تموز 2014 = مسار النصر في 2006
كتب المحرر السياسي
ماذا يمكن أن يتوقع الجيش الإسرائيلي للاعتراف بالمأزق أكثر من فشل الردع الصاروخي المسمّى بالقبة الحديدية واختراقها بنسبة 90 في المئة على مدى أكثر من عشرة أيام، ونزول الصواريخ على مساحة جغرافيا الاحتلال؟ وفشل لواء جولاني الذي يُعتبر نخبة النخبة في الجيش الإسرائيلي بتحقيق أيّ خرق عسكري حقيقي في غزة على رغم مرور ثلاثة أيام على الإعلان عن بدء عملية برية واسعة النطاق، وصولاً إلى سقوط خمسة من كبار ضباطه بمن فيهم قائده في كمين متقدم للمقاومة خلف خطوط انتشار جيش الاحتلال، وتشتت قوات اللواء وتدمير عشرة دبابات له في يوم واحد وإصابة وقتل ستين جندياً وضابطاً في عمليات يوم أمس، وختام النهار أسر جندي إسرائيلي ليصير كابوس العملية، ليكون الإنجاز الوحيد الذي حققه «الجيش الذي لا يُقهر» هو صبّ حمم النار على حيّ الشجاعية ليحصد أكثر من مئة شهيد بينهم ثلاثون طفلاً.
فشلت الحرب الإسرائيلية ولا وجود لاستراتيجية خروج كما بدأ التداول على المواقع الإسرائيلية، وبدأ الحديث عن الفشل الاستخباري والفشل العسكري والفشل السياسي، فوقوع الأسير بيد المقاومة هو بداية مسار مؤلم لإسرائيل لن ينتهي بأقلّ من تفاوض طويل سيرسم الفرحة على وجوه أسر ثلاثة آلاف أسير كانت «إسرائيل» ترفض أي بحث بمصيرهم.
مسار نصر شبيه بنصر تموز 2006 الذي خطته المقاومة اللبنانية يرتسم في حرب تموز 2014، فالحرب التدميرية لم تمنع بلوغ الصواريخ العمق «الإسرائيلي»، والتوغل البري يلاقي الفشل الذريع ومجازر الدبابات والقتلى والجرحى والأسر والعويل في جنود الجيش وضباطه، فيكون الردّ بالمجازر بحق المدنيين أطفالاً ونساء، هو المشهد المتكرّر نحو النصر.
التشتت السياسي الإقليمي والتواطؤ الدولي حول الحرب في غزة قد لا يشبهان الحروب السابقة على غزة لكنهما يشبهان المشهد الذي رافق حرب تموز 2006، ومن ضمنه أنّ هناك من كان يحرّض الإسرائيلي بين الحكام العرب على مواصلة الحرب لسحق المقاومة.
ماذا بعد؟
سيواصل الإسرائيلي حربه الوحشية أملاً بمخرج لا يملك هو صورة وافية عن كيفية ولادته، وسيستنزف المزيد من قدراته بلا جدوى، وينزف دماء الكثير من المدنيين، لكنه سيجد نفسه على خلفية ما جرى حتى الآن في صورة تشبه ما حصل عام 2006 على الجبهة اللبنانية، بعد المكابرة والإنكار ارتضاء الدخول بوقف للنار لا يحقق أياً من الأهداف المرسومة، بل ينتهي بفك الحصار وبدء التفاوض حول الأسرى.
الفشل السياسي الأكبر تمثل في تفاعل الشارعين الأميركي والأوروبي مع جراحات الشعب الفلسطيني ليحلّ بديلاً من الشعب العربي الغائب الأكبر عن المشهد، بينما بيروت تستعيض اليوم عن غياب شارعها المنقسم بتوحّد شاشاتها لمواكبة داعمة لغزة، فيما الهمّ اللبناني على رغم المشاكل الكثيرة لا يزال الأمن ثم الأمن.
وفيما عاشت جرود السلسلة الشرقية ليلة هادئة نسبياً بعدما دخلت العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش السوري وحزب الله في العمق مع تعزيز الجبهة بالعدة والعتاد، وأضحت المعارك في محيط الزبداني وتحديداً في طريق طلعة العين، نامت طرابلس على توتر أمني عقب مقتل المنذر الحسن المتهم بقضية انتحاريّيْ فندق «دو روي»، وتوقيف الشيخ السلفي حسام الصباغ ومرافقه محمد اسماعيل عند حاجز للجيش في أبي سمرا.
وكان فرع المعلومات تمكن من قتل الإرهابي الحسن، العقل المدبّر والمجهّز الأساسي لانتحاريّيْ فندق «دو روي» في الروشة بالأحزمة الناسفة، بعد محاصرة مجمع «سيتي كومبلكس» من قبل عناصره الذين كانوا يرتدون لباساً مدنياً وبعضهم كان يستقلّ عربات لبيع الخضار والكعك لتتقدم بعد ذلك عناصر الحماية وتحاصر المكان، حيث وقعت اشتباكات عنيفة استمرت لساعتين استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية.
وكانت القوى الأمنية رصدت منذ أسبوعين حركة مشبوهة في شقة في «City Complex» واشتبهت بأن يكون المنذر الحسن موجوداً فيها.
الصباغ لديه ملف طويل مع المحكمة العسكرية
تزامن ذلك، مع توقيف حاجز تابع للجيش اللبناني في محلة طلعة المنار، المدعو حسام عبدالله الصباغ، المطلوب بعدة مذكرات توقيف لقيامه بأعمال إرهابية، وبرفقته المدعو محمد علي اسماعيل اسماعيل، وسلّم الموقوفان إلى المراجع المختصة وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص.
وأكدت مصادر أمنية لـ«البناء» أنّ الصباغ هو أحد قادة المحاور والأقوى على الأرض ومطلوب للقضاء ولديه ملف طويل في المحكمة العسكرية. وتوقعت المصادر أن لا تتأثر الساحة الطرابلسية جراء ذلك، فالاعتراض والتظاهرات سيكون ضمن سقف محدّد وفي إطار تسجيل الموقف لا أكثر.
وأعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أنه نتيجة مداهمة شقة الإرهابي الحسن، أصيب أربعة عناصر من فرع المعلومات بجروح طفيفة.
العمل الأمني المتدرّج
وشدّدت المصادر على أنّ الخطة الموضوعة لطرابلس تقوم على العمل الأمني المتدرّج والمستمرّ من دون أن يكون هناك استعجال وتسرّع يؤدي إلى نتائج عكسية. وأشارت المصادر إلى أنّ القوى الأمنية لن تنفذ مهمات مكثفة وفي الوقت عينه لن توقف العمليات.
وفيما أشادت مصادر طرابلسية لـ«البناء» بجهود القوى الأمنية، اعتبرت أنه يسجل لها إدارتها للملف الأمني في طرابلس من خلال منع الآثار السلبية للتنفيذ، فهي لم تداهم مكان إقامة الصباغ خوفاً من ردود الفعل، حيث تم توقيفه أثناء مروره على حاجز للجيش.
وحاولت بعض الهيئات المتطرّفة توتير الوضع في المدينة، حيث عمد البعض إلى التصعيد في الشارع عبر قطع الطرقات وإثارة النعرات الطائفية عبر المساجد. كما عُقد اجتماع لـ«هيئة العلماء المسلمين» في مكتب سالم الرافعي جرى التداول خلاله بتوقيف الصبّاغ وحاول المجتمعون التوجّه نحو تصعيد الوضع في المدينة عبر التهديد بقطع الطرقات، فأُبلغوا أنه من غير المسموح العودة إلى توتير الأجواء وعودة التسيّب الأمني. بينما انتشرت وحدات الجيش بكثافة وسيّرت دوريات في كل أنحاء المدينة، كما طوّق المستشفى الإسلامي، حيث جرى نقل عدد من المسلّحين الذين أصيبوا في الاعتداء عليه.
وكانت شهدت طرابلس ليل أول من أمس أيضاً أخطر تصعيد أمني منذ انتهاء حروب المدينة، حيث انطلقت شرارة التصعيد من مخيم نهر البارد عندما قطع عدد من الأشخاص المعروفي الانتماء الطرقات، احتجاجاً على ما سمّوه الأحكام الصادرة بحق عدد من المتهمين في أحداث نهر البارد، وما لبث أن تطور الأمر إلى مواجهة مع الجيش، إذ عمد المحتجون على رشق الجيش بالحجارة والزجاجات الحارقة، وقام بعدها الجيش بفتح الطرقات ومنع التجمعات.
«المستقبل»: مخابرات الجيش تتصرّف بطريقة مشبوهة
في المقابل، أكد مصدر شمالي في تيار المستقبل لـ« البناء» أنّ هناك من يتلاعب بالشارع تحت عناوين عدة، واعتبرت أنّ «جهاز المخابرات في الجيش يتصرف بطريقة مشبوهة لتوريط طرابلس أكثر فأكثر بأمور لا تحمد عقباها». واعتبر المصدر أنّ «الصباغ كان عامل تهدئة لا عامل تفجير، وكان يعمل على ضبط الوضع في طرابلس أثناء الأحداث الأخيرة ويمنع التصعيد». وإذ شدّد المصدر على أنه «لم يعد هناك من قائد للجيش بل أمين عام له»، في إشارة إلى أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ، أشار إلى أنّ «البعض انطلق من خطاب الرئيس سعد الدين الحريري ليقول إنّ هناك رفع غطاء عن بعض الأشخاص في طرابلس، ليقوم بتوقيفات استفزازية من أجل توريط الساحة الشمالية».
إجراءات أمنية بقاعاً
وفي الشأن الأمني أيضاً، اتخذت عناصر الجيش اللبناني في الساعات الماضية مزيداً من التعزيزات على الحدود اللبنانية ـ السورية في منطقة البقاع الشمالي تحسّباً لأي محاولات تسلّل قد تقوم بها عناصر إرهابية، أو الهروب من المعارك الدائرة في جرود السلسلة الشرقية وجرود عرسال. وقالت مصادر أمنية لـ«البناء» إنّ هذه الإجراءات جاءت استكمالاً للخطوات التي اتخذت لمواجهة أي محاولات قد تسعى إليها المجموعات الإرهابية للاعتداء على الأهالي في بعض قرى البقاع الشمالي، وأيضاً المعلومات عن تخطيط الجماعات الإرهابية لخطف عناصر من الأجهزة الأمنية لمبادلتها بالموقوفين في سجن رومية، وهو الأمر الذي كانت أشارت إليه «البناء» قبل أربعة أيام.
سلام: لتجاوز ما حصل
ودعت هيئة العلماء المسلمين إلى الإفراج عن الشيخ الصباغ الذي لم يكن إ عامل تهدئة في طرابلس بعد الخطة الأمنية وعن كلّ المعتقلين فوراً. وشدّد رئيس الحكومة تمام سلام على وجوب تضافر جهود الجميع في تجاوز ما حصل في طرابلس في الساعات الماضية، وضرورة العمل على تثبيت الهدوء .
البحث في ملف الجامعة رهن التوافق السياسي
ويعقد مجلس الوزراء جلسة قبل ظهر الخميس المقبل لاستكمال البحث في بنود جدول أعمال الجلسة السابقة الذي أقرّت منه سبعة بنود. وأشارت مصادر وزارية مقربة من رئيس الحكومة تمام سلام لـ«البناء إلى أن البحث في ملف عمداء الجامعة وتثبيت الأساتذة المتفرّغين رهن الاتصالات بين القوى السياسية، ففي حال توصلت هذه القوى إلى اتفاق سيستكمل النقاش بهذا الملف تمهيداً لإقراره، وإذا لم يتمّ التوصل إلى حلّ فالمجلس لن يقف مكتوف اليدين، بل سيستكمل البحث في البنود الأخرى الموضوعة على جدول الأعمال. وأكدت المصادر أنّ الاتصالات متوقفة عند عميد كلية الطب، فعلى رغم كلّ الاقتراحات والمفاوضات فإنّ العقدة لم تحلّ، وأي تقدم لم يسجل.
الاشتراكي: بو صعب يعتمد التوزيع السياسي
وشددت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«البناء» على أنّ الاجتماع الأخير الذي عقد بين الوزير أكرم شهيب والمكلف من الحزب التقدمي متابعة ملف الجامعة اللبنانية وليد صافي مع وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب تمّ التوصل في خلاله إلى اتفاق حول ملف التفرّغ في الجامعة، إلا أنّ الخلاف لا يزال حول اسم عميد كلية الطب الدكتور بيار يارد. وأشارت المصادر إلى «أنّ الدكتور يارد طبيب ناجح وصاحب كفاءة ويتمتع بمناقبية عالية، باعتراف وزير التربية الذي يعتمد معيار التوزيع السياسي في تسمية العمداء، وهذا ما لن نقبل به»، مشيرة إلى أنها تتفهّم أن يتمثل الجميع وفق التوزيع الطائفي في لبنان، إلا أنّ هذا التمثيل يجب أن يكون خاضعاً لمعيار الكفاءة.
درباس يلتقي كيلي غداً
وأشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» إلى أنه سيلتقي رئيسة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان نينيت كيلي غداً الثلاثاء للبحث في ملف النازحين السوريين، على أن يضع حصيلة هذا الاجتماع أمام مجلس الوزراء يوم الخميس المقبل. وإذ لفت إلى أن قضية النازحين السوريين معقدة، أكد درباس أهمية إقامة المخيمات عند المناطق الفاصلة بين لبنان وسورية.
لقاء بين خليل والجراح ويوسف اليوم
في غضون ذلك، تتكثف الاتصالات السياسية لإيجاد حل لمسألة صرف رواتب موظفي القطاع العام وسلسلة الرتب والرواتب وعقد جلسة تشريعية للبت في القضايا المطلبية. وعلمت البناء أن لقاء سيعقد اليوم بين وزير المال علي حسن خليل والنائبين عن تيار المستقبل غازي يوسف وجمال الجراح، لاستكمال البحث في الأمور المالية العالقة والتركيز على الأرقام في شكل مباشر.
وإذ أكدت مصادر نيابية أن اللقاءات بين خليل والسيد نادر الحريري والوزير وائل أبو فاعور لن تتوقف، أكدت أن الاجتماعات السابقة بين الثلاثة مهدت للقاء اليوم، فهي كانت ضرورية لترطيب الأجواء سياسياً إلا أنها لم تدخل في التفاصيل الدقيقة للنفقات والواردات.
الخلاف على حاله في ملف السلسلة
وأكدت مصادر مطلعة في جبهة النضال الوطني لـ«البناء» أن اللجنة التي شكلها النائب وليد جنبلاط من الوزير وائل أبو فاعور والمرشح الرئاسي هنري حلو وأمين السر العام في الحزب اللتقدمي الاشتراكي ظافر ناصر عقدت ثلاثة اجتماعات للبحث والتدقيق في أرقام سلسلة الرتب والرواتب وتواصلت مع الرئيس فؤاد السنيورة ووزير المال، مشيرة إلى أن اللجنة ستستكمل الأسبوع المقبل دراسة الأرقام. ولفتت المصادر إلى أن الخلاف لا يزال على TVA وزيادة التعرفة على الكهرباء، وبعض الارقام في الإيرادات التي لم يتفق عليها، مشيراً إلى أن الجميع متفق على أن بعض الضرائب تُدخل إيرادات إلا أن وجهات النظر مختلفة حول النسب الأمر الذي يتطلب المزيد من الدرس.
موقف لـ«التغيير والإصلاح» غداً
رئاسياً، أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنه كان يتمنى لو بقي رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان رئيساً للجمهورية حتى انتخاب رئيس جديد لكن محبي الفراغ رفضوا هذا الاقتراح، آملاً بأن يتحرر نواب الأمة وينتخبوا رئيساً للجمهورية.
وأعربت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» عن استيائها من كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أمس في عيد مار شربل، مشيرة إلى أنّ لبنان كان في حالة فراغ في عهد سليمان أسوأ من الحالة التي نعيشها. وإذ أشارت إلى أنّ موقفاً سيصدر عن تكتل التغيير والإصلاح غداً بعد الاجتماع الأسبوعي برئاسة العماد ميشال عون من كلمة الرئيس سعد الحريري، رأت مصادر أنّ كلام البطريرك الراعي كان أسوأ من كلام الحريري، داعية إلى احترام إرادة المسيحيين من خلال انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب.