ماذا عن أميركا المأزومة وجوقتها الحائرة وخططها البديلة لسورية؟

هشام الهبيشان

قبل خمسة أعوام، اختارت أميركا، بالشراكة مع الكيان الصهيوني وبدعم من بعض أدواتها الإقليمية وبعض الكيانات التي تدّعي أنها عربية، سورية لتكون المرحلة الثالثة لاستكمال مشروعها الهادف إلى ضرب سورية وإسقاط محور الممانعة في المنطقة. والواضح اليوم، وبعد مرور هذه الأعوام الخمسة العجاف على سورية، أنّ حرب أميركا التي تحكمها وتديرها اليوم الجماعات المتصهينة النافذة فيها هي حرب معقدة وبدأت ترتدّ نتائجها وتداعياتها على أميركا نفسها وعلى حلفائها.

وهنا يعلم كلّ متابع لخفايا الحرب على سورية أنّ الولايات المتحدة الأميركية كانت رأس الحربة في استهداف سورية، وقد ساهمت في شكل كبير في التحضير للمؤامرة عليها وفي دعم أعدائها وخصوصاً التنظيمات الإرهابية التي تدّعي أنها تحاربها عبر التحالف الكاذب الذي تقوده، وقد حالت حكمة القيادة السورية والعقلاء من السوريين الوطنيين الحريصين على وحدة بلادهم والواعين خطورة المؤامرة عليها، وقوة وتماسك الجيش العربي السوري، ومتانة التحالفات الإقليمية والدولية لسورية الدولة مع روسيا وإيران وقوى المقاومة، من دون تحقيق القوى المعادية أهدافها وأجنداتها التقسيمية الهادفة إلى إغراق كلّ الجغرافيا السورية في الفوضى والصراعات.

استطاعت سورية خلال هذه المرحلة وبعد مرور خمسة أعوام على الحرب الكونية ضدّها، أن تستوعب الضربة الأولى من أميركا وحلفائها، وهي الأكثر صعوبة خلال هذه الحرب المفروضة عليها، وهي ضربة متعدّدة الوجوه والأشكال والفصول وذات أوجه وأهداف «عسكرية» غير مباشرة واقتصادية واجتماعية وثقافية، ومع انكسار معظم هذه الأنماط من الحرب على أبواب الصخرة الدمشقية الصامدة، أجبر الصمود السوري بعض الشركاء في الحرب على سورية على الاستدارة في شكل كبير في مواقفهم، فهم اليوم مأزومون ويتخبّطون والدليل على ذلك حديثهم عن الخطط البديلة لسورية، وهذا دليل على إفلاس محور واشنطن وعجزه عن تحقيق أهدافه في سورية.

اليوم… وبعد الإنجازات المميّزة للجيش العربي السوري والمدعومة والمسنودة من حلفاء سورية، بدأت معظم القوى الدولية التي شاركت في الحرب على الدولة السورية تدرك أنّ جميع حصون وقلاع «المجاميع الإرهابية المسلحة» من الشمال إلى الجنوب السوري، تشارف على الانهيار، حتى أنّ بعضها قد انهار فعلاً، وأنّ نسبة كبيرة من الشعب السوري باتت تبتعد كلياً عن أجندة المؤامرة القذرة التي تستهدف سورية، بعد أن أدركت أنها كانت ضحية لمؤامرة قذرة تستهدف سورية كلّ سورية، بشعبها ومقوّماتها وهويتها وتاريخها وحضارتها.

وفي هذه المرحلة لا يمكن إنكار حقيقة أنّ حرب أميركا وجوقتها على سورية ما زالت مستمرة، ولكن مع كلّ ساعة تمضي من عمر هذه الحرب تخسر أميركا ومعها حلفاؤها أكثر مما تخسر سورية، ويدرك الأميركيون هذه الحقيقة ويعرفون أنّ هزيمتهم ستكون لها مجموعة تداعيات، فأميركا اليوم مجبرة على الاستمرار في حربها على سورية إلى أمد معيّن، ولكن لن يطول هذا الأمد، وهي اليوم تقف أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحرب العسكرية المباشرة في سورية، أو الاستدارة في شكل كامل نحو التفاوض العلني مع الدولة السورية، وفي كلا الخيارين أميركا خاسرة، وهذا ما يؤكد أنّ الصمود السوري على مدى خمسة أعوام قد وضع أميركا في أزمة حقيقية وحالة غير مسبوقة من الإرباك في سياستها الخارجية، وهي أزمة ستكون لها تداعيات مستقبلية ستطيح بكلّ المشاريع الصهيو- أميركية الساعية إلى تجزئة المنطقة ليقام على أنقاضها مشروع دولة «إسرائيل اليهودية» التي تتحكم وتدير مجموعة من الكانتونات الطائفية والعرقية والدينية التي ستحيط بها، حسب المشروع الأميركي.

ختاماً، من الواضح أنّ أميركا ومعها جوقتها الغربية والإقليمية وبعض الكيانات العربية بدأت تستشعر، أنّ تسارع الأحداث وكشف خيوط المؤامرة ودراماتيكية التطورات الميدانية، وتعدّد جبهات القتال على الأرض والانتصارات المتلاحقة للجيش العربي السوري وما يصاحبها من هزائم وانكسارات وتهاو في بعض قلاع المسلحين الإرهابيين العابرين للقارات حسب التصنيف الدولي، و«المعارضين» حسب التصنيف الأميركي، سيجبر الكثير من القوى الشريكة في الحرب على سورية على تغيير موقفها من هذه الحرب، والاستدارة نحو التفاوض مع الدولة العربية السورية، وهذا ما لا تريده واشنطن ولا جوقتها، فانتصار سورية الدولة يعني أنّ هناك ضربة قاسمة تعرّض لها المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، وهذه الضربة تعني بشكل أو بآخر تعجيل زوال الكيان الصهيوني من المنطقة ومعه بعض الكيانات العربية، ومن هنا بدأ واضحاً حجم التخبّط والأزمة والهستيريا وحالة اللاوعي التي تعيشها واشنطن وجوقتها نتيجة وضوح مؤشرات انتصار سورية الدولة على هذه الحرب المفروضة على الدولة العربية السورية.

والأكثر وضوحاً اليوم أنّ صمود سورية هو الضربة الأولى لإسقاط هذا المشروع الذي يستهدف المنطقة كلها، وحسب كلّ المؤشرات والمعطيات التي أمامنا ليس أمام الأميركيين وجوقتهم اليوم سوى الإقرار بحقيقة الأمر الواقع، وهي فشل وهزيمة حربهم على سورية والاستعداد لتحمّل التداعيات.

كاتب وناشط سياسي الأردن

hesham.habeshan yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى