الاتجار بالسياسة… والوقوع في المحظور
بشير العدل
في كثير من بلدان العالم ومنها بلادي مصر، تحوّلت السياسة تجارة يستثمر فيها مَن يرون في أنفسهم الزعامة والقيادة، وانضمّ إليهم مَن يقولون إنهم مدافعون عن حقوق الإنسان، وحوّل هؤلاء الزعماء والقادة ومَن يطلقون على أنفسهم نشطاء ما بين سياسيين وحقوقيين، أغلب المناسبات والفعاليات السياسية والأحداث إلى سوق كبير يبتاعون فيه الوعود السياسية والنضال، ليس من أجل الحقوق عامة، ولكن من أجل مصالحهم الخاصة فوقعوا في المحظور، وهم يسعون في الحقيقة إلى تحقيق مكاسب مادية إحداها داخلية من خلال خلق زعامة كاذبة، وأخرى خارجية للحصول على تمويل المؤسسات الدولية التي تدّعي لنفسها أنها راعية الديمقراطية في الدول الساعية للتقدّم، أو حتى من أجل أموال الدول التي من مصلحتها استمرار الأوضاع المعوجة في الدولة خاصة السياسية والاقتصادية خدمة لأهداف أعداء الدولة في الداخل والخارج.
ومن أجل تلك المكاسب صنع هؤلاء لأنفسهم بيئة تتماشى مع طموحهم بكلّ ما يتطلّبه إعداد تلك البيئة من شخوص وآليات وصولاً إلى الهدف الأسمى، وهو تحقيق الربح السياسي، ولو كان على حساب الوطن ومصلحته، وهنا لا أشبّه على الإطلاق هؤلاء وأولئك بالطابور الخامس الذي ظهر في الحروب والشدائد الدولية ليحقق المكاسب المادية بالتعاون مع الأعداء، ولكني قصدت رصد حالة تعيشها بلادي مصر.
ومن هؤلاء التجار مَن لجأوا إلى استثمار بعض الأسماء والشخصيات ضمن آليات التجارة السياسية لرفع الطلب على بضاعتهم الخاسرة، والتي يخدعون بها البعض من حسني النية والمنخدعين بالشعارات والمظاهر الكذابة، التي يرفعها هؤلاء الساسة والنشطاء، وساعدتهم في ذلك الأبواق الإعلامية الخاصة بهم، سواء عن قصد أو عن غير قصد، حتى خلقت من الأوضاع داخل بلادي مصر ما يشبه الحرب النفسية، فحاد الجميع عن الطريق القويم ووقع الكلّ في المحظور، سواء كان ذلك المحظور سياسياً أو مهنياً أو أخلاقياً، حتى أصبح التردّي هو سمة الموقف في أغلب المجالات.
ومن اللافت للنظر أنّ كثيراً من المتاجرين بالأحداث السياسية في بلادي مصر، شخصيات تعتبر في نفسها الجدارة لكلّ شيء وبلا استثناء طالما يحقق ذلك الشيء مصلحتهم الخاصة ولو كانت على حساب المجتمع.
ومن أسف أنّ ذلك يحدث تحت سمع وبصر أجهزة الدولة، التي لا زالت تتعامل بمنطق لم أعرف له تفسيراً أو توصيفاً، سوى أنها تساعد على التجرؤ على القانون وعلى مبادئ المجتمع وأسس بناء الدولة، آخذة في ذلك اعتبارات داخلية ودولية، غير أن أخذ تلك الاعتبارات أضاع سيادة القانون وهيبة الدولة، فكانت النتيجة فوضى شاملة، تستنزف قدرات وطاقات أبناء الوطن المخلصين الذين يريدون أن يعيدوا بناء بلادي مصر، والعودة بها إلى وضعها الطبيعي بين الدول.
لم يعِ هؤلاء أبعاد الاتجار بالسياسة والنظر فقط تحت الأقدام ومراعاة المصلحة الخاصة، حتى وصل بهم الحال إلى أنهم يدعون، ومن حيث لا يعلمون، إلى نظام دكتاتوري قمعي بمعنى الكلمة، حتى يتمّ تصحيح الاعوجاج في أدائهم، وهو أمر لا تنكره الدول المتقدّمة أو تستبعده، طالما كان يحقق مصلحة الدولة العليا.
في بلادي مصر الدولة تسعى جاهدة للارتقاء بوضعها بعد سنوات من النخر في جسدها، مارسته أنظمة وجماعات لا تعرف معنى الوطن، كما تسعى للنهوض بأوضاع أبناء بلادي، متبعة سياسات مختلفة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية المتردّية، والتي لعب فيها عدو الداخل دوراً كبيراً حتى تراجعت بشكل كبير، بسبب تكالب الأمم على بلادي مصر، ويحدث كلّ ذلك وأجهزة الإعلام تتجاهل كلّ ذلك وتتجه وعن عمد إلى الخوض في أعراض المجتمع والبشر، وأصبحت مفرداتها خارجة عن قاموس الأدب والأخلاق المجتمعية الذي تربّى عليه أبناء بلادي.
ممارسات المتاجرين بالسياسة هي حرب إذن في حاجة إلى مواجهة بمعنى الكلمة، حتى لا تتعرّض الدولة لمزيد من الحروب التي تشنّها أطراف خارجية من ناحية، وتساعد بجناحها الثاني أطراف داخلية.
فعلى هؤلاء المتاجرين أن يكفّوا عن المتاجرة بمصالح الشعب، وهو المبدأ الذي اعتمدت عليه جماعة «الإخوان المسلحين» في وصولها للسلطة، حينما اعتمدت سياسة خداع كبرى مارستها باسم الدين، مستغلة صفاء ونقاء قلوب أغلب المصريين من البسطاء ومحدودي الدخل والثقافة شراء لأصواتهم في انتخابات واستفتاءات، وهي سياسة لم تعُد تجدي نفعاً مع أبناء بلادي الذين اتضح لديهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود بعد تلك الممارسات السيئة، التي لم تتوقف حتى الآن معتمدة على نفس سياسة الخداع التي لا يخجلها ولا يملها المتاجرون بالسياسة وأحوال الوطن.
فمصر أقوى من كلّ محاولات المغرضين، ومصر أكبر من أن تنال منها محاولات صبيانية، أو تنظيمات إرهابية، أو منظمات منتفعية، غير أنّ ذلك كله في حاجة إلى أن تتنبّه الدولة بأجهزتها كلّها لتلك المخاطر وأن تكشر عن أنيابها وبشكل عملي لمصادر تلك المخاطر ومَن يبعث بها، خاصة بعد أن وقع الجميع في المحظور.
كاتب وصحافي مصري
مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة