نصر صنين يتكرّر… الجيش السوري يتربّع على عرش تدمر
معن حميّة
مع اعتلاء الجيش السوري وحلفائه عرش تدمر، تهتزُّ عروش كثيرة وتتبدّد أوهام الواهمين. فهذه المدينة السورية الأثرية، الجميلة آرامياً، والأعجوبة سريانياً، مصنّفة ضمن مواقع التراث العالمي، وتحريرها من «داعش»، عدو الحضارة والإنسانية، يجعل العروش الطارئة كلّها صاغرة في حضرة عرش تدمر الموغل في الحضارة والتاريخ.
في التاريخ الحديث، وتحديداً في بداية ثمانينيات القرن الماضي، ارتفعت الزوابع الحمراء على بياض قمم صنين، حينذاك خرجت صحيفة أميركية واسعة الانتشار، وعنونت رئيسيتها: «مَن يسيطر على صنين يسيطر على البحر الأبيض المتوسط». ويومها كان الجيش السوري يؤازر القوميين الاجتماعيين، ومع رفع العلم السوري فوق مدينة تدمر، ثمة عنوان افتراضي «مَن يستعِدْ عرش تدمر يقوّضْ عروش الإرهاب»، مع الإشارة إلى أنّ القوميين يؤازرون الجيش السوري في معركة القضاء على الإرهاب.
عنوان افتراضي يتطابق مع الواقع، فتدمر إضافة إلى رمزيتها التاريخية والأثرية، تشكل عقدة مواصلات بين مناطق ومدن سورية عدة، والتحكم بعقدة المواصلات هذه، يفتح الطريق واسعة معبّدة أمام الجيش السوري وحلفائه لتحرير ما تبقى من مدنِ ومناطق سورية يعيث فيها الإرهاب احتلالاً وإجراماً وقتلاً وتدميراً.
المختصّون في الشؤون العسكرية واستراتيجيات الحروب، وبأهمية المواقع وتأثيرها في حسم المعارك، يعتبرون أنّ تحرير تدمر يفتح الطريق إلى دير الزور والرقة، ما يعني أنّ الإنجاز الكبير الذي حققه الجيش السوري باستعادته مدينة تدمر يندرج في سياق استراتيجية «ما بعد تدمر»، وهذا ما عبّر عنه بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية.
العارفون لحقيقة أهداف الحرب الإرهابية ضدّ سورية، يعتبرون أنّ هزيمة «داعش» في تدمر، قوّضت أخطر سيناريوات الحرب على سورية، فاحتلال «داعش» لهذه المدينة قبل ثلاثمئة يوم، إنما جاء في سياق التمهيد لعدوان بري منسّق بين أطراف عربية وإقليمية ودولية، وهو ما أعلنت عنه الرياض مؤخراً، بذريعة التدخل لمحاربة «داعش»!
هذا السيناريو الخطير، اصطدم بداية بدخول روسيا الاتحادية لمؤازرة الجيش السوري في الحرب ضدّ الإرهاب، وهو الدخول الذي قيّد تركيا بخطوط حمراء، تكرّست بعد إسقاط «السوخوي» الروسية من قبل الأتراك. إلا أنّ هذا السيناريو ظلّ خياراً قائماً، على أن يترجم تدخلاً عسكرياً برياً تنفذه قوات عربية تحت يافطة التحالف الدولي، يتخذ من تدمر وجهة له، لفرض الحصار والشروط على دمشق. لكن، بعد تحرير الجيش السوري لمدينة تدمر وطرد «داعش» منها، سقط هذا السيناريو سقوطاً مدوياً، ولم يتبقّ من مفاعيله، سوى متفرّع صغير، يتمثل بتمكين فصائل مسلحة تدور في فلك واشنطن والأردن من السيطرة على منفذ «التنف» بين سورية والعراق، والقريب من الأردن، وذلك لمنع الجيش السوري من التقدّم باتجاه هذا المنفذ وتحريره من «داعش» باعتبار أنّ الفصائل التي يتمّ الدفع بها للحلول مكان «داعش» في المنفذ المذكور هي مجموعات مشمولة باتفاق الهدنة.
إنّ واقعة الدفع بفصائل مسلحة من الأردن باتجاه ريف حمص الجنوبي ــــ الشرقي، للتموضع بدلاً من «داعش» في منطقة منفذ «التنف»، يكشف عن توجّس الدول الداعمة للفصائل الإرهابية المسمّاة معارضة، من وصول الجيش السوري إلى منفذ «التنف» وطرد «داعش» من تلك المنطقة الحدودية. وهذا دليل على الأهمية الاستراتيجية لتحرير مدينة تدمر، وأهمية الإنجاز الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه، بوصفه يؤسّس لإنجازات أخرى كبيرة في الآتي من الأيام.
وعلى أهمية الإنجازات التي حققها الجيش السوري، وتلك المنتظَرة، فإنّ الدول الداعمة للإرهاب لن تتوقف عن تقديم الدعم لما تسمّيه «معارضة معتدلة»، وهي في الحقيقة مجموعات إرهابية متطرفة نسخة عن «داعش» و»النصرة»، لكنها أقلّ قدرة. والهدف من وراء هذا الدعم امتلاك أوراق في مفاوضات جنيف أو في أيّ مفاوضات أخرى مقبلة. علماً أنّ الدول الداعمة للإرهاب، باتت مقتنعة بفشلها في سورية، وهي تتوسّل حضوراً ودوراً على المسرح السوري من خلال المفاوضات، أيّ التسليم بالمنطق الروسي. وهذا التسليم ناتج عن تلمّس هذه الدول خطر الوحش الإرهابي الذي بدأ يرتدّ عليها.
ما هو مؤكد، أنّ الصحون والإنتينات الغربية والأوروبية، بدأت تلتقط إشارات وصوراً مرعبة عن خطر الإرهاب الذي يتهدّدها. وهذا ما قد يدفع دول الغرب وأوروبا إلى إعادة النظر في سياساتها الداعمة بالمطلق للإرهاب.
المفارقة، أنّ الصحون والإنتينات التي يعتمدها بعض العرب معطلة بالكامل، فبعض العرب لا زالوا يتحدّثون عن سقوط الدولة ويطالبون بتنحّي الرئيس، في حين أنّ الدولة السورية تبسط سيطرتها على الأرض وتلتزم بمواعيد إجراء استحقاقاتها الداخلية، ورئيس هذه الدولة الدكتور بشار الأسد يمارس مسؤولياته ويقود الدولة إلى الانتصار تلو الانتصار.
أما صحون بعض اللبنانيين، فهي فارغة نتيجة شحّ «حنفيات» الدعم والمكرمات، لذلك تمّت الاستعاضة عن الصحون اللاقطة بصحون مكشوفة تبث المعلومات إلى العدو الصهيوني، وهذا ما كشفته فضيحة محطات الإنترنت في لبنان.
والحال يسري على إنتينات بعض اللبنانيين، فقد صارت صدئة، كأصحابها، لا تلتقط إشارات خطر «داعش» و»النصرة» وسائر الفصائل الإرهابية، ولا تزال تعتبر المجموعات الإرهابية «ثواراً»، وتتعامى عن حقيقة تربّع الجيش السوري على عرش تدمر التاريخ والحضارة، وما بعد تدمر…
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي