ما الذي يجب أن يُسفر عنه وقف إطلاق النار في سورية؟
ارتأينا نشر هذا التقرير، كي يدرك القارئ مدى الحقد الذي تلعبه الصحافة الأميركية، لتتماشى مع هزائم البيت الأبيض في الشرق الأوسط، وتمدّه بجرعات سريعة من محاولات خسيسة أضحت معروفة لدى القاصي والداني. هذا التقرير يروّج لتقسيم سورية كي يتسنّى «للقوى الدولية» أن تقضي على الإرهاب المتمثل بتنظيم «داعش». وطبعاً، لا تتبنّى «البناء» ما يرد في التقرير، إنما ارتأت نشره كي يكون القارئ على بيّنة إزاء ما يحاك ضدّ سورية.
أورد موقع «ميدل إيست بريفينغ» الأميركي المتخصّص في الدراسات الشرق أوسطية، تقريراً يناقش عملية وقف إطلاق النار في سورية، وما يمكن أن تسفر عنه وفق الوضع الحالي لجميع الأطراف، إذ يرى التقرير أن الموقف الأميركي ضعيف للغاية حتى الآن، وأبعد ما يكون عن اتخاذ قرارات حاسمة لمستقبل الصراع.
يرى التقرير أنه يمكننا القول إن الحرب في سورية على الأرض يمكن تلخيصها في مثلث واضح: الأسد، ومجموعات «المعارضة المسلحة»، وتنظيم «داعش». يقاتل الأسد ضلعَي المثلث الآخرين، «المعارضة» وتنظيم «داعش»، في حين يدرك تماماً أن سيطرة تنظيم «داعش» في بعض المناطق تجبر العالم على الوقوف إلى جانبه في نهاية المطاف. قوات «المعارضة» أيضاً لا تكتفي بقتال الأسد فقط، بل تقوم بتوجيه الضربات إلى تنظيم «داعش»، وهو ما يقوم به التنظيم أيضاً، حيث تتركز ضرباته على كل من قوات الأسد وقوات «المعارضة».
أدى الصراع المحتدم بين أضلاع ذلك المثلث إلى دخول الكثير من القوى الخارجية لأرض المعركة، يحمل كل منهم أجندة مختلفة، قد تختلف حتى عن أهداف الأطراف الثلاثة بالكامل. ربما تبدو ملامح نهاية تلك اللعبة أكثر وضوحاً حالياً: الغرب السوري للأسد وحلفائه الروس والإيرانيين وحزب الله، أما بالنسبة إلى الشرق، فتسيطر عليه «المعارضة» والعرب وتركيا، وتعدّ تلك هي الخطة البديلة في حال فشل وقف إطلاق النار الحالي، حيث سيسعى كل طرف من الأطراف الخارجية لمحاربة الإرهاب وإيقاف تدفق اللاجئين في المنطقة التي يسيطر عليها هو وحلفاؤه. ربما يكون من المبكر الحديث حول نجاح وقف إطلاق النار أو فشله، إلا أن المؤكد أنه لن يكون حلّاً لهذا الصراع، إلا أنه سيساعد على فهم طبيعة الصراع أكثر وأكثر، ومعرفة أي الأطراف المتنازعة أكثر التزاماً بالاتفاقات، وفق رؤية الكاتب.
في تصريح لـ«ميدل إيست بريفينغ»، قال فريد هوف ـ المستشار الخاص السابق للبيت الأبيض لشؤون الانتقال السياسي في سورية ـ إن الولايات المتحدة ينبغي عليها المساهمة في تشكيل ما سمّاه بـ«تحالف الراغبين»، وهو عبارة عن تحالف يضم القوى العالمية المستعدة للتدخل في الصراع السوري من خلال قوات برية، وأن تقود الولايات المتحدة هذا التحالف لقتال «داعش» على الأرض. فيما يرى أن تلك هي الفرصة الأفضل بالنسبة إلى الدول العربية لمواجهة بشار الأسد وإحداث التوازن السياسي المطلوب بعد القضاء على «داعش».
بينما تبدو الفكرة منطقية، إلا أنها قد تكون مستحيلة التنفيذ، حيث يرفض حلف الناتو الفكرة حتى الآن، فيما يتوعد بوتين بقصف تلك القوات المزعومة، في الوقت الذي أعلن فيه الأكراد أنهم سيقاتلون تلك القوات إن كان من ضمنها تركيا، في حين أن تركيا بالتأكيد ستكون شريكاً أساسيّاً في حال تكوين مثل هذا التحالف. من المؤكد أيضاً أن قوات الأسد ستقوم بمحاربة ذلك التحالف، حيث يقول هوف إن ردّ فعل وزير الخارجية السوري وتعليقه حول إعلان السعودية المشاركة في الحرب بريّاً يظهران تماماً مدى رفض نظام الأسد هذا الخيار. يدعم هوف أيضاً فكرة التفاوض السياسي غير المشروط حفاظاً على المدنيين ورأفةً بهم من تلك المجازر التي تتكرر يوميّاً، إلى أن تتضح الأوضاع على الأرض مع مرور الوقت.
كان هوف قد حذر بشكل واضح من هدف بوتين المعلن لإجبار أوباما على التراجع عن الرأي الذي تمسك به طوال تلك الحرب والمتعلق بالرحيل الفوري للأسد، وهو ما نجح فيه بالفعل، حيث اضطر أوباما للتخلي عن تلك الفكرة، إلا أن السؤال الحالي بالنسبة إلى هوف هو: ما المدة التي سيُترك فيها الأسد في السلطة؟
أحد المسؤولين الأميركيين أيضاً صرح لـ«ميدل إيست بريفينغ» ـ طلب عدم الإفصاح عن اسمه ـ بأن فكرة استمرار الأسد على رأس السلطة في سورية لفترة ما، يجب عدم استبعادها، إلا أنه رفض الحديث عن طول تلك المدة، حيث يرى أنه من المبكر جدّاً تحديد أي جداول زمنية، وأن الأحداث هي ما ستحدد ذلك، فيما يرى أن الإدارة القادمة للبلاد هي من ستحدد مستقبل سورية.
على الجانب الآخر، ترى الدول العربية أنها أثبتت حسن نيتها حتى الآن في ما يتعلق بالأزمة السورية، خصوصاً مع ضغطهم على «المعارضة» لقبول وقف إطلاق النار الحالي.
في الوقت نفسه، ما زال الأسد يواصل سياسته أملاً في استعادة السيطرة على البلاد بالكامل. بدأت إيران أيضاً تقليص أعداد ضباط الحرس الثوري في سورية بالتزامن مع وجود قوات من حزب الله وبعض المنظمات الشيعية من دول أخرى ستلعب الدور نفسه تحت إشراف مجموعة تابعة للحرس الثوري في دمشق أيضاً، ما يعكس بوضوح أن تلك الحرب لن تنتهي في المستقبل القريب، خصوصاً مع تكديس تركيا أعداد كبيرة من المقاتلين والمدرعات ووحدات المدفعية على الحدود السورية.
الهدف بالنسبة إلى روسيا مختلف قليلاً، حيث تسعى روسيا من خلال هذه الحرب إلى إثبات وضعها الدولي، وإجبار جميع القوى العالمية على التعامل معها كلاعب أساسي في الساحة العالمية. يرى المسؤول الأميركي المشار إليه سابقاً أن الحديث عن وجود تعاون أميركي روسي في سورية أمر مبالغ فيه للغاية، وأضاف أن ما يحدث مجرد تنسيق بين الجانبين لتجنب وقوع حوادث عسكرية، إضافة إلى السعي إلى التوصل لاتفاق يقضي بوقف الأعمال العدائية، ويفتح الطريق أمام مفاوضات وحلول سياسية لتخفيف معاناة المدنيين.
وفق «ميدل إيست بريفينغ»، فإنه إذا أردنا الحديث الآن عن الصورة العامة للوضع، فيمكننا تلخيصها في تلك النقاط المركزة:
وفق الوضع الحالي، أصبح عمل الولايات المتحدة بالتنسيق مع بوتين أمراً لا مفر منه، حيث إن الخيار الآخر سيمحي أي استراتيجية حقيقية في سورية، في حين تثبت إدارة أوباما مراراً وتكراراً مع تطور الأزمة أنها بلا خطة أو استراتيجية واضحة من الأساس. المشكلة لا تكمن في عدم قدرة البنتاغون على وضع هدف واضح والعمل عليه بشكل واضح ومباشر، بل إن المشكلة الحقيقية هي في القيود الصارمة التي يفرضها البيت الأبيض على كل من الأهداف المرغوبة من الحرب، والوسائل المتاحة للوصول إلى تلك الأهداف.
الاتجاه الأوضح حالياً في سورية هو التقسيم الفعلي للبلاد، فالولايات المتحدة نتيجة لقيود البيت الأبيض وضغوط الحلفاء الأوروبيين- اضطرت لتبني فكرة كون تنظيم «داعش» الإرهابي ضلعاً أساسياً في مثلث الصراع السوري، وأنه لا يمكن عزله بشكل كامل من الوضع السوري في المستقبل القريب.
في «سورية المقسّمة»، سيكون القتال ضدّ «داعش» فقط، حيث ستكون طريقة أفضل لتوجيه كل الجهود وتمهيد الطريق لقوات دول إسلامية للقضاء على التنظيم، وهو لا يريده كل من الأسد وروسيا، في حين يرى هوف أنه من الضروري أن تتدخل الولايات المتحدة في تلك النقطة لإجبارهما على عدم التدخل في قتال تلك القوات لـ«داعش» في الشرق، إلا أنه يرى أن الإدارة الأميركية لا تستطيع القيام بهذا الدور وفق المعطيات الحالية.
المشكلة الأخرى في هذا السيناريو هي تركيا، إذ إن أنقرة لها هدفان واضحان في تلك الحرب، وهما مقاتلة حزب العمال الكردستاني، وإجبار الأسد على التخلي عن السلطة، فيما تقوم بالموازنة بين الهدفين وفق الأحداث الجارية، إلا أن انتشار مجموعات تابعة لحزب العمال الكردستاني على الحدود التركية أضاف المزيد من الضغط على الأتراك. من هذا المنطلق، سيكون من المستحيل عملياً أن تتوقف تركيا عن قصف القوات الكردية في الشمال السوري وتتوجه لقتال «داعش».
وفق الوضع الحالي، يرى الموقع أن رأي هوف قد يكون صحيحاً في ما يتعلق بتحالف الراغبين، والذي يهدف لتكوين تحالف دولي بري يقوم بالقضاء على «داعش» تماماً، حيث سيتحول الغرب السوري إلى مكان آمن ومستقر نوعياً للعيش بالنسبة إلى المدنيين، كما ستتمكن «المعارضة» من تكوين حكومتها وإدارة المنطقة.
على الجانب الآخر، لا يمكن أن نغفل الوضع المتذبذب بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، ووجود تركيا في المعادلة، وعدم تحديد حلف الناتو موقفاً واضحاً في شأن الأمر، إضافة إلى قبول الأوروبيين باستمرار الأسد مقابل التخلص من أزمة اللاجئين، مع استمرار رفض الأسد خطط التقسيم وتدخل إيران وجهات أخرى في القرار السوري، وهو ما يجبر واشنطن ـ وفق «ميدل إيست بريفينغ» ـ على اتخاذ سياسة تقوم على الآتي:
إعلان شرق سورية كمنطقة النزاع الرئيسة، والتي ستقوم فيها القوات التابعة للدول الإسلامية بدعم من الناتو بقتال وهزيمة «داعش».
تكوين قوة متعددة الجنسيات للقتال على الأرض، ويكون مقرها تركيا لتتجه شرقاً نحو سورية.
الوصول إلى اتفاق بين الأكراد وتركيا لتخفيف حدة الصراع بينهما إلى أقل قدر ممكن.
الوصول إلى اتفاقية مع موسكو حول إيجاد منطقة منزوعة السلاح في شمال غرب البلاد ولتكن في إدلب على سبيل المثال ، لتكون ملاذاً آمناً بالنسبة إلى المدنيين، وإخلائها بشكل كامل من المجموعات المسلحة.
محاولة التوصل إلى اتفاقات تهدئة بالتوازي مع كل تلك الخطوات، وأن يكون الهدف الأساسي هو وحدة الأراضي السورية تحت حكم شرعي شامل، وهو ما يتطلب حلّاً سياسياً بالتأكيد، سواء كان ذلك حالياً أو في وقتٍ لاحق.
إذا كان الروس غير قادرين على كبح جماح الأسد وانتهاكاته لوقف إطلاق النار، ينبغي استخدم بعض منظومات الدفاع الجوي المحمولة من شرق سورية لإيقافه.
يلخص التقرير الوضع الحالي في أن الحفاظ على الهدنة لا يمكن أن يقوم به طرفٌ واحد، وأنه يحتاج إلى استراتيجية كبرى وتعاون بين الأطراف والدول لتحقيقه، وأن وقف إطلاق النار في حدّ ذاته إن لم يكن في سياق هدف أكبر فلن يستمر بالتأكيد، حتى وإن كانت الاستراتيجية تقوم على ترك غرب سورية لبوتين والتركيز على الشرق لقتال «داعش»، وأن تسعى الولايات المتحدة أيضاً على هامش ذلك لنزع فتيل الصراع في المنطقة. كما يضيف التقرير أن موقف واشنطن الواضح سيكون عامل الحسم في تلك الحرب، وهو ما يغيب عن المشهد حتى الآن.