بريطانيا والاتحاد الأوروبي
حميدي العبدالله
تمّ التوصل إلى اتفاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ينصّ على أن يكون لبريطانيا وضعاً خاصاً داخل الاتحاد. معروف أنّ الوضع الخاص يشكل خطوة إلى الوراء بالمقارنة مع الطموحات والتصوّرات النظرية التي وضعت من قبل الجهات الأوروبية التي كانت تتطلع إلى أن يحدث يوماً ما قيام كيان أوروبي موحد بكلّ ما في الكلمة من معنى، وليس مجرد تنسيق للسياسات المالية والاقتصادية، وبعض شؤون السياسات الخارجية، وهو ما ميّز عمل الاتحاد الأوروبي منذ أن أبصر النور.
الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه، هدفه التأثير على رأي الناخبين البريطانيين في الاستفتاء المزمع تنفيذه والذي يخيّر البريطانيين بين الدخول إلى الاتحاد الأوروبي أو البقاء خارجه.
واضح أنّ فكرة الاتحاد الأوروبي لم تعد تمثل البريق والجاذبية التي كانت عليها في السنوات الأولى التي أعقبت انطلاق العملة الأوروبية الموحدة.
الأزمة الاقتصادية التي ضربت اقتصاد العالم الغربي، بدءاً من عام 2008 أظهرت هشاشة بنيان الاتحاد الأوروبي، وعقم الرهان عليه، ولعلّ تجربة اليونان مع هذا الاتحاد أفضل دليل على هذه الحقيقة المرّة. فعند أوّل صعوبات واجهتها دولة من دول الاتحاد على المستوى الاقتصادي، تبيّن أنّ السياسات القومية لا تزال هي التي تتحكّم في صنع القرارات بالنسبة إلى حكومات الاتحاد وليس المصلحة الأوروبية المشتركة. وعلى الرغم من أنّ مساندة اليونان للخروج من الأزمة هي مصلحة أوروبية مشتركة، لأنّ أزمة اليونان كادت أن تفرط عقد الاتحاد، وأثرت سلباً على أداء مؤسساته، إلا أنّ كلّ حكومة من حكومات الاتحاد الأوروبي تبنّت وجهة نظر في مواجهة الأزمة اليونانية تعبّر عن مصالحها القومية الخاصة، وليس عن المصالح المشتركة الأوروبية.
في فترة من الفترات كان التسابق على الدخول إلى الاتحاد هو السمة المميّزة، اليوم السعي للابتعاد عنه هو الخيار الأفضل. وبسبب هذا الوضع تبلورت قناعة واضحة وقاطعة لدى الحكومة البريطانية بأنّ أصوات البريطانيين لن تذهب لصالح تأييد البقاء في الاتحاد الأوروبي، ولذلك كان الخيار الأفضل والأقلّ سلبية من حيث التأثير على الاتحاد الحصول على وضعية خاصة يمكن من خلالها الزعم بأنّ بريطانيا لا تزال جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت ذاته غير ملتزمة بكلّ قوانينه ومتطلباته. هدف كلّ ذلك هو إقناع البريطانيين بالتصويت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، ولكن حتى لو جاءت نتائج التصويت لمصلحة حكومة كاميرون، إلا أنّ الوضعية الخاصة لبريطانيا داخل الاتحاد، تشير إلى أنّ مسيرته باتت متعثرة، ولم يعد الإطار والحلم الذي راهن عليه الأوروبيون، بل العالم كأنموذج جديد ما فوق قومي.