الجيش بين واشنطن وطهران…
هتاف دهام
لا يعمل الإيراني على ردّ الفعل، ولا يشتغل على المناكفة مع الآخر، إنما في إطار استراتيجية طويلة المدى، فأيّ خطوة يتخذها يجب أن تكون منسجمة مع السياسة التي يعتمدها تجاه البلد المعني. لا شك في أنّ الخطوة السعودية ضدّ لبنان تحفّز طهران على تزخيم عرضها الهادف إلى تسليح الجيش اللبناني الذي لا يزال قائماً، وهي أعلنت أنها ستقدّم المساعدات العسكرية للبنان في حالة تسلّمها طلباً رسمياً منه، وأنها جاهزة لنقلها إلى لبنان في اليوم الثاني، علماً أنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، قبل زيارة الرئيس السابق ميشال سليمان الشهيرة في ثلث عهده الأوّل دعا لبنان والجيش إلى التوجّه نحو إيران، ورأى في قبول الهبة مصلحة للبنان، وقام سليمان بجولة على المصانع الضخمة إبان زيارته، لكن لم يكن هناك قرار سياسي في حينه بالقبول لأسباب ومبرّرات وذرائع متعدّدة، أما الآن وقد سقطت حجة العقوبات فكيف ستتصرّف الأكثرية النيابية إزاء تفعيل هذا المعطى في ظلّ الهجمة السعودية على الجمهورية الإسلامية، لا سيما انّ الكرة ليست عند الإيرانيين إنما عند الأفرقاء المحليين، فالمسألة لها علاقة بقدرتهم على تحديد حاجات المؤسسة العسكرية والاستفادة من أيّ مساعدة من ايّ جهة أتت خارج اطار التجاذبات السياسية، وطبعاً باستثناء «إسرائيل»؟
يبحث تيار المستقبل عن مبرّرات جديدة ضمن الخلاف الحالي بين الرياض وطهران، وهجوم المملكة المتصاعد على حزب الله لقطع الطريق على أيّ محاولة إيرانية، سواء لدعم الجيش تسليحياً أو دعم قطاعَي المياه والكهرباء، خاصة أنّ هذا الفريق يملك أدوات تنفيذية أساسية تتمثل بسيطرته على مجلس الوزراء، وبوصاية الرئيس سليمان على وزارة الدفاع عبر الوزير سمير مقبل الذي أكد خلال زيارته معامل السلاح في طهران أنّ الهبة العسكرية الإيرانية غير مرهونة لبدل ومجانية بالكامل، حتى لو كان كلامه بهدف تحريض السعودية على الإسراع في «مكرمتها» المشروطة من الأصل بإيقاع الفتنة بين الجيش والمقاومة بعدما وضعتها على لائحة الإرهاب.
لا يمكن لمجلس الوزراء قبول هذا الدعم رغم ترحيب وزراء كتل حزب الله والتنمية والتحرير والتغيير والإصلاح مجتمعة وكذلك حزب الكتائب بالدعم الإيراني للجيش، طالما أنّ تيار المستقبل يمارس ضدّه حق الفيتو، فهو يكثر من الحديث عن محاربة الإرهاب، الذي ليس سوى غبّ الطلب يستخدمه لأجل صرف وجهة نظره صعوداً أو هبوطاً، فهو غير مؤمن بأنّ مواجهة الجماعات المسلحة التكفيرية تحتاج إلى سلاح والى رؤية والى تنسيق والى عدم تأمين غطاء سياسي للعدو الإرهابي، وكذلك قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي اختار التزام الحياد بعدما خيّر بين قبول الهبة الإيرانية أو خسارة برنامج المساعدات العسكرية الأميركية.
أما حقيقة الموقف الأميركي على ضوء سقوط العقوبات، فالمستثمر الأول في الجيش تسليحياً ومادياً وسياسياً واستراتيجياً هي الولايات المتحدة الأميركية التي تنظر إلى هذه المؤسسة كأنها قدس من الأقداس المتبقية، وبالتالي ليس من السهل عليها أن تقبل بتسليح إيراني وازن للجيش يصل إلى حدّ الاستثمار فيه ولذلك يفضّل غضّ النظر عن الثنائية غير المنظورة بين المقاومة والجيش على أن يقبل ببعد تسليحي مباشر له. فواشنطن لم تنظر إلى السلاح الفرنسي في هبة المليارات الثلاثة بارتياح، ليس فقط بسبب هذه المليارات التي لم تذهب إليها، بل لأنّ تسليح الجيش بالمطلق هو من الولايات المتحدة ولا تريد أن يعطى هذا الامتياز لأحد حتى ولو كان فرنسياً، في حين أنها تدعم وبقوة هذه الخطوة ضمن البرنامج الذي اتفق قائد الجيش مع الأميركيين عليه حتى منتصف عام 2017، بغضّ النظر عن آليات التمويل التي ستظهر تباعاً.
وإذ يتحدّث مصدر وزاري لـ«البناء» عن اتصالات أميركية مع السعودية وأخرى محلية مع الرياض لإعادة النظر في قرارها، وانّ هبة المليار ستسلك طريقها بعد فترة ليست قريبة، وستتسلّم القيادة العسكرية الطائرات المخصّصة ضمن هذه الهبة، لكن مصدراً نيابياً شارك ضمن الوفد اللبناني في لقاءات واشنطن الأسبوع الماضي أكد لـ«البناء» أنّ «المملكة لم تنسّق مع واشنطن في قرارها، ولم تستشر المعنيين على الإطلاق»، مشدّداً على أنّ «الأميركيين أخذوا على عاتقهم تمويل ما تبقى من صفقة الطائرات الحربية من نوع سوبر توكانو، وقرّروا تمويل هذه الصفقة من المساعدات الأميركية للبنان ولن ينتظروا تمويلاً سعودياً».