كلمات فصل الخطاب… خريطة طريق نحو المستقبل
محمد ح. الحاج
محمد ح. الحاج
واثق الخطوة، متّزناً، قيصراً في إطلالته كما في كلمته، وربما كان قادة العشرة يتابعونه من جحورهم، معظمهم ليس أهلاً لقيادة نفسه وليس عشرة من الرجال. أدّى القسم بثقة وتحدث بثقة أكبر. رسم خريطة طريق تضمّنت وعداً للوطن والشعب بانطلاقة جديدة إلى الحياة الحرة الكريمة. هل تجوز المقارنة بين فيليب السوري و… نيرون؟
هي سمة القائد الذي حاز ثقة الغالبية الساحقة من أبناء شعبه في ظروف غير طبيعية. قائد عرف القيمة العظيمة لهذه الثقة وحجم التضحية التي أقدم عليها أبناء الأمة. وجه إليهم الشكر والتقدير والتزم بوعد أن يعمل جاهداً لردّ بعض هذا الجميل، فالدماء التي سفحت دفاعاً عن الوطن، والأرواح التي فاضت، لا يمكن أن تعود إلى أهلها وأحبائها. هذه سنّة الحياة، يمليها حبّ الوطن والحرية والحفاظ على الكرامة. الرئيس سيعمل على حفظ كرامة الأهل. وعد نثق بأنه سيحققه، فهو الحرّ، ووعد الحرّ دين.
كلمة الرئيس الأسد بعد أداء القسم كانت شاملة وفيها العديد من المحاور تناولتها أقلام المحللين في الداخل والخارج، وكان إجماع على أنها فعلاً خريطة طريق تتفق مع قراءته طموحات أبناء شعبه ورغباتهم، فهو من وعد بأنه سيظلّ من أبناء هذا الشعب المخلصين، يستمدّ قوته من قوة الشعب، يستنير بآراء أبنائه ويعمل لمصلحتهم.
في توصيفه المؤامرة على سورية كان صريحاً وواضحاً إلى أبعد الحدود وأعطى المسمّيات والغايات والأهداف، وأصاب عين الحقيقة عندما قال إنّ جوهر المؤامرة يتلخص في استهداف تصفية القضية الفلسطينية وموقف سورية من هذه التصفية بعدما توافق العربان والأغراب على ذلك تحت مُسمّى المفاوضات إلى أجل غير محدود، مع استمرار عمليات القضم والتهويد والحصار والتجويع لإخضاع آخر المقاومين على الأرض الوطنية. وكان قوله إنّ البوصلة هي فلسطين وإنّ القضية الفلسطينية هي قضية سورية، مدعوماً بوقائع على الأرض مع ما يحصل اليوم في غزة واعتراف العدو بأنّ الصواريخ الفاعلة في ردّ المقاومة كانت سورية رغم إنكار بعض أهل المقاومة حماس ، وأنّ هذه الأسلحة لم تعبر عن طريق النظام المصري أياً كان، وإنما بطرائق ووسائل أخرى لم يتمكن العدو وعملاؤه من كشفها، وهذا مصدر رعب العدو وداعميه بسبب الجهل المطبق لأعدادها وأماكن تخزينها والمدى الذي يمكن أن تصل إليه. حصل العدو على الضوء الأخضر لمهاجمة غزة واجتياحها، براً وبحراً بعدما أشبعها من الجو قصفاً وتدميراً، وكثير من الأعراب يضحكون علناً وهم من الشامتين.
المحور المهمّ في حديث الرئيس الأسد: وصف من خرج من السوريين نظفت البلاد نفسها من هؤلاء، فلا مكان ولا قيمة لهم بين أبناء الشعب السوري . إذن، لن يكون مسموحاً ولا مقبولاً عودتهم ولا… توبتهم. هذا القرار هو قرار شعبي بامتياز، فالشعب لفظهم ولم تكن لهم قواعد أساساً بين صفوفه، ولو كان لهم مثلها لما لجأوا إلى استيراد شذاذ الآفاق والمنحرفين والمتعصّبين المتهوّدين، واستورد لهم مشغلوهم المرتزقة من جميع أنحاء العالم لنصرة فورتهم والوصول إلى فرض حكمهم على شعب لا يقبلهم في الأساس. وهكذا قال الرئيس الأسد مخاطبا شعبه: لقد رفعوا شعار الحرية الزائف، فمارس السوريون حريتهم على طريقتهم… أنجزوا دستورهم واختاروا القيادة التي يرغبون وبها يثقون، ودافعوا ببسالة منقطعة النظير عن سيادتهم في هذه الخيارات، وأثبتوا للعالم أنهم أصحاب الحرية والديمقراطية الحقيقيتين، حيثما وجدوا، في الداخل والمغتربات، قولاً وممارسة. واستحق السوريون الأشراف، وهم الأغلبية الساحقة، تحية وتقدير قيادتهم التي ما توانت عن أداء واجبها، فاستمرّ الربان على دفة السفينة غير هيّاب ولا مبال بأنواء عاصفة تشاركت في إثارتها عشرات الدول والأنظمة. أما الجرح الذي وضع إصبعه عليه بقوّة فكان في قوله: إذا كان للربيع العربي الحقيقي أن يقوم فجدير أن يبدأ في أكثر الدول تخلفاً ورجعية وديكتاتورية والتي يحرم فيها الإنسان من ممارسة حق الانتخاب، وتحرم فيها المرأة من المشاركة في الحكم، وحتى من قيادة السيارة!
أقرّ الرئيس الأسد المعروف بشفافيته وواقعيته، بأنّ بعض المطالب التي أثيرت في البداية كانت مطالب محقة، وأنّ من أسبابها الكثير من الفساد المالي والإداري، وهو في أساسه فساد أخلاقي. ونرى أنه يتوجب على المواطن أن يشارك في مكافحة هذا الفساد لا أن يتورّط فيه، فالموظف هو من أبناء هذا الشعب وليس مستورداً، والوظيفة يجب أن يكون أساسها الكفاءة وممارسة الأخلاق في أدائها، وانطلاق الموظف كبيراً كان أو صغيراً من مبدأ أنه في خدمة المصلحة العامة لا المصالح الشخصية أو خدمة مصالح فئة أو جماعة. السوريون متساوون في الواجبات ويجب أن يكونوا متساوين في الحقوق، في تكافؤ الفرص، في تقاسم الثروات والمنافع العامة. المساواة في المواطنة تكفل القضاء على الإحساس بالغبن وتقف سداً منيعاً في وجه الغرباء الذين يتصيّدون في مياه الوطن إن كانت غير صافية. تلميح الرئيس الأسد فيه دعوة صادقة إلى الوعي والالتزام بالأخلاق في الممارسة الوطنية للجميع من دون استثناء، فهل نكون على قدر المسؤولية تطبيقاً وممارسة ونتمثل قول الرئيس الراحل حافظ الأسد: لا أريد لأحد السكوت على الخطأ ولا التستر على العيوب والنواقص… ومثال بسيط لا بدّ من التذكير به: إن شخصاً يدفع المال للوصول إلى مركز ما، وبعد سنوات يصبح من أصحاب القصور والملايين والسيارات وشقة في أكثر من مدينة هو بشهادة أقرب الناس إليه، فاسد يمارس الرشوة والسرقة. دفع ليفسد وخطط لممارسة الفساد، والمواطن الذي يدفع ليصل إلى غاية لا تتفق والقانون، أو ليجد له الموظف طريقة في الاحتيال على القانون هو فاسد أخلاقياً مارس الفساد ومن ناحية ثانية يكون سباقاً في نقد الفساد. صحيح أنّ الحاجة في بعض الأحيان تدفع إلى مثل هذه الممارسات، لكنها لا تبرّر أبداً الإيغال في دروبها. تبدأ صغيرة فتكبر مثل كرة الثلج، وقد لا ينفع معها علاج.
استثمار الثروات السورية الاستثمار الأمثل في إعادة البناء العمراني والنفسي ورفع مستوى المعيشة للحدّ من الفساد ضمن رقابة مشدّدة، وتطبيق قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب ضمن معايير الكفاءة، وضمان نزاهة القضاء وحريته… هي الأسس في إعادة الحياة السورية إلى صفائها وصيرورتها الأمثل من دون تجاوز إعادة النظر في المناهج التعليمية ورفع مستواها والتشدّد في عمليات منح الشهادات، العليا منها بخاصة، واعتماد المعايير الدولية في ذلك، خاصة لناحية المعادلة وإخضاع حملة الشهادات من مصادر معينة لامتحانات قد تكون مفروضة راهناً، لكنها غير كافية للفساد هنا أيضاً دوره . الوطن في حاجة إلى كفاءات حقيقية لتوفير نهضة حقيقية وليس تراكماً كمّياً للشهادات على الورق فحسب.
سورية صامدة بشعبها، متفائلة بمستقبلها، بخطط قائدها لمرحلة جديدة، خطة طريق يجب أن تتضافر لها جهود المخلصين لتطبيق وتنفيذ رؤية الرئيس بعيدة المدى على دروب النصر والعزة وإعادة البناء.
لحظة دخول السيد الرئيس إلى القاعة بعد استعراض حرس الشرف، صرخت: هو القيصر السوري الجديد، وقد بدأت بكتابة مقالتي بعد ذلك، إذ تذكرت دخول بوتين وتعليق أحدهم: عاد القيصر. وما شبّهت الرئيس الأسد به، إنّما تذكرت عظمة فيليب العربي.