وقف النار طريق المصالحة… خيار السوريين الأوحد
سعدالله الخليل
بمرور أسبوع على دخول قرار وقف إطلاق النار في سورية حيّز التنفيذ يبدو أنّ أغلب الأطراف قد حسمت أمرها بين خيارين لا ثالث لهما من دون أن تغيب عن بالها حصيلة السنوات الخمس الماضية والرصيد القابل للصرف في مقبل الأيام، سواء اختارت المصالحة ودخول العملية السياسية وفتح باب التسويات على مصراعيه وطرح الأوراق كافة على طاولة البحث بكلّ شفافية ووضوح، أو الاستمرار في القتال والاحتراب على ضفتين يتصدّر الأولى تنظيما «جبهة النصرة» و»داعش» والتنظيمات الحليفة الرافعة للسلاح في وجه الدولة السورية التي نالت الاعتراف العالمي على مضض وبقرارات أممية بخاتم مجلس الأمن بشرعية حربها على تلك التنظيمات، والتي تقف مع حلفائها في مواجهة أقوى تحالفات إرهابية عرفها تاريخ الحروب والتنظيمات الإرهابية بدعم روسي ومساندة حلفاء محور المقاومة في الضفة المقابلة.
نجح وقف إطلاق النار خلال أسبوع بما عجزت عنه سنوات الحرب الخمس في دخول السوريين المصالحة الوطنية وفق أسس متينة، أبرزها الفصل ما بين الرغبة بالتخلص من منطق العداوات القائمة على اختلاف وجهات النظر والاحتكام لمنطق العقل، والإصرار على تغليب أزيز الرصاص على صوت العقل والمضيّ في المعركة حتى النهاية بالاستناد إلى جملة عوامل موضوعية داخلية وخارجية تدفع تلك الأطراف الى الاعتقاد بنجاعة العمل العسكري بتحقيق مشاريع ومصالح محلية إقليمية ودولية على الأرض السورية، وبالتالي يسمح الاصطفاء من بين الراغبين بالعمل السياسي والمصرّين على لغة الحرب للانتقال على مراحل متقدّمة في مشروع المصالحة الوطنية في سورية، مدعوماً برغبة دولية بالسير في هذا السياق والتي عبّر عنها قرار مجلس الأمن رقم 2268 الذي ثبت التفاهم الروسي الأميركي حول وقف إطلاق النار وجدية روسية في التعاطي مع تنفيذ مخرجات القرار باعتماد مركز عمليات مراقبة تطبيق وقف الأعمال القتالية في قاعدة حميميم في اللاذقية تحت اسم مركز المصالحة السورية والذي أشرف بشكل مباشر على حصر القوى المسلحة الراغبة بالانتقال بمسارات الأزمة السورية لسياقاتها السياسية بالإضافة إلى إجراء مصالحات في محافظة حماة لـ30 قرية والشروع في أماكن سورية عدة بما يعكس مدى الجدية الروسية في السير بمشروع المصالحة السورية.
وكما تزامن صدور قرار مجلس الأمن مع إعلان المبعوث الأممي موعد إطلاق الجولة الثانية من مسار محادثات جنيف 3 وبعيداً عن تضارب التصريحات حول الموعد الفعلي لبدء المشاورات التي تتراوح بين 9 12 من الشهر الحالي، فإنّ الإنجاز الأكبر لوقف إطلاق النار وقبل انطلاق محادثات جنيف حسم تنظيما «أحرار الشام» و»جيش الإسلام» قرارهما برفض وقف إطلاق النار، وبالتالي الانضواء في معسكر «داعش» و»النصرة»، وفي أول ترجمة فعلية لحسم الخيارات تبنّت «أحرار الشام» و»النصرة» الهجوم على مواقع الجيش السوري في ريف حلب الجنوبي بما يثبت التحالف العميق ما بين «الأحرار» و»النصرة». الإعلان الصريح لموقف الحركة تزامن مع جرعة دعم لوجيستية تركية للحركة بالكشف عن مرور قوافل الشاحنات المحملة بالأسلحة التي تصل إلى المناطق التي تسيطر عليها «جبهة النصرة» و»أحرار الشام» عبر تركيا وهو ما ينسجم مع المواقف التركية السياسية والعسكرية لأنقرة المتجسدة بصراخ أردوغان وداوود أغلو الذي فاق أصوات مدافعها الداعمة لإرهابيّيها على الأرض السورية، غير آبهة بقرار وقف العمليات العسكرية الذي يطالب دول الجوار بوقف دعم القوى الموجودة على الأرض السورية، بما يؤكد تنسيق المواقف التركية مع الفصيلين المذكورين ولإكمال البروباغندا الداعمة لـ»أحرار الشام» حضرت الماكينة الإعلامية الإخوانية ببوقها الأكبر والأبرز المتمثل بقناة «الجزيرة» التي بثت وثائقياً خاصاً عن الحركة من النشأة وحتى تاريخه، والذي سقط في مثالب كبرى بإخفاء علاقتها بتنظيم «القاعدة» الأب الروحي لحليفتها «النصرة» من دون أن يفسر مقتل أبي خالد السوري أهمّ قادة التنظيم في العالم بين صفوف الحركة! كما غاب دور «الإخوان المسلمين» في دعم ورعاية الحركة إضافة إلى إغفال استقدامها للمرتزقة الأجانب، فكانت أول من استقدم وسهّل دخول أجهزة المخابرات الأجنبية والتكفيريين من بوابة «الجهاد»، ولم يشر إلى ما فعلته ما تدعى المحاكم الشرعية التي أسّستها الحركة من ممارسات بحق المدنيين من الجلد إلى قطع الرؤوس ونكّلت بما لا يقلّ عن ممارسات تنظيم «داعش» ليبدو الفيلم تسويقاً تركياً قطرياً لحركة باتت في صف تنظيم «داعش» في السلوك والقانونية فسقطت ورقة التوت عن الحركة، كما سقطت عما يسمى «جيش الإسلام» صاحب الإنجاز الكبير والسجل الحافل بحق دماء السوريين، والذي أعلن بدوره رفض وقف إطلاق النار لتسقط بذلك المحاولات التركية السعودية في إدراج التنظيمين إضافة إلى «النصرة» بخانة القوى السياسية، وهو بحدّ ذاته أحد مكاسب وقف إطلاق النار.
يجمع السوريين بأنّ المصالحة هي خيارهم الوحيد ولا مكان لأيّ متطرف برأي أو سلوك قائم على إقصاء الآخرين ومع تفكيك الألغام التي تقف بطريقهم يبدو الأمل بالمصالحة أكبر فأكبر، رغم إدراكهم بأنّ مواجهة الإرهاب مهمة ليست بقليلة وخياراً لا يقلّ جرأة عن خيار المصالحة في ظلّ محاولة الأطراف الساعية لإبقاء جذوة النار مشتعلة في سورية فرض العراقيل والمفخخات في الحياة السياسية والدعم المستمرّ للإرهابيين على الأرض تبقى ثقتهم بجيشهم وقيادتهم حاضرة بما يسمح بإنجاز المهمتين مكافحة الإرهاب والمصالحة.