مسرح المدينة ـ الحمرا يشهد توقيع عريضة لمقاطعة الكيان الصهيوني أكاديمياً وثقافياً
مسرح المدينة ـ الحمرا يشهد توقيع عريضة لمقاطعة الكيان الصهيوني أكاديمياً وثقافياً
نضال الأشقر: «بدنا نحمل السلّم بالعرض»!
أحمدطيّ
جميلاً كان شارع الحمرا مساء أمس. صاخباً بالمقاومة كان. عابقاً بالثورة كان. هذا الشارع الذي شهد ذات أيلول طرد المحتل الصهيوني من بيروت كلّها بعدما أقدم الشاب خالد علوان على قتل ضباط صهاينة كانوا يعيثون قرفاً في مقهى «الويمبي» عام 1982، لتنطلق استغاثات الصهاينة بعدئذٍ «أيا أهالي بيروت لا تطلقوا النار إننا راحلون»، هو الشارع نفسه الذي ينبض ثقافةً وفناً وخيراً وجمالاً، ليتجلّى الجمال مساء أمس بأمسية استحالت مهرجاناً ثورياً بكل ما للكلمة من معنى.
فوجئ روّاد المقاهي المنتشرة في شارع الحمرا أمس، لا سيما في محلّة «السارولا»، بأناشيد اشتاق إليها الشارع، من «أناديكم»، إلى «صامدون»… واللائحة تطول. يتهامس بعض الروّاد متسائلين عمّا يحصل، ليأتيهم الجواب، أن مسرح المدينة، هذا المسرح العريق، يستضيف حدثاً هامّاً، ربما كان هدفه منسيّاً لدى البعض، إلّا أنّه لم يكُ قطّ قيد النسيان لدى «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» والناشطين فيها، الذين لا يدخرون جهداً لتعريف الرأي العام اللبناني والعالمي بالمنتجات والشركات والشخصيات الداعمة للكيان الصهيوني.
مسرح المدينة استقبل مساء أمس حدثاً فنياً ثقافياً هو الأوّل من نوعه، على صعيد المقاطعة اللبنانية للكيان الصهيوني الغاصب، إذ انتقلت هذه المقاطعة من مرحلة البيانات والاعتصامات والرسائل و… إلى تنظيم حدث ثقافيّ كبير انخرط فيه عدد من الفنانين والكتّاب والمثقفين اللبنانيين، ليطلقوا عريضة بِاسم «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» و«اللجنة اللبنانية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية للكيان الصهيوني ـ قاطع».
الحدث الذي تحوّل إلى مهرجان كبير نظراً إلى الإقبال الشعبي الكثيف، إذ جلس كثيرون في الممرات بين كراسي المسرح، فيما لم يحظَ كثيرون بفرصة الدخول إلى قاعة المسرح الذي امتلأ حتّى التخمة. هذا الحدث تخلّله إطلاق تطبيق للهواتف الذكية لمقاطعة المنتجات الداعمة لكيان العدو، كما تخلّلته كلمات عدّة أجمعت على ضرورة المقاطعة، وجدواها.
وعبرت بين الخطابات، فقرات فنية ثورية راقية، إذ أبدع كلّ من الفنانة المتألقة جاهدة وهبي، والرائع شربل روحانا، إضافة إلى كلّ من الفنانين أميمة الخليل، غابريال عبد النور، خالد العبد الله، سامي حواط. فيما بُثّت رسالة مصوّرة من الفنان مرسيل خليفة.
كلمات
المهرجان الذي لم يقدّم له أحد، بدأ بالنشيد الوطني اللبناني، ثمّ أنشد الرائعة جاهدة وهبي نشيد موطني، الذي وقف له الحضور أيضاً. هذا الحضور تفاعل بقوّة وجدانية غريبة لدى غناء جاهدة قصيدة بعنوان «عذراً غزّة» التي كتبها الشاعر الراقي زاهي وهبي، ليرتفع «دوز» التصفيق إلى أعلى درجاته مع انتهاء القصيدة.
ثم اعتلت المنبر مؤسّسة مسرح المدينة ومالكته المخرجة والممثلة القديرة نضال الأشقر، وألقت كلمة جاء فيها: «يقولون إننا نحمل السلّم بالعرض، لكننا مؤمنون أنّ المقاومة المسلحة انتصرت على العدوّ وألحقت به الهزائم، إلا أنّ هذا العدوّ يتسلّل إلينا من أمكنة أخرى، لا سيما عبر الثقافة والفنّ، من هنا وجب علينا أن نقاوم هذا العدوّ بالكلمة والمسرح والسينما والغناء، وألا نسمح له أن يحاول خداعنا فنقع في شرك التطبيع معه. لذلك، سنحمل السلّم بالعرض، ودعوتنا إلى الجميع: قاطع، قاوم، قاطع».
أما الدكتور سماح إدريس، الذي عرّف نفسه كناشط في «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان»، فقد ألقى بيان الحملة الذي تضمّن تعريفاً بها، وبأهمية المقاطعة وجدواها. مذكّراً أن الحملة منعت المغنية الفرنسية لارا فابيان من الغناء في لبنان، وهي التي غنّت في الذكرى الستين للنكبة في «تل أبيب»، معلنةً حبّها لـ«إسرائيل».
كما سلّط إدريس الضوء على أهمية مقاطعة البضائع والشركات الداعمة للكيان الصهيوني. مشيراً إلى نجاح هذه المقاطعة في جنوب أفريقيا وفي أوروبا، ما اضطرّ كيان العدو إلى استحداث وزارة بأمّها وأبيها لمحاربة المقاطعة.
وألقى الإعلامي نصري الصايغ كلمة بِاسم لجنة «قاطع»، ثمّ تحدّث الطبيب الجرّاح في الجامعة الأميركية غسان أبو ستة، الذي تحدّى الحصار ليداوي الجرحى الفلسطينيين في غزّة، وتناول مسألة ضلوع المؤسّسة الطبية الصهيونية في الإجرام بحق الفلسطينيين «نجمة داود الحمراء، أي المؤسّسة التي تعادل منظمة الصليب الأحمر». وأشار أبو ستّة إلى أنّ سيارات هذه المؤسّسة تظهر في الصور كافة التي تُلتقط للإجرام الصهيوني بحق الفلسطينيين، وتتركهم ينزفون حتّى الموت، كما أنّها متورّطة بجريمة تجريب الأدوية على الأسرى الفلسطينيين. وأنهى أبو ستّة كلمته قائلاً: «تا ترجع كلها، قاطعوهن كلهم».
الأشقر
المخرجة والممثلة الكبيرة نضال الأشقر، ودّت أن توجّه عبر «البناء» رسالةً إلى المثقفين والفنانين فتقول: أقول للفنانين أن ليس هناك ما يدعى الفنّ للفنّ. الفنّ هو التزام، التزام بالإنسان، بالمجتمع. لذلك نحن في حملة «قاطع»، من المهم جدّاً أن نقاطع الكيان الصهيوني فنّياً وأكاديمياً وثقافياً. ما يعني هذا؟ الجواب بسيط: هناك مقاومون وجيش لبناني يقاومون ويدافعون عن أرض لبنان وكرامته وعزّته، وهناك مقاومة في فلسطين، ونحن بدورنا علينا أن نقاوم، عبر مقاطعة الذين يدعمون الكيان الصهيوني، ويروّجون له، ويلمّعون صورته وصفحته. وألّا ندعوهم لزيارة لبنان. سواء كانوا أساتذة أو مغنّين أو ممثلين أو مثقفين.
إدريس
أما الدكتور سماح إدريس فيقول لـ«البناء» ردّاً على سؤال حول مسألة التطبيع العربي العلني مع الكيان الصهيوني: نحن بوصلتنا مقاطعة الكيان الصهيوني. وإنّ أيّ محاولة لتشتيت الأنظار عن أيّ عدوّ غير العدوّ الصهيوني سيضرّنا. سواء كان هذا التشتيت نحو إيران، أو نحو الشيعة أو ما يسمّى الهلال الشيعي، أو نحو بلدان عربية أخرى. إذا بدأ تركيزنا يتشتت باتجاه طوائف ومذاهب وبلدان، فذلك سيضيّع الهدف. وسيعتبرنا البعض أننا نعمل لمصلحة أنظمة أخرى بدلاً من أن نكون نعمل في مواجهة الصهيونية والكيان الصهيوني.
سكرية
«البناء» التي واكبت الحدث، التقت عدداً من المعنيين والنشطاء والحضور.
الدكتور عبد الملك سكرية من «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» قال: نحن اليوم نطلق عريضة لتفعيل المقاطعة الأكاديمية والثقافية والفنية للكيان الصهيوني وداعميه. وثمة أكثر من سبب لنلجأ إلى هذه الخطوة. أولاً، تزايد عملية التطبيع الرسمي بين بعض الأنظمة العربية الرجعية والكيان الصهيوني الغاصب، وأصبحت اللقاءات علنية لا سرّية كما كان يحصل سابقاً، ومن دون خجل. ثانياً، في لبنان مكتب المقاطعة الرسمي التابع لوزارة الاقتصاد ضعيف لدرجة أنّ تطبيعاً علنياً يحصل في لبنان وما من حسيب أو رقيب. ونحن نتحرك ونشتكي ولا أحد يحرّك ساكناً ولا نحصل على التجاوب المطلوب. أما ثالثاً، فإن حملة المقاطعة عالمياً تنمو وتكبر، وبدأت تشكّل قلقاً كبيراً وكابوساً للكيان الصهيوني الذي استحدث وزارة خاصة لمحاربة المقاطعة ومواجهتها. لأنّ «إسرائيل» قامت على كذبة كبيرة، والصهاينة يخشون انفضاح أمر هذه الكذبة كي لا تُعزل «إسرائيل» وتذوب وتموت. لذلك، نظّمنا هذه الورشة لاستنهاض روحية المقاومة الفكرية والتي تشكّل المقاطعة جزءاً لا يتجزّأ منها، وتعميم هذه المحاولة في بلدان عربية أخرى مستقبلاً. لأن المعركة مع العدو الصهيوني طويلة الأمد، وبحاجة إلى كل الأساليب. المقاومة المسلّحة العسكرية هي الأساس والطليعة وهي رأس الحربة، وضرورة وواجبة وناجعة، لكننا ـ نحن غير المسلّحين والذين لا دور عسكرياً لنا ـ ماذا نفعل؟ هل نبقى متفرّجين؟ يجب أن نساهم في هذه المقاومة ونرفدها بكل قوة حتّى نكمّل بعضنا، ونبني المجتمع المقاوم، فيكون لكلّ فرد دور يقوم به على أكمل وجه، وبذلك نبني القوة ونواجه العدو ونهزمه عاجلاً أم آجلاً.
وهبي
الفنانة المتألقة دائماً جاهدة وهبي، قالت لـ«البناء»: مثلما قلت في تصريح صحافيّ سابق، علينا أن نقف يداً بيد في هذا الجهاد الأكبر. الوردة إلى جانب البندقية. السنبلة في وجه القنبلة. أن نؤمن بأن فعل المقاومة ليس أن نطلق الرصاص فحسب، إنما أن نطلق أيضاً قافية وأغنية. أن ما تأتي به الحجارة، قد تأتي به العبارة.
مشاركتي في هذا الحدث منبثقة من قناعتي الراسخة بأنّ المقاطعة ركيزة أساسية من ركائز النضال، وعامل مؤثّر وفعّال في التضامن مع شعوبنا وأمّتنا. إنّها فعلٌ أعبّر من خلاله عن الغضب والاستياء ممّا آل إليه الصمت الدولي وهشاشة الموقف العربي وموجات الاستنكار الشكلية والتنديدات الفولكلورية والفيتوات والتصريحات والتمنّي والترجّي وكلامولوجيا الدفاع عن الحرّية. آمل أن تصل هذه الرسالة إلى الجمهور الواسع، دعماً لقضية قاربت السنوات السبعين، وما هرمت ولا شاخت شعوبها ولا قلّت حجارتها ولا خفتت حناجرها، وهذا إن دلّ على شيء، فعلى أنّ فاقدي الأمل بهذه القضيّة إنّما يسيرون عكس التاريخ. أما الذين آمنوا بأنّ تراب الأرض لنا وزهر اللوز لنا وأن لنا على أغصان الأشجار عصافير تنتظر فجر العودة لتزقزق نشيد التحرير… فلهؤلاء أقول: قاطعوهم تقتلعونهم.
خوري
المخرجة لينا خوري التي عرضت منذ فترة قريبة مسرحية «لماذا» على خشبة مسرح المدينة، والتي تتمحور حول فلسطين عبر ثلاثة رجالات كانت فلسطين قضيتهم الأساس وهم الزعيم أنطون سعاده والمناضل سرحان سرحان والمناضل فرج الله الحلو، تحدّثت إلى «البناء» قائلة: من المهم جدّاً أن يطرح الفنان قضية ما، لا سيما القضية العقائدية الفلسطينية التي هي قضيتنا جميعاً. ومهم جدّاً أن يقاوم كلّ فرد في مجاله، فنحن ـ الفنانين ـ لا نحمل سلاحاً، لكننا نحمل الكلمة والأغنية والقصيدة والمشهد المسرحي. رسالتي إلى كلّ فنان: قاطع.
