في جنيف فليتنافس المتنافسون

مصطفى حكمت العراقي

يبدو أن فرص التقدّم والنجاح في جولة المحادثات السورية في جنيف أكثر ترجيحاً منها الى الفشل فظروف المفاوضات المقبلة مختلفة بكل ما تحمل من معايير وأسس. فالمعارضة السورية التي غادرت ما سبق من محادثات على وقع انتصارات الجيش السوري فاسحة المجال لدعم أميركي سعودي تركي، تعود اليها اليوم مع مجموعة إشارات مباشرة على تراجعات دبلوماسية غربية بالجملة يتجسد أولها بالهدنة التي نجحت في إحراج الفصائل الإرهابية أولاً وأسست الى جدية في المساعي للخروج من الأزمة روسيا وأميركا، كل هذا يضاف اليه نوايا تقارب وتعاون تركي إيراني ملفت لا شك بأنه يضرب على وتر العلاقة الحساسة بين طهران والرياض فتوقع مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية ستيفان دي ميستورا بداية ضعيفة لمفاوضات السلام خلال الأسبوع المقبل فيما يصل المشاركون على مدى أيام عدة لعقد محادثات في لقاءات غير مباشرة، وقال المبعوث الأممي في مقابلة مع صحيفة «الحياة» السعودية: «حسب رأيي سنبدأ في العاشر من الشهر». إذ سنعقد اجتماعات تحضيرية ثم سنذهب في العمق مع كل طرف بشكل منفصل لمناقشة القضايا الجوهرية».

أضاف دي ميستورا أن الشعب السوري وليس الأجانب هو من يقرر مصير الرئيس بشار الأسد وتابع نحن نقول إن من المفترض أن يكون الحل بقيادة سورية وملك للسوريين.

المبعوث الأممي دي ميستورا لا يريد أن يخاطر بعقد جولة مفاوضات جديدة من دون تثبيت الواقع الميداني على الأرض وضمان ألا يكون نقطة تفجير للمفاوضات السياسية والعودة إلى المربع الأول. ولهذا طلب دي ميستورا من الراعيين الرئيسين موسكو وواشنطن العمل على إنجاح اتفاق وقف الاقتتال في سورية.

وهو ما حصل فعلاً ونجح بنسبة كبيرة ما جعل مختلف الأطراف المتنازعة ترضخ لحكم الأرض المتمثل بمحاربة من تم تصنيفه إرهابياً والهدنة مع من دون ذلك بدورها ما يسمى بالمعارضة فقد أكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات رياض نعسان آغا أنه لا يمكن بدء مناقشات جادة قبل إطلاق سراح المعتقلين ورفع الحصار المفروض على عدد من المناطق. وهو ما يمثل عودة لنفس الأسطوانة المشروخة التي تعوّدنا عليها كثيراً في المحادثات السابقة، كما يبدو أنّ المعارضة غير مستعجلة للعودة إلى جنيف ما لم تجهز الأرضية لذلك على عكس دي ميستورا الذي يبدو مستعجلا لإطلاق المفاوضات والاستفادة من الزخم السياسي الروسي-الأميركي المشترك.

خطة دي ميستورا تقوم على تحييد النقاش العسكري في جنيف بمعنى أن وقف الأعمال العسكرية سيستمر. وفي هذا الحال فإن التهدئة العسكرية بين الجيش السوري والمعارضة ستتحول إلى واقع قائم لا يمكن تغييره إلا بعد حدوث اختراق سياسي من شأنه إعادة ترتيب الواقع الميداني وهذا مستبعد الى حد كبير خصوصاً من جانب المعارضة المسلحة بالنظر الى موقفها الآني في الميدان وكذلك مواقف داعميها ومموليها ما يجعلهما راضخين حكماً للتفاهم الروسي الأميركي وهذا ما تم التوافق عليه بين روسيا وأميركا. لذلك فإن الجولة الثانية من مفاوضات «جنيف-3» لن تشهد إعادة الجدل العقيم الذي استمر طوال العامين الماضيين لجهة تحديد الإرهاب ومعرفة أيهما له الأولية المستوى العسكري أم المستوى السياسي لأن الهدنة والقرار الأممي بخصوصها وسيرها على الأرض وضعوا النقاط على الحروف فكل من خرج عنها تتم محاربته تلقائياً وبغطاء أممي أما من التزم بها فالحوار السياسي هو ميدانه وآنذاك كل شخص أو فريق يتكلم بوزنه وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. إن عملية الفصل بين المستوى العسكري والسياسي تتيح للطرفين وللدول الراعية البدء بمناقشة القضايا الجوهرية في كل مستوى على حدة في حين أن القضايا العسكرية ستكون تحت إشراف روسي ـ أميركي مباشر أما القضايا السياسية فستكون تحت إشراف الأمم المتحدة بدعم روسي ـ أميركي أيضاً لهذا السبب يصر المبعوث الأممي على إنهاء أي مشكلة تواجه الهدنة العسكرية وتهددها، قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وهذه الطريقة تسحب البساط من تحت أقدام كل من يحاول أفشال المسار السياسي لحل الأزمة تحت ذريعة خرق الهدنة أو حتى إفشالها لأن الفشل السياسي لا يمكن تعويضه في ساحة القتال التي أُقفلت هذه المرة خصوصاً من جانب المعارضة المسلحة فحل القضايا العالقة يتم عبر الحوار والتفاهمات الدولية والإقليمية. كما أن تكلفة خرق هذا التفاهم الروسي ـ الأميركي الذي ترجم بقرار دولي 2268 ، ستجعل من قام بالخرق وبالأخص المعارضة المسلحة خارج اتفاق الهدنة وسيتلقى ضربات عسكرية قاسمة وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في معرض رده على الإجراءات الخاصة بكشف الحوادث وانتهاكات اتفاق وقف الأعمال القتالية. أما الأطراف الإقليمية المعنية في ما يحصل في سورية، فإن حراك الالتحاق بمركب التفاهم الروسي الاميركي مستمر خصوصاً مما كان يرفع لواء العداء لسورية ويطالب بإسقاطها بكل الوسائل تحت ذريعة إسقاط النظام فتركيا التي تبجحت مراراً وتكراراً بأنها لن تقبل بالأسد رئيساً في سورية وعملت ولا تزال تعمل على إسقاطه بكل ما أوتيت من قوة، نجدها اليوم تقف حائرة على أبواب طهران الداعم الأول للرئيس الأسد وهي تعلم وتعي أن دعم الجمهورية الإسلامية لسورية هو استراتيجي ووجودي بالنسبة الى طهران قبل دمشق وأنها لم ولن تفرط في هذا الدعم تحت أصعب الظروف والمواقف لذلك فمن البديهي أن يتعزز هذا الدعم في وقت اليسر والانفراج لطهران، وهذا ما تجلى في زيارة داود أوغلو الى طهران، إذ قال أوغلو ان تركيا لن تسمح بتقسيم سورية لدويلات صغيرة، مضيفاً أن إيران الى جانب تركيا في هذا التفكير واعتبر أن إيران لها سياسات مختلفة عن تركيا تجاه الأزمة السورية، إلا أن العلاقات التركية الإيرانية بخصوص المجال التجاري مستمرة. يحاول رئيس الوزراء التركي أن يعود بحكومته الى الواجهة في الملف السوري بعد أن تم إخراجهم منه بشكل كبير، خصوصاً بعد التدخل الروسي وحصول التفاهم مع واشنطن التي طعنته في الظهر مجدداً في الملف الكردي وكذلك رفضها المشاركة أو التغطية على أي توغل عسكري بمشاركة الرياض وأنقرة في سورية وصولاً الى تطبيق الهدنة التي استثنت جناح تركيا الخاص في سورية والمتمثل بجبهة النصرة، وهو ما أدى الى العودة لطرق أبواب طهران لأنها المنفذ الأخير إن أرادت تركيا الدخول مجدداً بشرط المساهمة في الحل لا تعميق المشكلة كما كان ولا يزال دور أنقرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى