ماذا فعل هوكشتاين في بيروت؟
خاص «البناء» ـ يوسف المصري
تميّز هذا الأسبوع بكثافة الحراك الأميركي تجاه لبنان، بحيث غطى غير ملف حيوي فيه، من مكافحة الإرهاب الى تقديم مساعدة عسكرية للجيش اللبناني، الى ملف الطاقة. فمن جهة، تسلم الجيش اللبناني يوم الثلاثاء الفائت مساعدة عسكرية أميركية قوامها 300 مدفع رشاش عيار 7،62 وعربة 176 هامفي. تجدر الإشارة الى انّ مجموع ما قدمته أميركا للجيش اللبناني حتى الآن من هذه العربات هو١٢٨٧ عربة، وهناك أربعون عربة هامفي إضافية ستسلم للجيش نهاية هذا الشهر .
في الوقت نفسه تقريباً كان لبنان يستقبل ـ حسب معلومات سرّبتها لـ»البناء» مصادر مطلعة ـ وفداً ضمّ خبراء من جهازي الـ»سي آي إيه» وآلـ»إف بي آي». وهدف الزيارة تعزيز خبرة الجيش اللبناني في مجال مكافحة العمليات الانتحارية الأصولية التي باتت تستهدف حواجزه. كما شهد الاأسبوع الحالي، زيارة سريعة لبيروت استغرقت أقلّ من 24 ساعة قام بها أموس هوكشتاين مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة التقى خلالها الرئيسين ميشال سليمان وتمام سلام ووزيري الطاقة والخارجية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة ديرك بلامبلي. فيما اكتفى الرئيس نبيه بري بتحديد موعد له مع مستشاره للشؤون الإعلامية علي حمدان من دون توفر تفسير رسمي لسبب عدم لقائهما، علماً انّ مصادر السفارة الأميركية سرّبت انّ قُصْر مدة زيارة هوكشتاين ومصادفتها مع انشغال بري في جلسات التشريع النيابية حالت دون لقائهما.
ولفتت مصادر مطلعة إلى انّ كلّ هذا الحراك العملي الأميركي المكثف خلال هذا الأسبوع تجاه لبنان، يتزامن مع انطلاق الحكومة الجديدة في عملها، ومباشرة الجيش اللبناني تنفيذ الخطة الأمنية في طرابلس. وهو بهذا المعنى يأتي ليثبت جدية واشنطن بمواكبة ملفات لبنانية محدّدة تحظى بأولوية لديها قوامها مساعدة لبنان على مكافحة الإرهاب وتعزيز دور الجيش اللبناني في هذه العملية، وأيضاً في مجال تحسين خبرته في مجال الدفاع عن نفسه في مواجهة استهداف الإرهابيين لحواجزه وثكناته، والثاني دفع ملف الغاز قُدماً داخل مجلس الوزراء.
الدعم الدولي والهبة السعودية
وكشفت هذه المصادر عن معطيات جديدة على صلة بالحراك الاميركي تجاه لبنان، انطلاقاً من دور له في مواكبة الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني، وأيضاً انطلاقاً من معلومات جديدة على صلة بمسار ما وصل اليه موضوع تنفيذ صفقة الأسلحة الفرنسية المموّلة سعودياً. وفي التفاصيل… كشفت المصادر عينها انّ المساعدة العسكرية الأميركية الأخيرة الى الجيش اللبناني تندرج ضمن خطة كان صوّت عليها الكونغرس الأميركي عام 2013، وكان قدمت اميركا بموجبها ما بين حزيران العام الماضي حتى أيار العام 2013 للجيش اللبناني ما يزيد عن 180 مليون دولار على شكل تجهيزات وأسلحة. كما تضمّنت مساعدات بلغت قيمتها 8،7 ملايين دولار مخصّصة لكي تنفق على دورات لمكافحة الإرهاب والدفاع. وبين المساعدات الأميركية مبلغ بعشرات ملايين الدولارات مخصّصة لتحسين إجراءات حماية السفارة الأميركية.
وكشفت المصادر عينها لـ»البناء» ضمن هذا السياق انّ واشنطن عازمة على تعديل برنامج مساعداتها العسكرية للجيش اللبناني ضمن توجه مستجد لديها لملاءمة ما ستقدمه له مع ما سيتسلمه الجيش من أسلحة فرنسية ضمن هبة الثلاث مليارات دولار السعودية .
وأضافت هذه المصادر انّ شركة أوداس الفرنسية المتخصصة بتصدير الأسلحة وهي شركة مشتركة بين القطاعين العام والخاص الفرنسيين هي التي تقوم بتنفيذ العقد المتعلق بالهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني، وانه تمّ في 24 شباط الماضي تسمية الأميرال أدوار غيو رئيس الأركان السابق للجيش الفرنسي ليكون مشرفاً على تنفيذ العقد ورئاسة إدارة شركة أوداس في آن واحد .
