كلام بِسرِّكم
بلال شرارة
أزعم أنني أعرف لغة الأطفال والعصافير والفراشات والورود والأزاهير، وأنّ أحدهم لمحني في الوادي أحادث تينة خرساء ما لمح راوية شيطان فيكتور هيغو في قصته عمال البحر جوليت – بطل القصة – وهو يصافح صخرة تغني .
أنا أزعم أنّ كلّ ما أتمناه أن أكون، أو ما أحبّ أن أفعل، ولكن من جملة مزاعمي أنني أرى بعيداً إلى الأمام ليس كمثل زرقاء اليمامة فحسب، وليس كمثل الذين يقرؤون كفّ المستقبل أمام عدسة التلفاز أقصد الذين يملكون مواهب استراتيجية فحسب بل مثل أولئك الذين يرون حدثاً جللاً كما صعود البحر إلى البرّ «تسونامي» أو طوفان أقلّ من طوفان نوح بقليل، إذ تبقى مساحة لأجلس عليها وأمد رجلاً فوق رجل.
إني أرى في ما أرى – بالإذن من المحللين الاستراتيجيين عندنا -أرى مدناً عربية جديدة تشتعل، وأرى حرباً يستمرّ العدو خلالها أياماً طويلة وهو يدفن قتلاه ! وأرى بركاناً من نار يشتعل في مضائق الدردنيل والبوسفور، وأرى في ما أرى أنّ مياه الشفة ستعود لتنقطع من عندنا في الضيعة لا أقصد عيار الماء عندنا في المنزل ولا تحويلة الماء المؤدّية إلى الحيّ بل إنّ الماء تنقطع عن عموم البلدة كالعادة منذ الاستقلال ، وأرى أنّ انقطاع الكهرباء الرسمية سيستمرّ، وأنّ كهرباء الاشتراك ستتعزز في نظامَي الكونفيدراليات والفيدراليات المقبل، وأنّ البلديات والأحزاب ستغطي مهمة الحراسة والكناسة بمناسبة الانتخابات البلدية.
أزعم أني أراكِ في كلّ حركاتك وسكناتك، خصوصاً أنت الجميلة إلى حدّ لا يصدّق، وأنك فوق ذلك تجلسين أمام المرآة لتتجمّلي أكثر وأرى عينيك تزوغان – تدوران في محجريهما، إذ ربما أنت ترسليهما ليبحثا عني.
أنا، أقول لك لا تفعلي، فأنا أطرق عليك باب القلب كما كنت أفعل منذ شبابي، عندما كنت هائماً بك، ولا أعرف بالحب ! . لو كنت يا امرأة أعرف في هذا العلم البشري الغريزي، لو كنت أعرف كيف أعبّر عن نفسي كشجيرة لوز تزهر الآن في حدائق منازلنا الأمامية، آه لو كنت أعرف لأغلقت عليك باب الكرم المؤدّي إلى التوتة، حيث كنا نتأرجح دون قصد وتأرجحت وإياك حتى تغرب الدنيا .
أزعم أنه في ذلك اليوم كانت أمي ستبحث عني لتعطيني عصرونيتي – لفلوفة – الزيت والزعتر اليابس والبصل ، كانت ستبحث عني لتغمرني ولتسأل الله أن يحفظني لها.
أنا لم أكن لأحمّلها هذا الهمّ، فأنا أسعى كلّ يوم لأكسب رضاها، ولكن أنت ذهبت مع فارسك على غير عناية أو محبة أو معرفة منك. وقد تغرّبت كثيراً، وأنجبت كثيراً وتعبت كثيراً في حياتك، ولكنك لا زلت أجمل من اجتماع زنبقاتي وتفتحهن في حديقة الدار.
سأبقى وأنت طليقة وتقعين على بعد كلّ هذه البحار حبيسة في قلبي، إذ إني أرى أننا سنجتمع ذات ربيع! أزعم أنّ حبل الغربة لن يمتدّ أكثر، إذ إنه لم يعد هناك من أوطانٍ لاستقبالنا، فقد تصاعدت الأزمات إزاء الهبوط الحادّ لأسعار النفط ومشتقاته وأسعار الذهب والبورصة والكاكاو والقهوة والفستق الحلبي وتدهورت أسعار التمر وأصبح القمح، لولا أني أملك بعض سنابل في الوادي – أصبح – يُباع في السوق السوداء، ثم أني سأزور أوروبا، أنا أزورها ليس فيها إلا البرد والكهرباء دون انقطاع ومطاعم ايطالية وهمّ الناس هنا في أوروبا ليس عندهم من حديث سوى عن النازحين السوريين والتعبير عن قلقهم من عمليات إرهابية متوقعة.
أنا أضحك من أنّ عليهم أن يعيدوا إلينا أجزاء من ثرواتنا المنهوبة خلال عصر السيطرة الاستعمارية والانتداب، والتي أخذوها منا كتعويض عن تدمير ألمانيا لبلادهم خلال الحرب الكونية الثانية، ونحن ليس لنا يد أو رِجل في هذه الحرب، والآن كلّ العالم يمسحون فينا الأرض ويعمّرون عندنا من جديد القواعد العسكرية والمخافر، وغداً عندما يختلف أحد منا مع زوجته سيتدخّل تحالف جوي ما لإنهاء المشكلة وربما سيحتاج إلى تدخل عسكري.
أرى بعد قليل من الآن أنّ زنابق ليلكية ستتفتح في حدائق الدار، وأنّ كلباً سيعوي بالمقلوب الليلة، وأنّ بومة ستقف على عراء الشجرة، وأنّ العجائز سيتزاحمن إلى الموت في شباط.