أيوب
المناضل الفلسطيني علي أيوب، رئيس لجنة مسيرة العودة، وعضو قيادة إقليم لبنان في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة، تحدّث إلى «البناء» واصفاً هذا الحدث: بِاسمي وبِاسم مخيمات الشتات، والشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، أتوجّه بتحية إجلال وإكبار إلى هؤلاء الناشطين اللبنانيين وغير اللبنانيين في حملة مقاطعة الكيان الصهيوني وداعميه، ونشدّ على أياديهم ونحن معهم جنباً إلى جنب. هذه الأنشطة ناجعة ومفيدة، وتتطلّب منّا مزيداً من الوعي والإصرار والتمسك بحملات كهذه. لذلك أتينا اليوم لنكون إلى جانب هؤلاء الناشطين الأعزّاء. طبعاً القضية الفلسطينية هي قضية كلّ حرّ شريف في هذا العالم العربي، فتحية إلى هؤلاء الأحرار في زمنٍ تتكالب أنظمة عربية للتطبيع مع العدوّ الصهيوني ولإجهاض الانتفاضة المباركة في القدس وفي عموم فلسطين.
الخطيب
الناشطة النشيطة، والزميلة الإعلامية مي الخطيب كانت ضمن الفريق المنظّم للحملة. وتقول: المقاومة أنواع. هناك مقاومة عسكرية مباركة وجب علينا دعمها لأنّها حرّرت الجنوب وكسرت شوكة العدو الصهيوني، وهناك مقاومة فكرية واقتصادية. برهنت التجربة أنّ المقاطعة مجدية وتسبب خسائر اقتصادية فادحة للعدو، وذلك باعتراف العدوّ الذي سنّ قوانين تجرّم الداعين إلى المقاومة. دورنا يكمن في مضاعفة الوعي لدى الشعب والشباب، للتعريف بأهمية المقاطعة وبالؤسسات والشركات الداعمة للكيان الصهيوني، والتعريف أيضاً بأهمية المقاطعة الثقافية والفكرية. لأن تراكم هذه الأفعال يؤدّي إلى نجاح هذا الفعل المقاوم، وإلى تكبيد العدو خسائر فادحة.
من هنا، نوجّه رسالة إلى الشباب، مفادها أن نيّة المقاطعة هي الأساس، خصوصاً للذين يقولون لنا: لا نستطيع مقاطعة منتج ما، قدّموا لنا بديلاً. لذلك، إن النيّة هي الأساس، وعندما نقرّر نجد البديل، وتراكم هذا الفعل يؤدّي إلى ثقافة عامة تربك العدو.
بلوط
وأيضاً، التقت «البناء» ناشطة أخرى، على ارض الواقع، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، إنها الشابة سحر بلوط المقداد، التي أدلت بتصريح جاء فيه: بدايةً، هذا النشاط سيكون نقطة فارقة في «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» وحملة «قاطع». نفتّش جميعاً عن سلاح لنقاوم به هذا العدو الغاصب. وإذا عدنا بالتاريخ، لوجدنا أن الحروب في القرنين الماضي والحالي مرتبطة بالقضية الفلسطينية التي يجب أن تكون بوصلتنا جميعاً. نحن نؤدّي ما يمليه علينا الواجب الوطني، بالسلاح المتوفر لدينا، وهو فعال ومجدي كالرصاصة. نحن اليوم هنا لنضاعف من عديد الجيش الثقافي الفني الأكاديمي في مواجهة العدو.
كثيرون من أصدقائي يسألونني: «شو رح تقدمي أو تأخري إذا ما حضرتِ حفل لفنان داعم للصهاينة، أو قاطعتِ منتج داعم للكيان الصهيوني»، ولهم ولغيرهم أقول: إنني في هذا الفعل أُحدِث فرقاً، وكلّ واحدٍ منّا يحدث فرقاً، يجب على كلّ منّا أن يأخذ المبادرة، وأن ينطلق ويوسّع الدائرة لتشمل أهله وأصدقاءه. فيزيد تأثيرنا أكثر، وليكن ما حصل في أوروبا مثالاً لنا.
«قاطع» عدوك.. في كل ما يثبِّت وجوده