نتنياهو حائر

مصطفى حكمت العراقي

شهدت العلاقات الأميركية «الإسرائيلية» توتراً جديداً تزامناً مع وصول نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الى «إسرائيل» مع إعلان رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو نيته عدم التوجه الى واشنطن ورفضه لقاء الرئيس باراك أوباما وكان البيت الأبيض قد أعلن أن نتنياهو طلب موعداً من الرئيس الاميركي، وعندما صدرت الموافقة عليه وتحدد موعد اللقاء كان الجواب «الإسرائيلي» بأن رئيس الوزراء ألغى الزيارة في قرار «فاجأ» واشنطن. زيارة نتنياهو واشنطن كانت لتتزامن مع المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية ـ «الإسرائيلية» إيباك ، والتي تمثل أكبر لوبي مؤيد لـ «إسرائيل» في الولايات المتحدة وهي مناسبة اعتاد نتنياهو على المشاركة فيها خلال السنوات الماضية ولكن الآن وبعد أن تم إلغاء الزيارة تشير الاحتمالات الى إمكانية أن يقوم نتنياهو بإلقاء كلمته عبر الشاشة للمشاركين في هذه الندوة. موعد حصول الزيارة وأسباب إلغائها تضاربت بين البلدين وهو يوحي بحجم غياب التنسيق والخلاف الحاصل بينهما، إذ قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي نيد برايس أن الحكومة «الإسرائيلية» طلبت من البيت الأبيض تحديد لقاء لنتنياهو مع أوباما يوم 17 أو 18 آذار فاختارت الرئاسة الأميركية يوم 18 وأبلغت الحكومة «الإسرائيلية» بذلك قبل أسبوعين، وأضاف كنا نتطلع لاستضافة هذا الاجتماع الثنائي حين فوجئنا بنبأ وردنا أولاً عبر الإعلام بأن رئيس الوزراء عوضاً عن أن يقبل دعوتنا قرر إلغاء زيارته وهو دليل آخر على مدى الخلاف الحاصل بينهما. «إسرائيل» بدورها بررت قرار نتنياهو برغبته في ألا يبدو وكأنه يتدخل في الانتخابات التمهيدية الأميركية، وهو تبرير يدعو الى السخرية الى حد كبير، فإن كان نتنياهو قد طلب مسبقاً حصول اللقاء وتم إبلاغه بالموعد فهل لم يكن يعرف حينها أن الولايات المتحدة تعيش صراعاً انتخابياً محتدماً منذ فترة. صحيفتا «هآرتس» و«يديعوت أحرونوت» ربطتا حصول الحادث بالمحادثات الجارية بشأن تجديد اتفاق المساعدة العسكرية الأميركية لـ «إسرائيل». وقالت «يديعوت أحرونوت» إن أوباما كان سيقوم باستغلال المحادثات مع نتنياهو لمحاولة إقناعه بتوقيع اتفاق حتى لا يبدو في موقع الرافض منح أموال حين يتعلق الأمر بأمن «إسرائيل»، في حين أن نتنياهو يفضل من جانبه التعامل مع الرئيس المقبل… إلى ذلك كشفت تقارير أميركية بأن البيت الأبيض ينوي البحث في عودة المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية قبل نهاية ولاية أوباما بعد أقل من سنة وذلك وفقاً لتقرير نشرته مجلة «الوول ستريت جورنال»، نقلاً عن مصادر أميركية رفيعة. وجاء في التقرير أن هذا قد يشمل صدور قرار عن مجلس الأمن يعرض الخطوات المطلوبة قبل الاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين، واستناداً لهذه المصادر تجري في واشنطن محادثات داخلية في شأن اقتراح خطة لمحادثات مستقبلية بين «إسرائيل» والفلسطينيين من أجل دفع مبادرة السلام التي لم تستطع أن تحرز تقدماً خلال ولايتي الرئيس أوباما. ووفقاً لأحد السيناريوات التي عرضتها الصحيفة الأميركية بأن الولايات المتحدة ستضغط على «إسرائيل» لوقف البناء في المستوطنات والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وهذا مطلب فلسطيني أساسي. كما سيطلب من الفلسطينيين الاعتراف بـ «إسرائيل» دولة يهودية وإنهاء مطالبتهم بعودة اللاجئين. الصحيفة قالت إن مكتب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» رفض التعليق على هذه الخطط فيما نقلت عن حسام زملط مساعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ترحيبه بأي خطوة لأوباما في هذا الاتجاه، مضيفاً أنه في الأشهر العشرة المقبلة إما أن ينقذ أوباما حل الدولتين أو أن يدفنه على حد تعبيره. هذه النقاشات داخل البيت الأبيض تأتي بالتزامن مع زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فلسطين المحتلة وهو ما يبرر حصول هذه الجولة لبايدن بالرغم من الخلاف المتصاعد بين واشنطن وتل أبيب إذ وصل بايدن إلى تل أبيب قادماً إليها من دولة الإمارات في زيارة التقى خلالها الرئيسين «الإسرائيلي» رؤوفين ريفلين والفلسطيني محمود عباس، إضافة إلى نتنياهو ومن المقرر أن يزور الأردن بعد اختتام لقاءاته في تل أبيب ورام الله ليجتمع إلى الملك الأردني عبد الله الثاني. إذ من المقرر أن يبحث بايدن في تل أبيب مسألتَي المعونة العسكرية السنوية والتسوية مع الفلسطينيين ولكن ما حصل مؤخراً من تطورات بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما توحي بأن الاتفاق، خصوصاً على مسألة المعونة العسكرية قد لا ينجز أثناء هذه الزيارة كما أن الآمال التي كانت تعلقها «إسرائيل» على إنجاز هذه المسألة وإتمامها في لقاء مع أوباما على هامش انعقاد مؤتمر إيباك ، يبدو أنها تبددت إذ أشارت أوساط أميركية عديدة الى أن واقع الاقتصاد الأميركي المتراجع تملي على أي إدارة أميركية جديدة بأن لا تزيد المعونة السنوية لـ «إسرائيل» بأكثر مما أبدت إدارة أوباما استعدادها لتقديمه، إلى ذلك فإن بايدن سيحاول إقناع نتنياهو بالقبول بما تعرضه إدارة أوباما عليه كرزمة مساعدات للفترة المقبلة. العلاقات الأميركية «الإسرائيلية» تمر في أزمة ومرحلة توتر جديدة قديمة خصوصاً بعد أن تم توقيع الاتفاق النووي مع إيران وبدء تطبيقه لكن هذه الأزمة يمكن اعتبارها تشنجاً أو خلافاً بين حلفاء كما أنه خلاف ناتج من الاختلاف في كيفية دعم الكيان الصهيوني، فالهدف هو دعم «إسرائيل» والخلاف في الطريق المؤدي الى ذلك، أما ربط ذلك فيما يحصل من صراع انتخابي في الولايات المتحدة إذ يختلف الحزب الديمقراطي عن الجمهوري بأن النهج الديمقراطي في دعم «إسرائيل» هو إضعاف العدو المفترض لـ «إسرائيل» بطريقة الحرب الباردة أو الحرب بالوكالة، وهو ما تجلى عملياً في فكرة إنشاء داعش أو ما يسمى بثورات الربيع العربي وهو ما اعترفت به صراحة المرشحة الديمقراطية الأبرز هيلاري كلينتون أما التيار الجمهوري، فينشط ويؤمن بنهج زيادة دعم «إسرائيل» وتقويتها عسكرياً بشكل خاص لذلك يحاول نتنياهو تأخير النقاش حول ملف المساعدات العسكرية الى ما بعد معرفة سيد البيت الأبيض المقبل. في المجمل فإن إدارة نتنياهو تبدو وكأنها حائرة في منتصف الطريق فلا يمكنها أن تحصل أكثر مما حصلت عليه من إدارة أوباما، أما من سيأتي مستقبلاً لرئاسة الولايات المتحدة فالمؤشرات محصورة بين كلينتون الديمقراطية التي لن تخرج كثيراً عن سياسة أوباما الحالية والتي أوصلت الخلافات بين واشنطن وتل ابيب الى هذا الحد أو سيكون المرشح الجمهوري الأبرز ترامب والذي يوصف بأنه رجل بوتين في الولايات المتحدة بعد أن قام القيصر الروسي بتفضيله لأن يكون الرئيس المقبل وهو ما يوحي بأن ترامب الجمهوري لن يكون كسابقه جورج بوش بالنسبة الى السير خلف سياسة تل أبيب، لهذا فمن الممكن القول بأن نتنياهو لو وجد مرشحاً يمكنه التعويل عليه ولديه قاعدة شعبية كافية في الولايات المتحدة تؤهله لأن يكون رئيساً لقام بالزيارة ودعمه علناً كما حصل سابقاً مع المرشح الجمهوري ميت رومني الذي وقف نتنياهو معه بوجه أوباما.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى