أيقونة فلسطين ومطران القضية

جودي يعقوب

في ظلّ هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها أمّتنا، وفي وقتٍ نحتاج إلى المؤمنين الصادقين، فقدنا في بداية هذه السنة مثلاً أعلى للنضال السوري وقدوةً نضالية مميّزة، وقامة خلقية معطاء.

فقدنا أيقونة القضية الفلسطينية وصوتَها الذي لا يتعب، الذي كان قد جعل من فلسطين درباً له، واجه من خلاله الحقد والإجرام الصهيونيَّين، لا طمعاً في منصب ولا في مال ولا في وظيفة، بل رغبةً منه في أن تلامس روحه نسيم فلسطين، وأن يلامس جسده تراب القدس التي جعل منها قِبلته. خاطر بحياته وصحّته لأجل غزّة وشعبها، وقدّم جسده قرباناً لفلسطين أمام مذبح الصهاينة المحتلين.

علّمنا بشجاعته وتضحياته كيف القدّيس يستطيع أن يشقّ طريقه نحو القداسة، وكيف يفرض على التاريخ أن يسطّر نضاله وإصراره في صفحة مدينة القدس الطاهرة. السوري الأصيل ابن حلب البارّ، «المطران الإرهابي» كما يسمّيه العدوّ الصهيوني، هيلاريون كبوجي مطران القدس بالمنفى، كان وسيبقى مدرسة من مدارس الثورة والعطاء، ورمزاً من عمالقة النضال وهو يرفع شعار المقاومة حتى الموت في زمن أنصاف الرجال والمتشبّهين بالرجال.

نُفي بجسده لكنه بضميره وقلبه بقي يعيش مع سورية وشعبها بكلّ أوجاعهم وآلامهم، حيث كان في كلّ لقاء معه يجدّد دائماً شوقه لسورية وحزنه على ما يحلّ بها بسبب الإرهاب. وهو الذي كان يؤكّد وبإصرار على دور الحوار والانفتاح على مختلف الآراء والتوجهات الوطنية للتعاون على بناء الوطن لتعود سورية قوية بحبّها ووحدتها.

في بداية هذه السنة، صمت وإلى الأبد هذا الصوت الدافئ المليء بروح الثورة وحبّ التضحية، فخسرنا بغيابه رجلاً عظيماً. ويبقى عزاؤنا بأنّ الرجل الكبير لا ينتهي بمأتم، بل ستشهد له مئات المواقف التي حصلت، ليبقى شعلة لا تنطفئ في أرواحنا.

فما أصعب الرحيل من غير وداع نيافة المطران هيلاريون كبوجي، وإلى روح التواضع،ـ إلى روح لا أشرف ولا أنقى، إلى روح تستحقّ الرحمة الأبدية، إلى صاحب الإحساس المرهف، ستبقى حاضراً في ذاكرة كلّ مَن عرفك، وستبقى في ضميرنا رمزاً من رموز وطننا. لرحيلك وروحك كلّ المجد والخلود، ولتحيى سورية ويعانق نهضتها الخلود، والبقاء للوطن بالعزّ والكرامة.