وبحسب المصادر الفرنسية فإنّ العرض الذي تتقدم به أوداس يتضمّن طائرات هليكوبتر مستعملة من طراز غازيل مجهّزة بصواريخ «هوت» المضادة للدبابات من الجيل الأول، بالإضافة الى آليات مدرّعة خفيفة من طراز بانهارد المصنّعة من قبل شركة تابعة لصناعات رينو الدفاعية، وأربعة زوارق دورية من طراز «أدروات» التي تصنعها شركة «دي سي ان اس» الفرنسية المختصة بمجال التصنيع البحري الحربي، وعدد من طائرات الهيلكوبتر طراز اي سي 725 والتي تصنّعها شركة يورو كوبتر والتي كان تمّ بيع عدد منها إلى الملكة العربية السعودية.
لكن هذه المصادر تقول إنّ هذا العرض الفرنسي لا يلبّي كلّ رؤية لبنان لاحتياجات جيشه، إذ انّ بيروت التي لم تنجح قبل عقود بالحصول على صفقة صواريخ كروتال الفرنسية المضادة للطائرات والتي تحتاجها اليوم أكثر من ايّ وقت مضى تعلم أنّ ضمن ما اشترته السعودية من فرنسا كان هذا النوع من الصواريخ الفعّالة وكانت تنتظر دعماً سعودياً لنزع الفيتو الأميركي عن السماح بتزويد الجيش اللبناني بها لما سيُساهم به ذلك من تقوية الجيش مادياً ومعنوياً، وخصوصاً في كلّ ما يُطرح حول استراتيجية دفاعية لن تُسمع فيها كلمة الدولة اللبنانية كشريك للمقاومة، قبل ان تتمكن من المساهمة في توفير الحماية من الانتهاكات «الإسرائيلية» للأجواء اللبنانية.
وبالعودة إلى لائحة المعروضات نفسها تفضّل بيروت عوضاً عن شراء طائرات هليكوبتر من طراز غازيل المستعملة من فرنسا، ان يجري إعادة تأهيل أسطول طائرات الهيلكوبتر الموجود لدى الجيش اللبناني والمخزنة في قاعدة رياق في البقاع. وتقول هذه المصادر ان الجيش اللبناني وقّع اتفاقاً عام 2011 بقيمة 276 الف يورو مع شركة استشارات اقتصادية فرنسية لصيانة أسطول مروحياته الآنف الذكر، وقامت الشركة الآنفة بتلزيم شركة فرنسية مختصة بتنفيذ العقد، وذلك على مدى عامين 2011 – 2012 إلا أنّ عملية التنفيذ لم تبلغ نهايتها الكاملة. واليوم يكرّر لبنان مرة أخرى بمناسبة الهبة السعودية إعادة إحياء مطلبه بتأهيل أسطوله المروحي مفضلاً ذلك على منحه مروحيات مستعملة.
اما في ما يتعلق بصواريخ هوت ذات الجيل الأول والتي تخزّن فرنسا منها أكثر من 6 آلاف صاروخ، وكفت عن استخدامها لصالح هوت ـ الجيل الثالث، فيخشى خبراء عسكريون أن تلجأ فرنسا الى الحدّ من مداها، وذلك مراعاة لـ»إسرائيل». ويعتقد هؤلاء الخبراء أنّ هذا الأمر سوف يحصل حتماً نتيجة للفيتو الأميركي على تسليم لبنان اي سلاح قد يؤدي الى واحدة من الحالتين التالتين:
1ـ وصوله لأيدي مجموعات لبنانية وغير لبنانية يعتبرها الكونغرس الأميركي إرهابية.
2 ـ أن يخلّ هذا السلاح بالتوازن العسكري في غير مصلحة «إسرائيل».
ويتّجه هؤلاء الخبراء الى اعتبار ان الفكرة الأفضل او حتى المفضلة لدى بيروت هي تزويد لبنان بصواريخ مضادة للدبابات ومحمولة على طائرات الهيلوكبتر من مصادر غير فرنسية، إلا انّ مروحيات غازيل لا يمكن تجهيزها إلا بهذه الصواريخ الفرنسية الصنع المنتمية للجيل الأول والثاني والثالث مع العلم انّ عملية تحديث مروحيات الغازيل الموجودة لدى لبنان لتصبح مؤهلة لاستعمال هذه الصواريخ ونظم إطلاقها، هي عملية مكلفة وطويلة.
وهنالك أيضاً ـ ودائماً الكلام للمصادر عينها ـ عدم وضوح في ما يتعلق بزوارق الدورية من طراز أدروات التي تضمّنها العرض الفرنسي للبنان عبر شركة أوداس. والمأخذ هنا ينشأ من انّ البحرية اللبنانية لا ترى حاجة لها بالزوارق الأربعة المعروضة ضمن لائحة أوداس على لبنان، والأفضل لها الحصول على طرازات اخرى من زوارق الدورية، لا سيما أن زوارق «ادروات» التي تبنيها شركة دي سي ان اس الفرنسية في المصانع البحرية في مدينة لوريان غرب فرنسا، لم تقم باريس بتصدير اي منها للخارج حتى اليوم. واكثر من ذلك فإن الزورق الوحيد من هذه الفئة الموجود في الخدمة الفعلية حتى هذا الوقت، هو ذاك الذي إعارته دي سي ان اس للبحرية الفرنسية ويبحر حالياً في دوريات في المحيط الهندي وخليج غينيا .
وتختم المصادر عينها نقلاً عن خبراء في عالم الصناعات الدفاعية انه يبدو مفهوماً ميل لبنان للحصول على بعض المعدات التي لم يشتمل عليها العرض الفرنسي ان لجهة حصول الجيش على الدبابات، وذلك بعدما تبيّن انّ دبابات لوكليرك لا تتناسب أسعارها وكلفة صيانتها مع الحاجات اللبنانية. كما يرغب لبنان بالحصول على معدات أخرى، خصوصاً في مجال الاتصالات والتجهيزات التي تسمح بالاعتراض والتجسّس على الانترنت وهي تجهيزات ذات فائدة لمديرية المخابرات في مجال مكافحة الإرهاب، وتسدّ عجز موجود لديها الآن على هذا الصعيد مقارنة بفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي.
شركة « أوداس»
وتوضح المعلومات انّ مكتب التصدير العسكري الفرنسي ـ اي «شركة أوداس» ـ الذي سيتولى عملية تنسيق وتسليم الأسلحة الفرنسية للجيش اللبناني المموّلة سعودياً، تساهم فيه كبريات الشركات في قطاع الصناعة العسكرية الفرنسية. وابرز المساهمين، الى جانب الدولة الفرنسية، شركة EA D S للتسليح وشركة داسو وتقع مكاتبها في سان كلود قرب باريس، وهي لديها مكتب تمثيلي دائم في كل من جدة والرياض.
وبحسب المصادر نفسها، فإنّ شركة «أوداس» كانت وقّعت في شهر آب الماضي عقداً بقيمة مليار دولار مع السعودية لتحديث «أسطولها العسكري الغربي». والعقد عبارة عن أعمال صيانة لـ4 فرقاطات وسفينة دعم أستلمتها المملكة في أواسط الثمانينات ضمن البرنامج السعودي «صواري» للتسلح العسكري. ولا تزال الشركة هي المخوّلة بإدارة مفاوضات مع السعودية لتزويد منظومة دفاعها الجوي بصواريخ كروتال بقيمة تتراوح ما بين 3و4 مليارات دولار.
وبحسب معلومات مستقاة من مصادر مطلعة على مجال عقود الصناعة العسكرية الفرنسية، فإنّ العقد الأخير الذي أبرمته شركة «أوداس» مع السعودية لتحديث أسطولها الغربي ينطوي على بعض البنود التي لا تجعل منه عقداً مربحاً، خصوصاً لجهة أنه يتضمّن بناء أحواض لتحديث السفن بكلفة تزيد عما يجنيه العقد من أرباح. وفي هذه الحالة ستكون الدولة الفرنسية معنية بتحمّل كلفة خسارة شركة أوداس. وثمة تكهّن بأنّ الهبة السعودية العسكرية للبنان، واشتراطها ان يكون مصدر شراء الأسلحة في إطارها من فرنسا حصراً، هي محاولة من الرياض لجسر هوة خسارة أوداس الناتج عن عقدها الخاص بتحديث الاسطول السعودي الغربي. وهذه الخلفية هي التي تفسّر أيضاً إصرار الرياض على ان يتمّ توقيع العقد بين دولتين وليس بين شركات خاصة، على ان تكون أوداس حصراً أيضاً منفذاً للعقد بين السعودية وفرنسا .
وتقول هذه المصادر انّ وراء اتجاه السعودية لعقد صفقات أسلحة مع فرنسا أهداف عدة، أبرزها
اولاً ـ تأتي هذه العقود العسكرية مع باريس في إطار محاولة الرياض ليس فقط تنويع مصادر التسليح بل ايضاً تنويع علاقاتها السياسية .
ثانيا ـ يبدو ان اتجاه الرياض الآنف أيقظ شركات السلاح الأميركية، فباشرت الأخيرة تكثيف اتصالاتها بالرياض. وقد أثمر ذلك عن تحريك ملفات عقود تسليحية لصالح الشركات الأميركية كانت نائمة في أدراج الدولة السعودية. وتختص هذه العقود بتحديث الاسطول السعودي الشرقي. ومقابل ذلك تقوم الشركات الفرنسية بحصد العقود الخاصة بتحديث الاسطول السعودي الغربي المنتشر في البحر الاحمر .
وجدير بالذكر، انّ الحكومة السعودية وافقت على ميزانية عقد الأسطول الشرقي عام 2010 وتبلغ قيمته 23،6 مليارات دولار. ويجري منذ ذلك الحين التفاوض على الأسعار. ويرجح ان تحصل الشركات الأميركية على هذا العقد الأخير.