صفقة وفد الرياض مع «جبهة النصرة» تتسبّب بتعقيد حضوره إلى جنيف فضيحة الاتصالات المقرصنة تشغل اللبنانيين… في زمن تراكم النفايات
كتب المحرر السياسي
تحت سقف تفاهم يضمّ موسكو وطهران وواشنطن يجري ترتيب مخارج النجاة لكلّ من أنقرة والرياض، بعدما صار ثابتاً أن لا فرص لتحقيق ما يريدانه من الحرب السورية، وما تعهّداه لواشنطن التي انتهت عندها المهل الإضافية وتموضعت تحت سقف مشترك مع موسكو وطهران لاستيلاد نظام إقليمي جديد يكون لسورية ورئيسها دور محوري فيه، وتكون طهران قوته البارزة، لكنه يحفظ لكلّ من الحليفين التركي والسعودي شراكة نسبية تنسجم مع موازين القوى التي تمخّضت عنها نتائج الحرب السورية.
تفتح موسكو قنواتها على حكام المملكة السعودية وتحافظ على لغة مرنة وإيجابية وترسل إشارات الدعوة للتنسيق والتشاور، وتترك لحكام الرياض خوض اختباراتهم، لكنها وهي تتصدّى لمناوراتهم تفتح لهم كلّ مرة الباب الخلفي للانضمام إلى موائد التسويات، في المقابل تفعل إيران الشيء نفسه مع تركيا التي حلمت ذات يوم بإمبراطورية عثمانية تنتقم من صعود إيران وتهمّشها، لكنها تكتشف اليوم حجم الخيبة التي يُصاب بها مشروعها والمخاطر التي يرتبها إمعانها في الغياب عن مشهد التسويات، فتضع أوراقها في طهران لمقايضة مقعد هجرته بوهم الانتصار بضمان عدم حدوث تحوّل جيوسياسي في وضع الأكراد يمنح حزب العمال الكردستاني على حدودها مع سورية قاعدة انطلاق، مثلما تسعى السعودية للحصول على بوليصة تأمين لزعامتها الخليجية بنصر حاسم لا تزال تحلم بتحقيقه في اليمن لتتمكّن من الدخول على خطوط التسويات الأخرى.
مصدر دبلوماسي متابع يقول إنّ القطار قد انطلق ولن ينتظر أحداً، ويكشف عن روزنامة نهائية للقاءات جنيف الخاصة بسورية، تتضمّن تشكيل حكومة وحدة وطنية في ظلّ رئاسة الرئيس السوري والتمهيد لانتخابات بعد حسم الحرب على الإرهاب، هي التي تترجم معنى أنّ مصير الرئاسة السورية يقرّره السوريون.
يقول المصدر إنّ جماعة الرياض قلقون من مسار جنيف لأنهم بسبب ضعفهم العسكري اضطروا إلى قبول صفقة مع «جبهة النصرة»، تتضمّن قيام «النصرة» بقبول تقديم مواقع انتشارها من قبل جماعة الرياض كمواقع تابعة عسكرياً لتشكيلات القوى المشاركة في جنيف والملتزمة بمسار الهدنة، فتكسب «النصرة» قدراً من التهدئة العسكرية، لكن مقابل أن تتعهّد جماعة الرياض بجعل سقف التفاوض تشكيل هيئة حكم انتقالي وتلتزم الانسحاب من التفاوض بخلاف ذلك، وإلا أقدمت «جبهة النصرة» على تصفية المواقع المحدودة الموجودة في مناطق سيطرتها والتابعة لتشكيلات جماعة الرياض.
في جنيف سيبدأ اليوم وصول الوفود والمحادثات ستنطلق الإثنين المقبل، ويصعب التنبّؤ وفقاً للمصدر نفسه بكيفية تصرف جماعة الرياض المرتبكة بين معرفتها بالميدان وما سيحدث مع «النصرة» إذا ارتضت مسار جنيف ومعرفتها في المقابل بالنتائج إذا انسحبت وأكمل المسار بدونها.
في لبنان غطت فضيحة الاتصالات المقرصنة على فضائح النفايات المتراكمة، لتضيف نفايات الاتصالات ملفاً جديداً مفتوحاً على مخاطر التنصّت والعبث بالداتا لحساب شركات أجنبية خارج نطاق المفهوم السيادي للدولة، عدا عن تبديد المال العام وحرمان الخزينة من مداخيل سيزداد الخرق المالي والأمني فيها كلما تكرّست بالتغاضي، خصوصاً إذا تبيّن أنها تحظى بحماية سياسية ودخلت في شبكات المحاصصة كما دخلت قبلها النفايات ولم تخرج بعد.
الحوار على صفيح النفايات
تُعقد اليوم جلسة جديدة للحوار الوطني على صفيح النفايات وعلى ضوء القرارات الخليجية بتصنيف حزب الله على لائحة الإرهاب، بغياب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي غادر إلى باريس. ورجّحت مصادر على صلة بالحوار لـ«البناء» أن لا يتم الالتزام بجدول الأعمال، وأن لا أجندة حقيقية لجلسة اليوم في ضوء ملف النفايات المتفجّر، لا سيما أن رئيس الحكومة تمام سلام ربط مصير الحكومة بحلّ هذا الملف خوفاً من أن يتحوّل صاعق تفجير لها. ولفتت المصادر إلى «أن مصير هذا الحوار بات مرتبطاً بمصير مجلس الوزراء وكلاهما مرتبط بالحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل».
بري: زيارتي السعودية تنتظر..
ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه قوله لـ«البناء» أن «لا معطيات في القريب العاجل في موضوع رئاسة الجمهورية، ولفت إلى أنه يتابع جهوده على إنجاح خيار الوزير سليمان فرنجية الذي يُعتبر الخيار القائم حالياً وأنه في حال عدم إنجاح خيار فرنجية سيبدأ التفكير حينها برئيس من خارج الأقطاب، ويكون أقرب إلى الوسطية ومقبول من جميع الأطراف، لأنه يستشعر خطر استمرار الفراغ الرئاسي ويفضل انتخاب رئيس وإنهاء الأزمة أكثر من بقاء الفراغ».
وأشار بري إلى «أنه لا يزال على موقفه بأن إنجاز الاستحقاق الرئاسي أقرب من أي وقت مضى وأنه يعوّل بذلك على التقارب الإيراني – السعودي لا سيما أن شيئاً ما يحصل في هذا السياق خارج الإعلام في الدوائر المغلقة وعبر وسطاء سيؤثر على الملف اللبناني بشكلٍ سريع الذي هو أكثر الملفات تعقيداً ونضوجاً». وفي سياق آخر، شدّد بري على «أن ما تقوم به السعودية خطأ وهي لا تستطيع الاستمرار في السياسة ذاتها إلى وقت طويل، كما أنه ليس واردة عنده زيارة السعودية في الوقت الراهن إلا في ظل مناخ تفاهم بين طهران والرياض وهو يلمس مؤشرات على هذا التقارب ويرى أن الأمور ليست مغلقة».
وأبدى بري أمام زواره مخاوفه من أي «عمل يقوم به تنظيم داعش وأخواته من عمليات تفجير أو اغتيالات تخرق الاستقرار الأمني السائد في ظل العمل الدؤوب لبعض الجهات في الداخل والخارج على إيقاع الفتنة بين اللبنانيين إلا أن بري مطمئن إلى أن الأمن مضبوط بيد الأجهزة الأمنية التي رفعت من درجة التنسيق بينها».
وفي الاليزية يحضر الملف الرئاسي الذي يشغل الفرنسيين في لقاء رئيس اللقاء الديمقراطي والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. ووفق معلومات الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«البناء» فإن النائب جنبلاط يهدف من زيارته الفرنسية السعي لدى الفرنسيين الطلب من السعودية تهدئة الوضع مع حزب الله، مشيرة إلى تخوّفه من أن يكون شهر آذار شهر الانفجار الأمني والانهيار السياسي». ولفتت المعلومات إلى «أن جنبلاط سيطلب من الفرنسيين تأمين مظلة دولية ضاغطة لإتمام الاستحقاق الرئاسي بانتخاب الوزير سليمان فرنجية أو الوزير السابق جان عبيد».
عون و14 آذار
ودعا عضو تكتل التغيير والإصلاح الوزير السابق سليم جريصاتي في بيان تلاه بعد اجتماع التكتل امس، إلى انتظار كلمة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون المرتقبة في 14 آذار الحالي لأنها توصف وتحدد مساراً للتعاطي مع الوضع الراهن والاستحقاقات، مطالباً بوقف مصادرة الرأي العام اللبناني عبر الذهاب إلى انتخابات نيابية والبلدية في آن معاً. وأكد أن مَن يقاتل داعش يقاتل عدو لبنان والعرب، معتبراً أن مقاومة الإرهاب التكفيري و «إسرائيل» يجب أن تكون محلّ إجماع كلّ اللبنانيين.
على خط آخر رحّبت وزارة الخارجية الأميركية بالقرار الذي اتخذته دول مجلس التعاون الخليجي أخيرًا بإعلان حزب الله تنظيمًا إرهابيًا. وقال نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر إن «الولايات المتحدة ستواصل مشاوراتها مع دول مجلس التعاون الخليجي حول إمكان فرض عقوبات وأي إجراءات أخرى لمواجهة أنشطة حزب الله الإرهابية في المنطقة».. وأوضح أن بلاده فرضت عقوبات خلال هذا العام على ثلاثة أفراد وشركتين لهم علاقات بجماعة حزب الله، ودعا المسؤول الأميركي «الدول كافة إلى إعلان حزب الله تنظيمًا إرهابيًا»، زاعماً إلى أن الحزب لا يزال يلعب دورًا في إثارة زعزعة الاستقرار في المنطقة وممارسة أنشطة إرهابية.
واستبعد مصدر دبلوماسي سابق لـ»البناء أن تقدم الولايات المتحدة مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتصنيف حزب الله منظمة إرهابية، وأكد أن «الفيتو الروسي سيكون حاضراً في أي قرار من هذا القبيل، وبالتالي الولايات المتحدة لن تقدم قراراً كهذا إذا كانت تعلم مسبقاً بأن روسيا ستستخدم الفيتو إلا إذا كان هدفها ودول الخليج حشر روسيا، لكن هذا ليس وارداً في الوقت الحاضر لا سيما بعد التفاهم الأميركي – الروسي على مكافحة الإرهاب في سورية وقرار وقف إطلاق النار الأخير». وأوضح المصدر أن «هناك مشكلة في الأمم المتحدة في تحديد الإرهاب، حتى قرار مجلس الأمن الأخير في ما خصّ الإرهاب لم يحدّد ماذا يعني الإرهاب، بل يحدّد كيف سيتم التعامل معه بينما تحديد معناه متروك للدول الكبرى».
شبكات مخروقة
إلى ذلك برزت أمس، فضيحة الانترنت غير الشرعي في ضوء الشكاوى التي وصلت إلى وزارة الاتصالات عن شركات عمدت إلى تركيب تجهيزات ضخمة في بعض الجرود لأخذ الإنترنت من الخارج، ومن ثم تزويد المواطنين باشتراكات غير شرعية، وأكد النائب حسن فضل الله بعد اجتماع لجنة الإعلام والاتصالات، أن «للأمر بعداً أمنياً ومخاطر حقيقية إذ يمكن أن تكون هذه الشبكات مخروقة من قبل العدو الإسرائيلي».
ورجحت مصادر عسكرية لـ»البناء» أن يكون منشأ هذه الشبكات الخارجية هي قبرص، حيث تؤمن اتصالات بمحطات داخل الأراضي اللبنانية بواسطة ما يُسمّى شبكة «الماكروايف» ومن هذه المحطات يتم توزيع خطوط للمواطنين اللبنانيين، وبالتالي يصبح كل مشترك في هذه الشبكة معرّضاً للتنصت على كافة وسائل الاتصالات التي يستخدمها، سواء كانت من خدمات الشبكة العنكبوتية الإنترنت أو من خلال المكالمات العادية، وبالتالي وسائل الاتصال وهذه معرّضة للمراقبة من خارج لبنان، خصوصاً من قبرص التي هي على اتصال مباشر بإسرائيل».
ودعا الخبير في حقل الاتصالات المدنية والعسكرية محمد عطوي لـ»البناء» إلى عدم الاستخفاف بهذه المعلومات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والشخصية التي تستفيد منها «إسرائيل» بالاتفاق مع قبرص»، وأشار العميد عطوي إلى أن ذلك أيضاً يرتّب خطراً أمنياً وخسارة مالية كبيرة لوزارة الاتصالات المسؤولة الأولى عن هذا الموضوع، وبالتالي عليها التنسيق مع القوى الأمنية ومديرية الاستخبارات في الجيش والاستقصاء والأمن العام للكشف عن جميع المحطات اللاشرعية في داخل الأراضي اللبنانية والطلب من المواطنين تقديم بعض المعلومات لكشف أماكن تواجدها وهي تركب عادة في أعالي الأبنية وتكون موجهة باتجاه قبرص».
ولفت عطوي إلى «احتمال أن يكون جبل الباروك أحد أماكن تواجد هذه المحطات غير الشرعية خارج الأراضي اللبنانية، لا سيما وأن «إسرائيل» قد نشرت منذ سنوات صحوناً لاقطة في مرتفعاته على الخط الفاصل بين لبنان وفلسطين من الناقورة إلى مزارع شبعا لمراقبة الاتصالات الهاتفية الخلوية في لبنان».