التحوّلات الأميركية.. ملاعب غولف!؟
نظام مارديني
هل «اقتنعت أليس أن لا شيء، أو لم يعُد هناك من شيء مستحيل في حقيقة الأمر»؟
تعتبر هذه القناعة التي يوردها لويس كارول في تلك القصة الرائعة والملهمة «أليس في بلاد العجائب»، المدخل الأساسي لفهم التحولات الأميركية، ففي السياسة تغلب المصالح على مصطلَحَي الصداقة والعداوة. ما كشفه الرئيس الأميركي باراك أوباما كانت أشبه بالصعقة التي تحفِّز القارئ والمستمع على اتباع كل السبل لفهم هذه التحولات، وإجراء مسح إشعاعي للعقل الأميركي، كمقدّمة لمنع تغوُّل هذه القوة والحدّ من أحلامها الوحشية المدمِّرة في بلادنا.
فقد شنّ أوباما هجوماً كبيراً على حلفاء أميركا، الأوروبيون منهم والخليجيون، واعتبرهم «قوى جامحة» تتطلع إلى جر الولايات المتحدة إلى صراعات طائفية طاحنة لا تمتّ بصلة للمصالح الأميركية. مؤكداً أن دعمه للتدخل العسكري الذي شنَّه حلف شمال الأطلسي في ليبيا كان «خطأ»، نتج في جزء منه عن اعتقاده المغلوط بأن بريطانيا وفرنسا ستتحمل المزيد من عبء العملية.
يريد أوباما أن يترك البيت الأبيض دون التورط في حروب جديدة شائكة في الشرق الأوسط قد تقع الولايات المتحدة في شركها لسنوات طويلة قادمة، وهو ما منعه من التورط في هجمات عسكرية لإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عام 2013.
تُعدّ التناقضات المتفاقمة في الإدارة الأميركية انعكاساً لسلوكها غير المتوازن في هذا «الشرق العربي» الممزّق الذي بات فيه الدور الأميركي متخبطاً ومتردّداً وأقل نفوذاً من ذي قبل كما أعطت عدم قدرة إدارة أوباما على تبنّي سياسات واضحة في المنطقة التي تعجّ بالأزمات مجالاً لكثير من سوء الفهم، بخاصة من جانب السعودية وحلفائها الخليجيين كالبحرين وقطر، حيث تجاوزت أفعالهم قاماتهم الحقيقية من خلال تدخلهم في شؤون الآخرين، بخاصة حيال ما يفعلونه والدور السافر لهم في دعم الإرهاب وتأجيج الصراع في سورية، وهو ما سبّب إشكالية في العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية وذلك للدور السعودي الكبير في دعم الحركات التكفيرية المتطرفة التي لا تستسيغها حكومة أوباما.
في سياق قراءات أوباما هذه، جاء تصريح وزير خارجيته جون كيري لقناة «CTV» الكندية في الشأن السوري أيضاً صادماً، من حيث تراجعه ونكرانه لخطة «ب» التي طرحها للقيام بعمل عسكري ضد سورية وتقسيمها، قائلاً نُريد «الحفاظ على سورية دولة موحّدة وعلمانية مع حماية الأقليات»، رغم دعوته لضرورة أن «يستبدل الأسد بحكومة انتقالية»، بحسب تعبيره. حتى أنه رأى أن «الأسد لا يمكنه البقاء رئيساً»، جاءت مخفّفة وبعيدة عن العنتريات وعرض العضلات الفارغة، التي كان يصفق لها بعض هواة السياسة وصغار النفوس مما يسمّون أنفسهم «معارضين وثواراً».
لطالما أوحت ملاعب الغولف بأنها البقع الأكثر أناقة وجمالاً في جسد الطبيعة، إلا أن ثمّة وجهاً معتماً لهذا الجمال لا يستطيع المشاهد أن يكتشفه من النظرة الأولى. فجمال هذه البقع يحمل جرثومة الموت التي تشبه تماماً السُمّ المدسوس في قارورة عسل شديدة الحلاوة والإغراء.
هل سيفهم «الثوار» سبب هذه الصفعة الأميركية لهم أم أنهم سيبقون مصابين بالحَوَل والعمى؟