جلخ لـ«البناء»: الرئاسة في لبنان للأكثر تمثيلاً

هتاف دهام

لا يهتمّ الغرب للوجود المسيحي في الشرق، لا تضع دوله ومنظماته الدولية حماية هؤلاء المشرقيين في سلم أولوياتها، لا تعنيها ما يتعرّضون له من اضطهاد، ولا تكترث لمصيرهم ولا تحارب لأجل منع هجرتهم.

صحيح أنّ المسيحيين جزء لا يتجزأ من هذا الشرق ويرفضون صفة الأقليات التي بدأت تطلق عليهم منذ ما يسمّى بـ«الربيع العربي»، لكنهم أمام تحدّ يطال تهجيرهم وقتلهم واقتلاعهم من جذورهم من قبل التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطراً على كلّ مكوّنات هذه الأمة. والسؤال هل يمكن للمسيحيين الذين هم أصل هذه الأرض البقاء في الشرق بعد الأخطار التي طاولتهم في وجودهم؟ يتوحد رجال الدين المسيحيّين من بطاركة ومطارنة وآباء ورهبان على أنّ حماية المسيحيين لا تكون بمساعدتهم على الهجرة، إنما بتثبيت وجودهم في هذه الارض.

وهنا يأتي دور مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي تأسّس عام 1974، وهو هيئة دينية تضمّ العائلات الكنسية الأربع في الشرق، أيّ الأرثوذكسية والأرثوذكسية المشرقية والإنجيلية والكاثوليكية بكنائسها السبع الموجودة في المنطقة، والمجلس هو المؤسسة الكنسية الوحيدة الموكلة التحدّث باسم كلّ كنائس المنطقة 28 كنيسة . يتخذ هذا المجلس من بيروت وتحديداً من الحمرا شارع بلس مقراً له منذ تأسيسه، بقي في عزّ الحرب في «بيروت الغربية» رافضاً الانتقال إلى «بيروت الشرقية»، بهدف المحافظة على التنوّع ورفضاً للفرز الطائفي المناطقي، وتأكيداً أنّ المسيحيين ليسوا كلهم «حزب كتائب».

اتخذ المجلس مكاتب أخرى له في القاهرة والقدس المحتلة وطهران وليماسول وعمّان. ويعمل هذا المجلس بحسب ما يؤكد أمينه العام الأب ميشال جلخ لـ«البناء» على تعزيز روح الوحدة المسيحية بين الكنائس المختلفة في الشرق، وذلك من خلال توفير سبل الحوار في توحيد الرؤى والمواقف في ما بينها. يشكل المجلس، بحسب جلخ، جسر تواصل بين مسيحيّي المشرق وكسر الحواجز بين الكنائس، وبين المسيحيين والديانات الأخرى في المنطقة، ويهتمّ بإقامة الدراسات والأبحاث المشتركة التي تشرح تقاليد الكنائس الأعضاء، وإقامة الصلوات المشتركة لا سيما أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس المسيحية، ومن أولوياته تحقيق العدالة والمساواة في المواطنة في دول المشرق، ليشكل الحوار الإسلامي – المسيحي الهمّ الأبرز بين المسائل المطروحة الحالية، لا سيما في ظلّ الأخطار المحدقة بمختلف المكونات من التنظيمات التكفيرية التي تعتبر من يخالفها الرأي من أهل الذمة.

استحوذت القضية الفلسطينية على اهتمامات المجلس منذ تأسيسه، وشكل دائرة للاهتمام باللاجئين الفلسطينيين بشكل عام وليس فقط المسيحيين، وأصبحت هذه الدائرة اليوم تساعد النازحين السوريين رغم القدرات المحدودة المتوافرة لمعالجة مشكلات عدد كبير منهم. التحديات كبيرة، والتوقعات من الكنائس أكثر بكثير، والمساعدات التي تصل إلى المجلس قليلة جداً أمام حجم الحاجات وخطورتها.

يبقى الدور المسيحي في لبنان الأقوى في ظلّ التطورات الإقليمية، لكن الغرب، كما يقول الأب جلخ، لا يعتبرونه البقعة الأخيرة والوحيدة للمسيحيين، فهناك تأكيد روسي ومن بعض الدول الأوروبية على أهمية هذا الوجود في سورية والعراق، وإنْ كانت دول أخرى غربية كالولايات المتحدة ساعدت على تهجيرهم، لا سيما من العراق منذ الاجتياح الذي قامت به لهذا البلد عام 2003.

يذهب المسيحيون جراء الصدام الحاصل فرق عملة، كما يقول الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط، وربما هذا ما دفع البابا فرنسيس وبطريرك روسيا كيريل بعد انقطاع بين الكنيستين منذ ألف عام إلى عقد لقاء سريع فرضته تحديات الهجمة التكفيرية بهدف إنقاذ المسيحيين وتحصين وجودهم في سورية والعراق والأردن وفلسطين، والتقارب المسيحي – المسيحي وإعادة الوحدة بينهم. وبقطع النظر عن الأهداف السياسية وعن التأثير الروسي على هذا الحدث التاريخي فإنّ الكنيسة في موسكو تلعب دوراً بارزاً في حماية هذا الوجود في المشرق أكثر من الدول الغربية، فالمسيحيون المشرقيون يختلفون عن المسيحيين الغربيين، فلا مجتمع دينياً هناك، والكنيسة الروسية وتأثيرها على السياسة أقرب إلى مفهومنا نحن.

تعتري الطوائف المسيحية مخاوف التقسيم الذي من شأنه أن يفتت المنطقة، ويرى الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط، انه يلحق الأذى والضرر بسورية بشكل عام وبالمسيحيين بشكل خاص، فهو سيؤدي إلى اضمحلاله، وكحال مكونات الشعب السوري، يتواجد المسيحيون في مختلف المحافظات السورية وليسوا داخل «كانتون». ويعتبر أنّ أيّ تسوية ستحصل في المرحلة المقبلة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المسيحيين الذين من المفترض أن لا يُغيّبوا عن طاولة المفاوضات، فهم أبناء هذه الأرض وليسوا أقلية، فالتقسيم خطير وينذر بتحوّلات ديموغرافية خطيرة في الشرق مهد الديانات السماوية.

ويعود جلخ إلى ما حصل في العراق من تغييرات على حساب المسيحيين والايزيديين لمصلحة الجماعات الإرهابية.

ويتحدّث عن التأثير الإيجابي لما قام به حزب الله في محاربة التكفيريين على تخوم السلسلة الشرقية في القصيْر والقلمون، والذي ساهم في الحفاظ على الوجود المسيحي في البقاع الشمالي، لا سيما في قرى رأس بعلبك والقاع ودير الأحمر وغيرها، فالشباب المسيحيون وغير المسيحييين تعاونوا مع حزب الله في تلك المناطق، وهذا لا يُخفى على أحد، والتنظيمات الإرهابية من داعش والنصرة لا تهدّد فقط المسيحيين بل كلّ مُن يخالفها الرأي. وإذ يؤكد «أنّ الغرب هو مَن يدعم هذه التنظيمات الإرهابية بالتمويل والسلاح» يشير الأب جلخ إلى «أن لا قرار دولياً بدخول «داعش» إلى لبنان.

لا يقتصر حراك الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية على مصير المسيحيين في الشرق، لكن الكنيسة تولي الملف الرئاسي أهمية كبيرة، ويؤكد الأب جلخ أهمية موقع رئاسة الجمهورية في ضمانة وحدة لبنان، فهي المركز الوحيد في الشرق للمسيحيين، ويرى ضرورة أن تأخذ المشاورات بعين الاعتبار التمثيل السياسي الشعبي، فلا يجوز انتخاب رئيس ليس لديه قاعدة شعبية انطلاقاً من أنّ لبنان يعتمد القواعد الديمقراطية. ويشدّد على ضرورة انتخاب رئيس لديه برنامج إصلاحي لا رئيس صورة، يضع البرنامج الرئاسي بعد انتهاء ولايته. إنّ الانتخابات الرئاسية، كما يقول جلخ، ليست ضحية الانقسام المسيحي، والدليل أنّ شبه الإجماع المسيحي الذي تحقق بمصالحة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لم ينتج رئيساً، فالخلاف السني الشيعي يؤثر على هذا الاستحقاق ويلعب عاملاً مؤثراً في عدم إتمامه. وإذ يعتبر أنّ المسيحيين هم قضية إسلامية، يسأل عن الشراكة والسواسية في هذا البلد، ويشير إلى انّ الضعف المسيحي هو ضعف إسلامي، لا سيما أنّ لبنان هو بلد التنوّع ولا مصلحة لأحد بإضعاف الآخر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى