القرار 2268 يُعيد إنتاج «جنيف 3» فرصة أم ترحيلاً للحلّ!

سومر صالح

بسلاسة غير مألوفة وحذر سياسيّ إقليميّ غير معهود وخبو نار التصريحات المهدّدة بمقاطعة المحادثات من قبل المعارضات السورية، لا سيما المحسوبة على الرياض، يحدّد السيد ستيفان دي ميستورا موعد التاسع من آذار الحالي، كموعد شبه نهائي لانطلاق مفاوضات جنيف 3 بعد تعليق جولتها الأولى في 3/2/2016.

لا شكّ في أنّ التفاهم الأميركي ـ الروسي والمُكرَّس بثلاثة اتفاقات هامة قد تكون تاريخية في أقلّ من شهر حول الأزمة السورية، هو سبب السلاسة والحذر والخبو التي وصفّتها، فوزيرا الخارجية الأميركي والروسي حذّرا الجميع من تبعات سقوط «اتفاق الهدنة» لأنّ البديل عنه هو الحرب الضروس التي إذا عادت فإنّ نارها حكماً ستلسع الجميع وبشدة أيضاً، فلا الروس يريدونها استراحة محارب لأدوات الإرهاب ولا الأميركي مستعد لسماع خبر هزيمة أدواته ومشروعه بالمطلق في سورية.

إذاً هي سلسلة مترابطة موضوعياً ومتتالية زمنياً من الاتفاقات الروسية ـ الأميركية أعقبت إجهاض الجولة الأولى من جنيف3، تشكل بمجموعها الأساس الذي سنستند إليه محادثات جنيف 3 بجولتها الثانية، ابتداءً من إعلان ميونخ في 11 شباط الجاري، وصولاً إلى الاتفاق الروسي الأميركي لـ وقف الأعمال العدائية بتاريخ 22 شباط الجاري والذي هو موضوع تنفيذ لاتفاق ميونخ السابق في أحد مضامينه، وصولاً إلى إصدار القرار 2268 وملحقاته حول سورية والذي هو تكريس للاتفاقين السابقين بقرار أممي، إضافة إلى تقديمه مستجدات سياسية تشكل بمجملها إعادة إنتاج الأساس الذي استندت عليه محادثات جنيف عموماً، لذلك نستطيع القول يقيناً إنّ القرار 2268 بكليته والمستند إلى إعلان ميونخ من جهة، واتفاق وقف الأعمال القتالية من جهة أخرى، هو الأساس الذي يستند إليه إعلان محادثات جنيف 3، وليس القرار 2254 بكليته والمستند إلى إعلاني فيينا الأول والثاني رغم التشابه الجزئي بين مفردات الأساسين واعتبار القرار 2254 هو أساس الحلّ في نصّ القرار 2268 ، فالفوارق بين القرارين كبيرة رغم التشابه النظري بين نصّي القرارين عموماً وتحمل دلالات لها تأثيرها على شكل ومضمون المحادثات المزمع إجراؤها في 9 آذار الجاري، ونستطيع الإشارة إلى أبرزها بالآتي:

أولاً: القرار 2254 يسلم بالصلة الوثيقة بين مبادرتين أولهما وقف إطلاق النار والثانية هي إطلاق عملية سياسية موازية، بينما القرار 2268 يشير إلى قسرية بشكل أو بآخر على وقف الأعمال القتالية مع إنذار باستخدام القوة لمن يخلّ به، هذا يقودنا إلى استنتاج أنّ الفاعلين الأميركي والروسي خرجا من إطار المشرف على العملية التفاوضية إلى طرف ولو لم يشر نصّ القرار إلى ذلك صراحة، هذا الأمر له تبعاته على جوهر الاتفاق النهائي ولو تأخر إلى حين.

ثانياً: القرار 2254 كان كرّس أهمية وجدوى اجتماع الرياض المنعقد بين 9-11 /12/2015، وبالتالي كان قد كرّس التفاهم الدولي في اجتماع فيينا 2 بتاريخ 14/11/2015 بتكليف السعودية مهمّة تشكيل الوفد السوري المعارض تمثيلاً واسعاً بالتشاور مع دي ميستورا وهذا ما فشلت به بطبيعة الحال، بينما لم نلحظ هذه المهمّة في نصّ القرار 2268 الذي أوكل المهمّة إلى دي ميستورا والملتزم حصراً بالتفاهم الأميركي الروسي، هذا الأمر يقود إلى استنتاج واضح بأنّ شكل الوفد المعارض سيتغير حكماً وأنّ وجود فود من معارضة الداخل ومن القوى العلمانية والديمقراطية سيكون أساسياً وليس استشارياً أو تابعاً وغير خاضع للتجاذبات الإقليمية، ما يقود حكماً أيضاً إلى تغيير أجندات وفد المعارضة، والتي تمثلت سابقاً بأجندات الرياض وحدها.

ثالثاً: رغم تأكيد القرارين 2254 و2268 على إعلان جنيف الأول في العام 2012 كأساس لانتقال سياسيّ في سورية، إلا أننا نجد فارقاً جوهرياً مهمّاً بين حيثيات القرارين، فالقرار 2254 أشار صراحة ونصّاً إلى دعم الأطراف الدولية لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم في ستة أشهر حكماً ذات مصداقية… ، بينما أشار نصّ القرار 2268 في حيثياته في الفقرة7 منه إلى تأكيد دعمها لعملية سياسية بقيادة سورية وبتسهيل من الأمم المتحدة.. من دون الإشارة إلى شكل الاتفاق النهائي سواء حكم انتقالي 2254 أو حكومة انتقالية إعلاني فيينا أو هيئة حكم انتقالي بيان جنيف1 أو حكومة وحدة وطنية… بل ترك الأمر من دون تحديد وهذا تطور إيجابي مهم يُبنى عليه.

جملة الأمور والملاحظات الثلاث تنبئ بصعوبة المحادثات، لا سيما أننا أمام حالة تشظّ في أجندات المعارضات السورية وحالة من التناقض الحادّ في الاتجاهات السياسية الداخلية والخارجية، ومن الصعوبة بمكان أن يجتمع وفد موحَّد من المعارضات السورية تحت سقف محدّد من المطالب والتوجهات هذا إذا ما أضفنا إليه ردة الفعل الإقليمية التي لم تتضح حتى الآن وحالة التمرُّد التركي الدائم، والتي ينتابها الحذر من تفاصيل الاتفاق وشكله، ليبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام فرصة لانطلاق جاد وحقيقي لعجلة المسار السياسي للحلّ أم أنّ جلّ التفاهمات السابقة كانت بمثابة خيار الضرورة فقط لتجنب احتمالات الصدام الذي كاد أن يكون وشيكاً، بما يوحي بإمكانية ترحيل الملف إلى ما بعد الانتخابات الأميركية المقبلة.

تبقى هذه الأسئلة مشروعة ومطروحة، وهنا لا نستطيع تبني سيناريو دون آخر نظراً لغياب المعطيات الواضحة، ولكن سنقدم ملاحظات مهمّة تفيدنا بالإضاءة على مسار المفاوضات المقبلة:

الملاحظة الأولى: خلافاً للجولة الأولى من محادثات جنيف3، بدأ العمل فعلياً على تفكيكٍ مهم لألغام زرعت في مساره، فنتحدث في هذا السياق عن وقف مهم للأعمال القتالية بانتظار إحراز وقفٍ شامل لإطلاق النار، وهو ما نصّ عليه صراحة القرار 2254 ولم ينفذ حينها، وأيضاً نتحدث عن تمثيل واسع للمعارضات السورية وليس احتكاراً سعودياً لحصرية تشكيل الوفد المعارض، ولأول مرة نرى اللبنات الأولى لتصنيف الجماعات المسلحة بين معتدل وإرهابي، فلعل الالتزام التام بالقرار 2268 بكليته بما فيه وقف إطلاق النار والتوجه نحو محادثات جنيف قد يكون أساساً متفقاً عليه للتصنيف.

الملاحظة الثانية: بخلاف جنيف 2 بجولتيه والتي أعقبها تهديد جدي أطلسي ـ أميركي بغزو سورية. وجنيف 3 بجولته الأولى والتي أتت على وقع قرقعةٍ فارغة للسلاح الخليجي والتركي نرى هدوءاً إقليمياً نسبياً مهماً قد يساعد في إنجاح مناخات الحلّ في سورية.

الملاحظة الثالثة: حجم التفاهم الأميركي ـ الروسي والمكرس بثلاث اتفاقات مهمّة بأقل من شهر توحي بجدية وضع الأزمة السورية على مسار الحلّ السياسي وليس العسكري تجنباً لكارثة الصدام الذي كاد أن يحصل برعونة تركية وإسناد سعودي.

استنتاجاً لما سبق نستطيع تبنّي إجابة لتلك الأسئلة السابقة فخيار الضرورة لتجنب الصدام قاد حكماً إلى جملة التفاهمات الثلاث استكمالاً لنهج فيينا السابق، والتي جنّبت سورية ساحة الصدام بين روسيا والولايات المتحدة، أو الحرب الإقليمية بالإنابة، والوقت عينه، هي فرصة مهمّة لوضع قطار الحلّ على مساره السياسي، لكنّ الأمر مرتبط بالنوايا الأميركية والتي قد تتخذ قراراً بترحيل الملف إلى إدارة أميركية جديدة على قاعدة الصراع السياسي لا العسكري مع روسيا في شرق المتوسط، وقد تتضح الصورة أكثر مع انطلاق المحادثات ربما في 9 آذار الجاري، والتي قد تحمل في أيامها الأولى إشارات مهمّة إلى النوايا الدولية الجديدة في سياق الأزمة السورية وتفاعلاتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى