زفاف حضور الحريري… 72 نائباً
هتاف دهام
ومرّ الشيخ سعد الحريري أمس، في ساحة النجمة بموكبه المؤلف من تسع سيارات مرسيدس مصفحة وثلاث جيبات سوداء اللون، لا يضاهيه أحد عليه من رؤساء جمهورية سابقين أو رؤساء حكومات حاليين وسابقين. صعد درج المجلس النيابي محاطاً بمستشاره الإعلامي هاني حمود. دخلloby المجلس ملقياً التحية من بعيد على الصحافيين متوجهاً إلى مكتب رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي كان أول الواصلين، حيث عُقد لقاء تشاوري انضمّ إليه رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، إلى حين دق الجرس إيذاناً باقتراب موعد الجلسة، فدخل مَن كان في الخارج من النواب الذين كان هادي حبيش آخر الواصلين منهم.
لم يجد الحريري بعد غياب خمس سنوات أيّ تغيير في القاعة العامة أو في وجوه زملائه النواب، رغم إجراء الكثيرين منهم عمليات الشدّ والتجميل، فهؤلاء كانوا يطيرون إليه في السعودية أو باريس، لكن قبة البرلمان هي التي شهدت جديداً، باحتضانها عدداً أكبر وصل إلى 72 نائباً بعدما كان العدد لا يتعدّى الـ 57 كحدّ أقصى في الجلسات السابقة، ورغم ذلك لم تتبدّل الأمور تبديلاً، النصاب القانوني لم يكتمل، كلّ ما في الأمر أنّ الشيخ سعد أراد أن يثبت الفعالية والحيوية التي أفضى إليها حضوره، حيث كانت هناك إرادة جرى العمل عليها من فترة لملاقاة حفل زفاف حضوره إلى البرلمان بهدية أقلها النصف + 1 بالرمزية وأكثرها حضور 72 نائباً، علماً أنّ هناك سعياً آخر لكنه فشل، إذ كان يُراد له أن يشكّل إضافة نوعية على هذه الحيوية، وهو السعي إلى حضور رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، وهذا الأمر جرى العمل عليه، وتمّت مفاتحة فرنجية به في اللقاء الباريسي الثاني، لكن حسابات بيك بنشعي التي تفاعلت مع الحريري أوصلت في النهاية إلى نتيجة حاسمة أنه لا يستطيع أن ينزل إلى جلسة بمعزل عن حزب الله، فخطوة كهذه تفرغ مضمون فرنجية الرئاسي من أحد أقوى معانيه وحلفه الاستراتيجي مع المقاومة.
لم يترك الحريري حليفه الوسطي بيك المختارة إلا نادراً، كان يتنقل بين نواب الحزب الاشتراكي واللقاء الديمقراطي، ليأخذه الحديث مع النائب مروان حمادة مطولاً، أما الرئيس فؤاد السنيورة الواصل بعد عشر دقائق من قدوم رئيس تياره، فسلام رفع العتب بينهما كان واضحاً، فرئيس الكتلة يقف في صفّ وزير العدل أشرف ريفي، المستقيل من الحكومة التي نزل رئيسها من عليائه في القاعة إلى مقاعد النواب ليلقي التحية على أصحاب السعادة ويصافح البعض منهم، بخاصة الحريري الذي سلّم عليه بحرارة وقبّله ذات اليمين وذات الشمال بعد مرور 24 ساعة على رؤيته أول أمس في السراي الحكومية. وإذا كانت النائبة نايلة التويني سكتت دهراً وغابت الأعذار عن غيابها المتكرّر عن البرلمان، فحضرت كرمى لسعد وأكثرت من الكلام معه، وربما أخبرته عن مقالتها الشهيرة «الحريري، ابق في بيروت».
أما رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي حضر مع النائبين سامر سعادة وفادي الهبر، فقرّر إغاظة زملائه النواب القواتيين، نائب رئيس حزب القوات جورج عدوان وشانت جانجنيان وإيلي كيروز وانطوان زهرا الذين لم يتغيّبوا على غرار غياب النائبة ستريدا جعجع المتعمّد، وهي التي تحضر دوماً إلى المجلس. بقي شيخ الكتائب مواكباً تحرّكات «شيخ» المستقبل، أما «العدوان» الذي لا يترك جلسة لانتخاب الرئيس إلا ويختمها بلقاء مع الرئيس السنيورة من باب المجاملات التي له فيها الباع الطويل، فكان بالأمس الحلقة الأضعف، إذ أخذت الكتائب حصة الأسد عند التيار الأزرق ولو شكلياً، فالصيفي تدرك ضمناً أنّ ثقلها المسيحي على الصعيد الشعبي تتفوّق عليه معراب في 14 آذار.
إنّ الموقف الأهمّ الذي خرجت به الجلسة بالنسبة لنواب «ثورة الأرز» أنّ الرئيس الحريري الذي بحسب ما قال: «صرلي زمان ما جيت عالمجلس»، لن يغادر بيروت قبل موعد الجلسة المقبلة. سيشارك في جلسة 23 آذار التي حدّدها الرئيس بري، وسيبقى داعماً لترشيح فرنجية، ومتمسكاً بالحوار مع حزب الله، رغم اعتباره «أنّ ما يقوم به حزب الله في سورية واليمن هو إجرامي وإرهابي»، وكأنه بشكل من الأشكال يتبنى قرار مجلس التعاون الخليجي، لكن الأهمّ أنّ بيك المختارة الذي حضر إلى الجلسة مترئساً كتلته المؤلفة من 11 نائباً انسجاماً مع خياره لكون أن له مرشحاً للرئاسة يدعى النائب هنري حلو، وانسجاماً مع موقفه المبدئي بعدم مقاطعة الجلسات، وانضباطاً مع صديقه الرئيس نبيه بري وحليفه الحريري، ولا يستطيع أن يغضب الأجندة السعودية، أكد في معرض سؤاله عن مصير الجلسة المقبلة «يبدو أن نتائج الانتخابات التي جرت في إيران لم تصل بعد عند الأستاذ عبد اللهيان ولسبب بسيط، ربما كان الأستاذ عبد اللهيان هو محور هذه الشغلة من المحافظين، ويمكن أن تكون الدورة الثانية في انتخابات إيران قد تغيّر عبد اللهيان أو يمكن ينفرج». يعلم جنبلاط في قرارة نفسه أنّ هذا الأمر لن يحصل، وهذا يعني أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور، وانّ كلّ ما يحدث لا يتعدّى المراوحة المحلية التي قد تستمرّ فيها حالة الاشتباك بين السعودية وحزب الله، وتعكس نفسها على الساحة الداخلية، إلا إذا نجحت المساعي لتحييد لبنان، وتفاعل الحريري معها بمعزل عن المملكة.
انتهت الجلسة غادر رئيس الحكومة من دون الإدلاء بأيّ تصريح. خرج عدد من الوزراء والنواب ملتزمين الصمت، أما الرئيس الحريري فذهب سيراً على الأقدام إلى مقهى ETOILE. جلس دقائق معدودة مع النواب عاطف مجدلاني، خضر حبيب، زهرا، حبيش، والكاتب في جريدة الحياة محمد شقير. «استمتع» للحظات بمشهد وسط بيروت الخالي من «الخليجيين» بعد ما كان حكراً عليهم وعلى العائلات الرأسمالية، وغادر بـ«موكبه الفخم»، من دون أن يرفّ له جفن لصحافيّي «المستقبل» الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ أشهر، فهو لن يُفرِج عن حقوقهم من أمواله الخاصة.