم أنّ نظرية «الفوضى الخلاقة» قد تمّ تكريسها من قِبل هنري كيسنجر يوم كان مستشاراً للأمن القومي في رئاسة ريتشارد نيكسون، باعتبارها سياسة أمن قومي.

لقد قدّم كيسنجر دراسة تمّ اعتمادها عام 1974، من قِبل الإدارة الأميركية بعنوان: «مذكّرة الأمن القومي»، ومن أهم افتراضاتها وتوصياتها هي أنّ النمو السكاني، خاصة في دول العالم الثالث، يُعتبر تهديداً للأمن القومي الأميركي وحلفاء واشنطن الغربيين، لأن تزايد السكان في تلك البلاد سيؤدي إلى استهلاك الثروات المعدنية هناك من قِبل تلك الشعوب.

تفترض دراسة كيسنجر أنّ هذا الأمر يُعتبر تهديداً للأمن القومي الأميركي وحلفاء أميركا من الدول الصناعية، التي تعتمد ببقائها وتطوّرها على تلك الموارد المعدنية.

ومن بين ما تقوم عليه فكرة «الفوضى الخلاقة»، هو استبدال الدول القائمة بدويلات أصغر تتّسم بأحادية الطابع العرقي، وتحييد هذه الدويلات بجعل كل واحدة منها ضدّ الأخرى على نحو مستمر. وبعبارة أخرى، فالفكرة تتضمّن تدمير الدول القائمة من أجل إنشاء كيانات ضعيفة يسهل توجيهها والتلاعب بثرواتها ومقدراتها.

ولإعطاء صورة واضحة عن نوايا ومخططات «المحافظين الجدد»، نشرت مجلة «إكزكتف انتلجنس ريفيو»، تقريراً حول اجتماع عُقد في واشنطن لمناقشة «الحرب العالمية الرابعة»، حضره وتحدّث فيه أبرز منظّري المحافظين الجدد وأكثرهم نفوذاً داخل الإدارة الأميركية وفي مراكز صناعة القرار في واشنطن.

لقد شارك في هذا الاجتماع ثلاثة من كبار مسؤولي إدارة بوش تشيني. وهم:

بول وولفوفيتز نائب وزير الدفاع.

جيمس وولزي.

إليوت كوهي.

ولقد تمّ الاجتماع برعاية Policy Board إحدى أكثر الجماعات الصليبية الجديدة تطرفاً، وهي «لجنة الخطر الداهم»… Committee on Present Danger، وهي نفس المنظمة التي كانت ناشطة أثناء الحرب الباردة، والتي طالبت بقصف كوريا الشمالية بالقنابل الذرية عام 1949، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات Foundation for the Defense of Democracies، وهما المنظمتان اللتان أعلنتا من قبل بأن الإسلام هو العدو العالمي الجدي الذي ينبغي هزيمته خلال «الحرب العالمية الرابعة» التي وصفها كل من جيمس وولزي و إليوت كوهين بأنها حرب المئة عام.

«المحافظون الجدد» منظّرون لخراب العالم علي عبد العال

وكان نجم عن هذا الاجتماع وقائده نورمان بودهوريتز Norman Podhoretz، الشيوعي السابق والمنقلب إلى محارب إمبريالي، وهو من الجيل الأول من أتباع ليو شتراوس، وقد أكمل صهره إليوت أبرامز الدور عبر تولّيه منصب مستشار الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بوش.

وهذا إليوت كوهين ينظّر لمستقبل مروّع للشرق الأوسط عبر مقالة له في صحيفة «أميركان إنترست»، منشورة في صحيفة «البناء» عدد 1957 تاريخ 14/12/2015 ص 11، المستقبل الذي خططوا له منذ ما قبل وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى