غزة والربيع والأميركي: حرب المبادرات
عامر نعيم الياس
لم يكن بالإمكان أحسن مما كان، تلخص هذه المقولة الحراك القائم حالياً على المستوى الرسمي العربي تحديداً في ما يخص العدوان «الإسرائيلي» الهمجي على الفلسطينيين في قطاع غزة الذي تديره حركة حماس سياسياً في ظل ما يسمى اصطلاحاً «الربيع العربي»، فالجامعة العربية تحوّلت إلى مسرح لصراع بين دول عربية إقليمية تحاول استعادة نفوذها التائه في تفاعلات طاعون الإسلام السياسي، وأخرى خليجية على رأس الرابحين من هذا الوباء الذي أطاح بالجمهوريات العربية الواحدة تلو الأخرى. نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية ومقرها القاهرة يحاول تثبيت الدور المصري المفترض في القضية الفلسطينية في عهد المشير عبد الفتاح السيسي، حيث أشارت التسريبات الإعلامية الموجهة إلى توجيه دعوة من قبل العربي إلى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لزيارة القاهرة وذلك بهدف التباحث عن قرب مع القيادة المصرية، قيل إن هذا الخير المقيم في الدوحة عاصمة إمارة قطر، رفض، عادت مصادر مصرية وسرّبت أن سبب الرفض يعود إلى ضغوط قطرية تركية، هو صراع على جائزة تطويع حماس المشاركة في حكومة الوفاق الفلسطيني.
خالد مشعل في الكويت، ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في البحرين حيث التقى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وبعدها إلى الدوحة للقاء مشعل. وزير الخارجية الكويتي أعلن تأييد بلاده للمبادرة المصرية لوقف العدوان «الإسرائيلي» هنا يحضر الاصطفاف في مواجهة قطر، ووزير الخارجية القطري روّج كما جرت العادة لبلاده بوصفها مهتمة «بإيقاف نزف الدماء الفلسطينية» فهي ليس لديها أي غاية غير ذلك! أما وزير الخارجية الأميركي جون كيري فقد وضع اللوم على حركة حماس «التي ترفض بتعنّت وقف إطلاق النار»، ضوءٌ أخضر لحكومة الكيان الصهيوني للاستمرار في مجازرها بحق المدنيين في غزة، محاولةً الظفر بأي مقاوم في نفق تكتشفه بالصدفة.
على خلفية ذلك تقول صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية اليمينية المقربة من حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، إن عدد قتلى جنود الاحتلال بلغ 15، فيما تعلن المقاومة الفلسطينية أسر جندي صهيوني، في وقت تؤكد حكومة الكيان رسمياً أن عدد قتلاها لم يتجاوز الخمسة، نحن هنا في مواجهة ارتباك صهيوني دفع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شخصياً إلى الانخراط في الشق الحرب الإعلامية والتلويح بمجازر أقسى بحق الفلسطينيين كنوع من الانتقام والتعويض الدموي عن الورطة الصهيونية على المستويين السياسي والعسكري.
المشهد الحالي يطرح تساؤلات عن سبب التركيز على حماس؟ ولماذا هذا الحراك الدبلوماسي بين العواصم العربية لرأسي السلطة الفلسطينية قبل عقد لقاء مباشر بينهما، أليس الأجدى أن يعقد أولاً لقاء بين عباس ومشعل ومن ثم تُنسّق خطوات الحراك الدبلوماسي؟
منذ عام 2010 وفي وقت طرقت «الثورات الإسلامية» أبواب المنطقة حاولت حركة حماس الترويج لانعكاسات هذا التحول الديمقراطي الإيجابية على القضية الفلسطينية بما فيها تدمير الدولة السورية وخروجها من معادلة الصراع مع العدو الصهيوني، فيما رأى آخرون أن الانعكاسات ستكون كارثية على الأمة العربية عموماً وعلى القضية الفلسطينية خصوصاً التي تحوّلت إلى تفصيل ثانوي في أولويات النخب العربية الحاكمة وأولويات الشارع العربي الذي أنهكته «الثورات» المتلاحقة، وبات يحلم بالعودة إلى أيام ما قبل الربيع المفترض. أما ممالك النفط فقد التقطت هذا الأمر وعمدت إلى إعادة توجيه بوصلة العداء باتجاه إيران، وهنا بات السباق محموماً بينها على امتلاك أوراق إضافية تحسّن من مواقعها عند واشنطن، فبدأ الصراع بين محوري قطر وتركيا من جهة، والسعودية التي تحاول بشتى الوسائل استمالة مصر السيسي من جهة أخرى، وهو ما نشهده اليوم من حرب للمبادرات الخاصة شكلاً بوقف إطلاق النار، لكنها مضموناً تعبير عن صراع مصالح يبدأ من الحفاظ على مكتسبات رأسي السلطة الفلسطينية داخلياً وإحراز النقاط في مواجهتهما الداخلية الإيديولوجية تحت سقف حكومة رامي الحمدالله «الوفاقية»، ويمر بمحاولة القاهرة وبعض حلفائها العرب إعادة تعويم الدور المصري في مواجهة إمارة قطر، وينتهي عند التركيز على حماس في محاولة لجذب الحركة على مسار بازار سياسي على خلفية العدوان «الإسرائيلي»، أعربت بوضوح عن استعدادها له على الأقل على لسان خالد مشعل ومن الدوحة، وفي هذا السياق يجرى الحديث عن فكرة عقد مؤتمر دولي مصغّر لا هدف له سوى وضع حماس على سكة أوسلو وإن اختلفت التسمية، وربما تكون حرب مبادرات تأمين مخرج للكيان الصهيوني تمهيداً له، بينما تستمر فصائل المقاومة الفلسطينية في إدارة الصراع على الأرض.
كاتب سوري