المقاومة الغزّاوية وفَرْقُ قدرة الإدارة بين المعركة الميدانيّة والمعركة السياسيّة
خالد العبّود
أمين سرّ مجلس الشعب السوري
يبدو واضحاً أنّ المقاومة الغزاوية تخوض معركة ميدانية فريدة، من خلال قدرتها على التحكم جيداً في حيثيات الميدان، ومشاغلتها الرائعة لقوات كيان الاحتلال، من خلال اثنتين رئيسيتين، الأولى تتمثل بتوزيع عناصر القوة المكتسبة التي طرأت عليها تحولات مهمّة، تتعلق بتهديد داخل كيان الاحتلال، والضغط المعنوي والمادي لتشويه عنصر الأمان التاريخي والتقليدي الذي اشتغل عليه هذا الكيان كي يوفّره داخلياً ولعشرات السنين. والثانية تبدو واضحة في المواجهة التي تحصل على أطراف غزّة، ومحاولات قوات الاحتلال النيل بريّاً من مواقع إطلاق الصورايخ الغزاوية، بعد فشل ذريع لسلاح العدو جوّاً وبرّاً وبحراً في لجم هذه الصواريخ.
واضح أنّ المقاومة كانت خبّأت جملة واسعة من المفاجآت لقوات كيان الاحتلال على عدّة مستويات، ومن خلال عدّة أشكال أيضاً، في ظلّ فشل ذريع من قبل قوات العدو للنيل من المقاومة ومن قدرتها على التأثير في مشهد المواجهة، أو الحدّ من إمكان التحكم والسيطرة على مجريات الأمور ميدانياً.
إنّ الابتكارات الهائلة التي أبدتها المقاومة، ومن جميع فصائلها، تؤكّد أنّ ثمة قدرة صاعدة ومدهشة لديها لم تكن نتيجة اللحظة، إنما جاءت نتيجة إعداد اشتغل عليه كثيراً وبشكل كبير وعلى أكثر من صعيد، بعضه معنوي وبعضه مادي جليّ، ففي حين يبدو أداء عناصر المقاومة، الفردي والجمعي، فريداً، فإنّ أداء معنوياً مدهشاً أيضاً يتداخل مع المادي، فيصبغ المشهد العام بصبغة البسالة والقدرة على التحكم في مجريات الميدان جيّداً، باعتبار أنّ ثمة نوعاً من القدرة الفائقة لدى المقاومة على الصبر والمصابرة والالتفاف والتحكم والملاحقة واستجرار العدو إلى مناطق أو عناوين ذات علاقة بطبيعة المعركة والمواجهة.
يأتينا الواقع الميداني للمقاومة بمشاهد مهمة، فهي قادرة على التحكم جيداً في مفاتيح المواجهة، وقادرة على الذهاب بعيداً في حيثياتها، كما أنّ طاقتها محسوبة على نحو سليم. ويؤكد هذا الواقع أنّ المقاومة حاضرة وقادرة على التأثير جيداً في مجريات المعركة، كما أنّها أعدّت ما هو أكثر روعة وبسالة وقدرة على الصمود والانتقال مباشرة إلى الهجوم والإصرار على الانتصار، وأعدّت ما هو كافٍ لمنع إمكان التأثير فيها معنوياً في ظلّ التغوّل والتوحّش الذي تمتهنه قوات كيان الاحتلال.
في الآن ذاته، لم نر ما يتوافق أو يتوازى مع ما تفعله المقاومة الميدانية في معركتها الشرسة، وما تقوم به قياداتها السياسية ، فتلك القيادات لم تستطع حتى اللحظة إدارة المعركة السياسية على النحو الذي يوافق إدارة المقاومة لمعركتها الميدانية ويوازيها، إذ يبدو واضحاً أنّ ثمة مسافة كبيرة بين قدرة قيادات المقاومة الميدانية، وقدرات القيادات السياسية، في التعامل اللحظي مع الانتقال من عنوان إلى آخر، أو حتى في صرف الحوادث الصاعدة لهذه اللحظة وتسويقها.
لم تستطع القيادات السياسية للمقاومة أن تتلقّف الصمود والبسالة والتقدم الذي تحققه المقاومة الميدانية، أو حتى الضياع والهزيمة المعنوية والمادية التي تنال من كيان الاحتلال في أكثر من مستوى وصعيد، فبقيت هذه القيادات تدور في فلك التردّد والانقسام والتشرذم بين عناوين ذات علاقة بخرائط أنساق واصطفافات إقليمية.
فيما تتقدم عناصر المقاومة الميدانية وتحقق انتصارات مهمة، على مستوى استباحة الداخل لكيان الاحتلال بكامل رؤوسه، ولجم قوات كيان الاحتلال عن التقدم بريّاً في اتجاه الداخل الغزاوي، وإنجازات مهمة جدّاً تتعلق بعناوين فرعية لها مدلولاتها المدهشة في طبيعة المواجهة، تبدو القيادات السياسية في حالة ضياع أو انفصال عنها، وهي تائهة ضائعة في إيجاد معادلة خاصة بإدارة المعركة السياسية، إذ ما زالت تابعة، أو عالقة، أو ملحقة، بعناوين ليس لها علاقة بالمستوى الذي أوجدته نتائج المعركة الميداينة، ويبدو جليّاً أنّ هناك فعل كبح واضحاً في إمكان التفرّد بإنجازات المقاومة، أو حتى استغلالها، والبناء عليها، والانتقال إلى مكان سياسي جديد.
إنّ عنصر الارتقاء والبناء على ما حققته المقاومة يكاد يكون معدوماً، ففي كلّ خطوة جديدة تحققها المقاومة الميدانية، نرى أنّ قياداتها السياسية تظل واقفة في مكانها الأول، بلا إمكان حقيقي للتقدم أو الارتقاء صعوداً في اتجاه منصة ما تحقق، حتى بدا أنّ ثمة فَرْق قدرة واضحاً جداً تتميّز به المقاومة الميدانية وقياداتها على قياداتها السياسية، التي وضعت رأسها الثقيل في مكان بعينه، ضمن اصطفاف يبدو أنّه سيستعمل كامل هذه النار الساخنة لمصالحه وليس لمصلحة الشعب الفلسطيني.
قيادة «حماس» تحديداً متورّطة جداً وعالقة في نسق «قطري تركي»، في مواجهة نسق «مصري سعودي»، وهي في أفضل حالاتها وحالات هذا الاصطفاف تنحاز إلى عنوان «تهدئة»، مرتبط بمصالح تلك الأنساق وغيرها، وبالطبع لا يسع قيادات «حماس» مغادرة النسق «التركي ـ القطري»، وبالتالي فإنها سوف تستعمل هذا الإنجاز التاريخي للمقاومة في مناكفة «مصرية ـ سعودية قطرية ـ تركية»، ولم تستطع تجاوز هذه المناكفة، ما سيجعلها غير قادرة على التعامل مع منجز المقاومة الميداني على النحو الحقيقي والمطلوب.