تركيا تهرب من مشاكلها الداخلية بالانفتاح على الخارج
د.هدى رزق
لم تحمل تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما جديداً حول رأيه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان فهو يعتبره» فاشل واستبدادي» منذ التقاه في البيت الأبيض أواخر عام 2013 فهو خيب آمال الإدارة الأميركية التي راهنت عليه كنموذج للاعتدال الإسلامي في المنطقة وحاول توريطها في حرب ضد سورية. وهي ترى أنه فشل في إدارته الداخل التركي حيث تتداخل المشاكل من دون حلول تذكر. وفيما يصر رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو على أن حرية الصحافة لم تُمس بالرغم من الاستيلاء على «مجموعة زمان» واتهام جماعة محمد فتح الله غولن التي تملك هذه المجموعة بغسل الأموال. يرى زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشيدار أوغلو أن تعيين مجلس أمناء لوضع اليد على وسائل الإعلام يأتي بإيعاز من السلطة السياسية وينفذ رغبتها ويتهم حزب العدالة والتنمية بوضع يده على القضاء وتحويل تركيا الى دولة الحزب الواحد وبأنه يسعى الى تنفيذ انقلاب مدني.
يعيش الإعلام حالة من القمع لم تشهد تركيا مثيلاً لها سوى في الثمانينات.
لكن دوائر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تتحمل مسؤولية دعمها للعدالة والتنمية ولا يمكنها التنصل بعدما فشل رهانها فهي أيدت إبعاد مؤسسة الجيش عن السياسة ظناً منها أن إبعاده سوف يعزز الحرية. كما أن حصول العدالة والتنمية على دعم الداعية الإسلامي محمد فتح الله غولن لعقد من الزمن لم يكن بعيداً عن فكرة تعويم الإسلام المعتدل في المنطقة فهو دعم أردوغان منذ انتخابات 2002 حتى 2012 وعزز مكانة جماعته في السلطة. فالجماعة كانت متغلغلة في مفاصل القضاء وجهاز الدولة عبر التعليم والإعلام والأعمال عملت على كبح سلطة العلمانيين في القضاء والجيش عبر اتهامات قضائية ومحاكمات للجيش في أكثر من عملية منها «آركينغون» و«باليوز» وعمليات التجسس العسكري وهيئت الأرضية لحكم العدالة والتنمية الذي انقلب عليها وهي اليوم تدفع الثمن بعد تحركها ضد أردوغان وعائلته في قضايا الفساد ووقوفها ضد الاستخبارات التركية وكشفت في الآونة الأخيرة تورط الدولة في دعم الإرهاب وتهريب السلاح الى سورية.
لم يأتِ اتهام أوباما لأردوغان بسبب إقصاء جماعة غولن ووضع اليد على أملاكهم وطردهم من القضاء والجيش فقط إنما بسبب انقلابه أيضاً على محادثات السلام مع الأكراد التي عملت الإدارة الأميركية على إنجاحها لسنوات خلت وإعلانه الحرب في مناطق الشرق والجنوب الشرقي ضد حزب العمال الكردستاني كذلك محاولته تقليص دور حزب الشعوب الديمقراطي الذي تآكل دوره ونفوذه في البرلمان، فيما يتهمه نواب حزب العدالة والتنمية بالدفاع عن حزب العمال الكردستاني ويسعون الى تجريده من حصانته القضائية بسبب مشاركته في مؤتمر لدعم الحكم الذاتي.
يسعى أردوغان اليوم الى الضغط على الأحزاب المعارضة في البرلمان بعدما بدا أنه يتحالف مع حزب الحركة القومية الذي تسرب قسم كبير من أعضائه الى حزب العدالة والتنمية من أجل إقرار التحول الى النظام الرئاسي حيث تنتقل كل السلطات التنفيذية إلى يد الرئيس ويجرى تهميش استقلالية القضاء.
كما سعى الى ابتزاز الاتحاد الأوروبي في مسألة اللاجئين السوريين وهددهم بإرسال هؤلاء بالحافلات الى أوروبا إن لم ينفذ الاتحاد شروطه بالحصول على مبلغ 3 بلايين دولار لمنع تدفقهم الى أروربا وإعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول تشينغن عند السفر الى أوروبا أما الشرط الثالث فهو دعوة تركيا الى اجتماعات الاتحاد الأوروبي باعتبارها مرشحة لعضوية الاتحاد.
خرجت أصوات أوروبية معترضة على هذه الإجراءات التي تعهدت ميركل بتطبيقها وإقناع الأعضاء بها وعللت بعض الدول الأوروبية رفضها إعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول بالخوف من هجرة كردية إليها بعد ما تعرضت له مناطق الجنوب الشرقي الكردية من دمار وقصف وخسارة في الأرواح.
يلجأ أردوغان اليوم الى أفريقيا لتدعيم علاقاته الاقتصادية والعسكرية فيما زار داود أوغلو إيران من أجل إعادة تدعيم العلاقة معها حاملاً أفكاراً سياسية ومشاريع اقتصادية من أجل التعاون داعياً إيران الى العمل سوياً للابتعاد من الاصطفافات الطائفية في المنطقة والعمل بمعزل عن مصالح الدول الكبرى. أعطت هذه الزيارة حيوية للعلاقات الباردة بين طهران وأنقرة بسبب الخلاف حول سورية. تحاول القيادة السياسية التركية العودة الى سياسة صفر مشاكل على الأقل على الصعيد الاقتصادي، وترى أن التدخل الروسي أفقدها أوراق سياسية وأوقعها في أزمة اقتصادية فالوضع الاقتصادي يمر بأزمة كبيرة، إذ تواجه تركيا تضخماً منذ 2015 الأمر الذي لم تستطع التغلب عليه. في هذه الأثناء خرجت أصوات من داخل الحزب تنادي بسيادة القانون الذي يعتبر المفتاح لتحسين النظام الديمقراطي وتعزيز الاقتصاد لبناء الثقة والاستقرار اللذين شكلا في الماضي القريب النجاح الاقتصادي في تركيا. فهم يرون أن القاعدة الأساسية هي الديمقراطية من أجل تقدم تركيا قضائياً واقتصادياً. تقترب هذه الأصوات من مؤسسي الحزب الذين يحملون أردوغان مسؤولية الانتكاسات التي تعيشها تركيا داخلياً وخارجياً ويعتقدون هم أيضاً أن أردوغان يقود البلاد نحو الاستبداد.