ولادة جديدة بعد الموت
قالت له: مشتاقة للعيش بأمان وسلام، بعيداً عن صخب الظلم وزخم الباطل. مشتاقة لأن أسمع صرخة تحدث زلزالاً. فقد اختلطت عليّ الأمور يا حبيبي، وما عدت أتحمّل القياس بموازين الحياة بين فنّ الممكن والمستحيل. وما عدت أقوى على المقارنة والتفضيل بين قناعاتي وقناعات غيري من باقي البشر.
قال لها: لماذا كلّ هذا الضياع يا صغيرتي؟ ولماذا كلّ هذا التمزّق بين ما كان الاختلاف فيه ضرورة؟ وكان التشابه مستحيلاً؟ ولماذا تعلّقين شعورك بالأمان على ما لا يمكن أن يدخل في حساب أو إحصاء؟
قالت له: عجبي من زمن لم يعد فيه صدق ووفاء، وغابت القيم والمعايير، إنسانيتنا تحتضر، وعلى حافة الهاوية أصبح كل شيء.
قال لها: اختاري التغيير إذاً كي تعيشي في حالة من الرضا مع الآخرين.
قالت له: وهل تريد منّي أن أدفن أجمل ما خلقه الله في تكويني؟
قال لها: ماذا تقصدين؟
قالت له: كينونة روحي بعيدة عن شعور الغرور والأنانية. احترامي لنفسي ولوجودي الإنساني، ترفّعي عن تلك القساوة التي حوّلت قلوب البعض إلى حجارة، رجّحوا كفّة الشر على كفّة الخير، وتحوّل العمر إلى سباق من المصالح والمحسوبيات. ففقدنا قدرة التمييز، وفقدنا قدرة اللجوء إلى التوصيف الصحيح. فما من إجماع على أمر وما من اتفاق يرضي الجميع.
قال لها: هل تستطيعين تصحيح مسار تعرّجت فيه الخطوات إلى انحدار فظيغ؟
هزّت رأسها آسفة حزينة وقالت: لا أستطيع!
قال لها: وهل تستطيعين تغيير شيءٍ ممّا أنت فيه؟
فهزّت رأسها معتزّة ومفتخرة، رافضة وقالت: لن أتجرّد من ذاتي، ولن أتخلّى عن تلك الأنا التي في داخلي، وإن ضاقت فيّ مساحات الدنيا كلّها. سأبقى في عالمي الخاص، لكنّني سأدع بابه مفتوحاً لأستقبل كلّ من يريد الانضمام إليه!
قال لها: وكم من الوقت ستتنتظرين؟ وأنت من فقدت الأمل في تغيير ما آل إليه حال البشر.
قالت له: يبقى أنّ البعض يكونون مجبرين أو مختارين، فما دام الجوهر لم يتغير لا بدّ من عودة إلى الذات، ولا بدّ من ولادة جديدة للروح بعد الموت.
قال لها: أعشق فيكِ فنّ الممكن والمستحيل!
قالت له: وأنا أعشق روحك الطيّبة فيها كلّ ما هو جميل!
قال لها: تعالي إليّ إذاً يا أميرتي، فإني مشتاق لأن أولد بين يديك من جديد.