نزوح
بلال شرارة
كنتُ في عداد الوفد الذي رافق دولة الرئيس نبيه بري في زيارته إلى بلجيكا، وخلال محادثاته مع مارتن شولز رئيس البرلمان الأوروبي وأندريه فلاهو رئيس مجلس النواب البلجيكي، وخلال تحدّثه مع لجنتي الشؤون الخارجية في كلا البرلمانين وكلّ لقاءاته البرلمانية ولقائه الجالية اللبنانية واتصالاته الهاتفية المتواصلة مع أركان الدولة والقوى المعنية بالحوار في لبنان لصيانة مبدأ الحوار.
لقد لمستُ في كلّ ما تقدّم آماله وآلامه، ثقته وقلقه. انتبه دولته خلال لقاءاته ومحادثاته وكلماته إلى أنّ الوقائع اللبنانية المتصلة بمتطلبات مليون ونصف المليون نازح من الشقيقة سورية، ومعهم نحو مئة ألف نازح فلسطيني جديد من مخيمات سورية ـــ انتبه دولته ـــ إلى أنّ رسالة لبنان خلال المؤتمرات المتصلة بالوقائع الشرق أوسطية لم تصل إلى الاتحاد الأوروبي بعناوينها الكبرى ولا بتفصيلاتها.
إذ إنّ مشكلة النازحين السوريين ليست أمنية فقط بل إنسانية بالدرجة الأولى، وإنّ حلها يكون بعودتهم إلى أرض وطنهم وليس بجعلهم متسوّلين على قارعة الدول العربية والإسلامية أو الغربية.
إذ إنّ توفير حق الحياة في مكان آمن للنازحين ليس وحده المطلوب ولا التطلع إلى النازحين كمشكلة كمية، فهؤلاء الأشقاء الذين سبق وشالوا اللبنانيين على الراحات خلال حروب «إسرائيل» ضدّ لبنان وخلال حروبهم ضدّ بعضهم البعض يستحقون أن نحاول أولاً ردّ الجميل، وكذلك الانتباه إلى أنّ حقهم علينا كأخوة وجيران يمثلون عمقنا البشري والجغرافي العربي والإسلامي يستحقون أن نوفر لهم متطلبات الحياة الكريمة وأن نشاركهم الأمل والعمل لإطفاء الحريق السوري.
لقد لمس دولة الرئيس بري أنّ أوروبا لم تكن تعرف سوى أنّ حجم المشكلة هي بالأعداد وبالأبعاد المترتبة على استقبالهم، وأنّ لبنان كان يصرخ في أوديته في حين أنّ تركيا والأردن أوصلا صوتيهما قبل مؤتمر لندن الأخير وخلاله، حيث وضعت تركيا سكين الأزمة اللاجئين على عنق أوروبا وهدّدت بضخّ المشكلة إليها عبر الحدود البرية وجعلت أوروبا تعيش تحت ضغط «ادفع تربح» أو «طنّش تخسر» فإما أن تدفع أوروبا أتاوة لتركيا لامتصاص أعداد اللاجئين أو فإنّ أوروبا ستشرب من هذه الكأس ما لا طاقة لها به وستكون أمام تهديد الغرق في بحر من اللاجئين .
أكد الرئيس بري أنّ لبنان لم يسع قط للإضرار بأوروبا، وهو قام بما أمكنه لضبط وإغلاق مياهه الإقليمية ومجاله الجوي ومنع استخدامها من قبل المتاجرين بالبشر والمهرّبين لتهريب اللاجئين أو قواعد ارتكاز لصورة حركة قوارب وسفن الموت.
ولبنان يرى أنّ معالجة ما ترتب على المسألة السورية من مشكلة نزوح أمر يحتاج إلى معالجات على المدى القصير والمتوسط، إذ إنّ لبنان لن يقبل بتوطين هذه المشكلة ولا السوريين يريدون ذلك ولا الفلسطينيين قبلهم يريدون ذلك، وإنْ كنا ننتبه بشدّة إلى الأبعاد المتعلقة في هذه اللحظة السياسية لتقليص خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا».
رأى الرئيس بري أنّ التشكيك الدولي في الإدارة الحكومية اللبنانية لمشكلة النازحين ووضع الإمكانيات المالية المخصصة لهم بيد إدارات دولية وجمعيات أهلية أمر غير صائب ولم تثبت كفاءته. فالدولة لديها إدارات مختصة وعمليات الإغاثة على الطريقة المتبعة أنشأت دولة داخل الدولة، وهي لم تثبت أنها أكثر تنظيماً من الدولة نفسها التي تحتاج لمواجهة استتباع عمليات النزوح إلى زيادة كميات الطاقة من كهرباء وماء وتأمين المدارس والمناهج التربوية والمستشفيات، ولبنان الرسمي رغم تشكيله خلية أزمة حكومية، إلا أنه مستبعَد عن تولي الكثير من مسؤولياته نظراً لأنّ مصادر التمويل العربية والأجنبية والبنك الدولي تعتقد أن أيادي النظام السياسي وما يتفرّع عنه ملطخة بالفساد وليست نظيفة، بل طويلة وتمتدّ إلى جيوب النازحين، وهي سبق أن تطاولت على الأموال التي خصصت في السابق للنازحين اللبنانيين خلال حروب «إسرائيل» على لبنان، إلا أنّ الرئيس بري يرى – رغم ذلك – أنه لا بدّ من إعادة تنظيم الأمر، حيث إن الواقع لا يقبل مثلاً تهرّب الإدارات الدولية الخاصة بالنازحين من إمكانية علاج مرضى السرطان.
لبنان كلّ لبنان يخضع لتقنين كهربائي، ويعاني من عدم ترشيد صرف مياه الشفة، وشبكات المواصلات فيه غير قادرة على تحمّل ضغط حركة مواطنيه، والبيئة في لبنان رغم أنه قطعة سما تعاني منذ أشهر من أزمة نفايات والمناهج الدراسية اللبنانية غير تلك المعتمدة في سورية.
طبعاً، كلّ ذلك غير الأدوار الأمنية اللبنانية المطلوبة لحماية حدوده من هجمات الإرهاب وتأمين أمن النازحين السوريين والفلسطينيين إلى جانب حماية حدود المجتمع اللبناني بالإضافة للسيادة الوطنية.
تحدّث الرئيس بري عن غرفة عمليات أممية لمواجهة الإرهاب، عن مشكلة النازحين التي تقع على حدود أوروبا بل وقد تجاوزت حدودها إليها. وتحدّث عن علاقات الجوار الأوروبي بلبنان وتحدّث دائماً وبإسهاب عن أمّ القضايا القضية الفلسطينية، ورأى أنّ الحلّ ليس تعويضات أو شراء ذمم النازحين، بل حلول سياسية، وانّ العالم الغربي لا يستطيع ترك العالم العربي يتخبّط بمشكلاته ذلك لأنّ الموسى قد أصبح على رقبة الجميع . فالجميع ساهم بتمويل الإرهاب، وهو في الواقع كان يموّل انتحاره، وبشكل أوضح كان كالقط في كليلة ودمنة يلحس المبرد.
والحلّ لمشكلة النازحين هي بإعادة الأمن والسلام والاستقرار إلى سورية والتنبّه إلى أنّ كلفة عمليات الإعمار والتنمية هي أقلّ بكثير من تمويل الحروب. وسأل: أوليس ذلك هو درس فلسطين؟ الم ينتبه العالم إلى أنّ ثمانية وستين عاماً لم تجعل الشعب الفلسطيني يتنازل عن حق العودة ومبدأ تقرير المصير؟