غزة واستراتيجية «شد الأطراف»
نظام مارديني
«جز العشب» تلك هي العبارة القميئة المستخدمة في أوساط العدو العسكرية، لوصف كيفية اخضاع قطاع غزة، كل عامين أو نحو ذلك، لعرض القوة العسكرية «الإسرائيلي» الإرهابي، بهدف تقليص قدرات حركة المقاومة وطموحاتها.
فمع تواصل العدوان «الإسرائيلي» الهمجي البشع على قطاع غزة، استمرت حرب الإبادة والمجازر الجماعية، في ظل حراك عربي دولي يرقى إلى حد التواطؤ، حيث إن ما يجري الآن ليس حرباً ضد فصيل معين، وليس عدواناً محدوداً بفترة زمنية، وإنما هو حرب إبادة جماعية ضد شعبنا، وهي متزامنة مع العدوان على سورية والعراق تحقيقاً لاستراتيجية «قضم الأطراف» بعد فشل نظرية «شد الأطراف» التي كان قد أطلقها بن غوريون منذ اغتصاب فلسطين، ولكن نجاح الثورة الإيرانية وفتح سفارة فلسطين في طهران أسقط هذه النظرية، وكان لابد من إطلاق استراتيجية «قضم الأطراف» لاحتواء المشرق العربي، من خلال مشاريع طائفية ومذهبية وعرقية، وتحويلها إلى منصات حليفة لكيان العدو، كما يجري الآن في شمال العراق.
إذاً، النظرية أعادت إنتاج نفسها باستراتيجية أميركية جديدة، هي نظرية «الغزو الفتنوي» من الداخل بوساطة أدواتها الإرهابية والسياسية والدعائية، وحيث ستلعب «إسرائيل» فيها دوراً بارزاً من خلال احتضان المجاميع الارهابية، بعدما احتلت قلوب الملوك والأمراء العرب.
في ضوء ذلك، لم يكن توقيت العدوان الصهيوني على قطاع غزة مفاجئاً، لأن العرب تائهون في حروبهم الطائفية والعبثية التي تهدد بزوال أكثر من دولة عربية عن الخريطة السياسية. كما لم يكن مفاجئاً «تهليل» العرب لنكستين، الأولى حين سقطت مدينة الموصل بيد تنظيم داعش وإعلان دولة الخلافة، والثانية حينما شن الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، وهي الفرحة التي تأتي في إطار صراع المحاور في المنطقة، وبالطبع، ومن اجل سواد عيون «إسرائيل» أيضاً، فالسعودية وبقية الدول الخليجية باستثناء سلطنة عمان وقطر كانت قد وضعت جماعة الاخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية، ولكون حماس هي حركة إخوانية في عمقها وتوجهاتها، فإن تدميرها على يد جيش العدو سيكون عملاً يستحق الشكر والعرفان!
هو العدوان إذن بقصد العدوان، وليس الدفاع عن النفس كما تروّج الدعاية «الإسرائيلية»، التي أقنعت العالم الغربي وصدق بعض العرب هذه الكذبة، فصمت عن ذبح المدنيين وتهديم بيوتهم تحت هذه الذريعة الواهية.
لا شك أن «حرب المحاور» و«الحرب الطائفية» التي تتنقل في الدول العربية وتترك خلفها أنهاراً من الدماء ودماراً هائلاً في البنى التحتية وتمزيقاً منظماً في النسيج الاجتماعي العربي، لن تتوقف مادامت السعودية و«إسرائيل» في الوجود، فإذا كانت «إسرائيل» هي المستفيد الأول من هذه الحروب، فإن مملكة الشر السعودية هي الخزان والاحتياطي الأكبر للفكر التكفيري والتنظيمات الإرهابية التي تزرع القتل والدمار في الدول العربية والإسلامية .