جنيف 3 بين جولتَيْ تفكيك العقد الإقليمية والانطلاق للتسويات السياسية

سعد الله الخليل

مع الإعلان عن الجولة الثانية من النسخة الثالثة من محادثات جنيف حول الأزمة السورية والتي أعلن المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا انطلاقها الاثنين المقبل والتي ستستمر حتى الخامس والعشرين من الشهر الحالي، يكون قد مضى على قرار وقف العمليات العسكرية خمسة عشر يوماً.

بعكس الجولة الأولى، تبدو أجواء جنيف مثيرة للتفاؤل بإمكانية المضي في المحادثات لمراحل متقدمة من العمل السياسي في سورية، بما يعكس المتغيرات في المشهد السياسي بين الجولتين، رغم أنّ المدة الفاصلة بينهما لا تتعدى الخمسة والأربعين يوماً.

بدءاً من التصريحات العلنية وانتهاء بالتسريبات عن توافقات دولية ومساعٍ إقليمية لرأب الصدع بين الدول الفاعلة على الساحة السورية بما يصبُّ في خانة تمكين قرار وقف إطلاق النار الذي يبدو أنه ما زال يحظى بقبول ورضى القوى الدولية الكبرى في واشنطن وموسكو والقوى الموقعة عليه. ولعلّ إعلان دي ميستورا أنّ النتائج فاقت التوقعات، في إشارة إلى المراهنين على سقوط القرار أو الساعين إلى إسقاطه وضرورة إعادة حساباتهم بعيداً عن تلك الفرضية.

في كلام دي ميستورا الصريح بأنّ المحادثات المقبلة في جنيف ستركز على تشكيل حكومة وطنية في سورية والانتخابات وتعديل الدستور ما يُسقط مشروع جماعة الرياض بالعودة إلى المطالبة بفترة انتقالية، تقودها هيئة حكم انتقالي، ما يضعهم ضمن خيارات إما التسليم بالأمر الواقع والتفاهم الروسي ـ الأميركي والمضي في مشروع الطرح الذي أعلنه دي ميستورا أو الانسحاب السريع من المفاوضات، ما يثبت صحة ما سُرّب عن صفقة جماعة الرياض مع تنظيم «جبهة النصرة» والتي تتضمن قبول «النصرة» منح مواقع انتشارها لتشكيلات القوى المشاركة في جنيف، ما يضمن لـ «النصرة « قدراً من التهدئة العسكرية مُقابل تعهُّد وفد الرياض بجعل سقف التفاوض تشكيل هيئة حكم انتقالي والتزام الانسحاب من التفاوض بخلاف ذلك وإلا تصفي «النصرة» المواقع المحدودة للرياض في مناطق سيطرتها والتابعة لتشكيلات الرياض. وأمام هذه المفاضلة تأتي أهمية التفاهمات الإقليمية التي يبدو أنّ الحراك الديبلوماسي الروسي ـ الأميركي قد أمّن لها الأرضية المناسبة، فتصريحات رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو عن صفحة جديدة في التعاطي مع الملف السوري ومع طهران تؤشر إلى نجاح بالون الاختبار الروسي الذي أطلقه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي رباكوف عن الفيدرالية في سورية والخشية التركية من انتقال الوصفة إلى تركيا. وفي هذا السياق، يأتي إعلان الجيش التركي إنهاء عملياته ضدّ حزب العمال الكردستاني في منطقة سور في ديار بكر جنوب شرق البلاد، بالتزامن مع انطلاق الجولة الثانية من محادثات جنيف.

وعلى الضفة الأخرى من المشهد الإقليمي، تزامن الإعلان السعودي عن هدنة على الجبهة اليمنية مع تسريبات حول مفاوضات تجري مع جماعة «أنصار الله» بعد مرور عامين على «عاصفة الحزم» السعودية من دون أن تحقق المملكة أي من النتائج التي أعلنتها المملكة، وبعد أن تحولت الغارات السعودية إلى نقاط سوداء في سجلها الدولي والإنساني، فجاءت نتائج القصف عكسية على الأرض وفي المحافل الدولية، ما يضع التسوية السياسية في خانة المخارج المُشرِّفة للمملكة وتضع الحرب في اليمن على سكة الحلّ مقابل منح «أنصار الله» شرعية دولية، كمفاوض رئيسي في صورة تعيد إلى الذاكرة حضور الحكومة السورية في ملتقى جنيف 2 بعد سنوات الحرب عليها وشعارات إسقاط شرعيتها.

قبل انطلاق الجولة الثانية من محادثات جنيف 3 تبدأ عملية فكفكة العقد السورية واليمنية من بوابات الهدنة اليمنية ووقف إطلاق النار السوري، فالجولات النهائية للتفاوض بحاجة إلى الهدوء بعيداً عن أزيز الرصاص لتتمحور المعركة ضمن مساري الحرب على تنظيمات «داعش» و»النصرة» في سورية و»القاعدة» في اليمن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى