مهنّا: الحكومة مطالَبة بالاهتمام بالتربية لأنها حجر الزاوية في بناء الدولة وصوغ الهوية وتقدّم المجتمع

أحيت منفذية عكار في الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذكرى السنوية الأولى لرحيل المربّي الأمين رؤوف نافع، بحفل تكريمي تحت شعار «الوفاء للمربّين المناضلين»، وذلك بحضور حشد من القيادات السياسية والدينية والحزبية والتربوية والنقابية والاجتماعية وهيئات تربوية وثقافية، والأحزاب والقوى الوطنية والقومية. وقد رعى حفل التكريم وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب.

عباس

بعد النشيدين الوطني اللبناني والقومي وكلمة ترحيب من علا دياب، ألقى مستشار الوزير ـ رئيس دائرة التربية الوطنية في الشمال عبد الباسط عباس كلمة وزير التربية الوطنية والتعليم العالي الياس بو صعب، عدّد فيها مزايا الراحل وتأديتة مهنته بمناقبية عالية، اتّسم فيها بالأخلاق والرقيّ. مثنياً على دوره في كل المجالات السياسية والحزبية والتربوية طوال حياته حتى الرمق الأخير.

وقال عباس: إنّ الوزارة حريّ بها تكريم أمثال هؤلاء الذين لهم بصمات واضحة على مستوى التعليم والتربية. مشيراً إلى محطات عدّة من حياة الراحل، أبرزها السجن لمرّات نتيجة نشاطه الحزبي، وعقوبات التأديب بنقله من مدرسة إلى أخرى بسبب موقفه السياسي.

وأكد عباس أنّ لعكار دوراً مميّزاً في التربية والتعليم، وأنّ الوزير بو صعب مهتم بأوضاع المدارس وبشؤون التربية في عكار. لذلك، فإن مساعي الوزير مستمرّة في إنشاء المزيد من المدارس وفروع الجامعة اللبنانية، لنوفّر على الطالب العكاري عناء رحلة الطريق اليومية إلى طرابلس وبيروت.

موسى

ثم ألقى مدير ثانوية حلبا الرسمية مسعد موسى كلمة أكّد فيها أن معظم أهل الأدب والطبّ والفنّ والثقافة تتلمذوا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على مدى ستّ وأربعين سنة على يد من نحن نجتمع لتكريمه الراحل الكبير رؤوف نافع. فالراحل رغم ظروفه الصعبة استطاع أن يرقى إلى درجة عالية من العلم والمعرفة. فكان المربّي الصالح والمفكّر الحرّ والمناضل الخلّاق، إنه الاستاذ رؤوف نافع.

وأضاف موسى: كان لي شرف تكريم الراحل مرّتين، الأولى في حياته يوم عيد المعلم عام 2013، حيث تم يومذاك تكريم عدد من المعلمين المتقاعدين وكان الراحل عميدهم، فألقى كلمة بِاسمهم لم يزل صداها يتردّد حتى اليوم. وأبرز ما قال حينذاك: «شكراً لأنكم وطئتم صفحة النسيان الذي كان يأكلنا، أعدتمونا إلى النور والحياة، شكراً لأنكم قلبتم القاعدة فكرّمتمونا في حياتنا ولأنكم أثبتم أنه ما زال بيننا من يحترم ويقدّر، ويحفظ الجميل».

الزعبي

وألقى كلمة أصدقاء الفقيد، مدير ثانوية حلبا الرسمية السابق الأستاذ أحمد ناظم الزعبي، أشار فيها إلى صداقة جمعت بينه وبين الراحل حتى في أحلك الظروف. وقال إنه تعلّم منه أموراً كثيرة قلّما توجد في إنسان الحكمة والصبر وطول الأناة والمرح. «دائماً كنّا نتجادل في الأمور التربوية، وتحدّثنا مرة عن بيت المعلّم وصندوق التعاقد، هناك رابطة ونقابات ولكنني لا أؤمن إلا بالعمل الجاد كما كان يقول رفيقي وصديقي رؤوف نافع، ويعمل وينفذ. ويوم أحيل إلى التقاعد كُرّم وكنت ممّن تحدثوا في التكريم، قدّمت له سبّحة وقلت له عمراً مديداً يا صديقي وعمراً مديداً لمن أفنى حياته عطاء في شتى المجالات».

وتابع: هذا هو الأمين هذا هو الرفيق، هذا هو الصديق، صدّقوني منذ تسع سنوات لم أحضر مناسبة اجتماعية، وعندما قيل لي إنّ صديقك الأمين رؤوف نافع سيقام له احتفال ونأمل منك أن تلقي كلمة لأنك من أصدقائه، لكن من هم أصدقاؤه، كلّنا أصدقاء للراحل نحن وعائلته وكل من يتبع للعائلة هم رمز العطاء والوطنية والوفاء. وقال إن مبنى الثانوية وحدة عطاء كلّ المتخرجين القدامى من عصامية والهيئات الاقتصادية والإعلامية والتربوية كلّهم تخرجوا من هذا المبنى الذي احترمه وأقدّره.

وقال: قضيت في هذا المبنى 27 سنة مديراً للثانوية، ورغم كلّ الظروف بقي العلم علماً، وهذا ما كان يطمح إليه الراحل. هذا هو الرجل الحميد الذي صادقته وهو القائد الشرس، لكنه لم يكن في حياته يحبّ التهكّم أو اللهو بما هو جاد، بل هو المحاضر المتحدّث اللبق الصدوق الصادق، وإذا كان هناك من اختلاف عقائدي بينك وبينه حاورك بكلّ لطف وتهذيب وبرودة أعصاب. اليوم نفتقد إلى مثل هذه الرجال خصوصاً في هذه الأيام الصعبة التي نعيشها.

وقال: تكرّمون من أكرمه الله بان أعطاه هذه الصفات، قلّ أن نجد هذه الصفات في رجل أو امرأة، أنا لا أمدح، بل أتحدّث عن حقيقة الراحل. كنت دائماً أستشيره بأمور عدّة ويكون الصدر الرحب، هذا هو المنطق السليم. إذا كنت مختلفاً معه في أمر، حاورك بهدوئه والبسمة على وجهه.

البعريني

ثم ألقى رئيس اللقاء التشاوري في عكار النائب السابق وجيه البعريني كلمة أكّد فيها أن هذا الحفل لرجل يحمل صفات راقية تمثّلت في عطائه وتضحياته وفي مواقفه النضالية الصلبة. تخرّج على يده عشرات الآلاف من الأجيال وكان دوماً المثال للأخلاق والقيم السامية، ونموذجاً بين المربّين الصالحين. وكان فقيدنا مناضلاً وطنياً لم يعرف يوماً التعصب أو الانغلاق. وكان محاوراً رصيناً ولم يتردّد في قول كلمة الحقّ أو الواجب مهما كان الثمن، لأنّ إيمانه ووطنيته الدافع له والمحرّك نحو الأهداف والالتزام بالمبادئ.

وأضاف: إن هذا الاحتفال بتكريم فقيد التربية والوطن يشكّل رافعاً للجميع لتكون وقفات وفاء لكلّ من هم أمثال فقيدنا. فالوفاء للمناضلين يكون بمواصلة النضال من أجل فلسطين والقدس ومن أجل تحرير الأرض وطرد المحتلّين. وهذا يكون بالتزام خيار المقاومة والثبات عليه حتى ينال كلّ واحد منّا إحدى الحُسنيين: النصر أو الشهادة.

وأضاف: تعاني أمّتنا هذه الأيام من مؤامرات التقسيم، ومن العصبيات وأساليب التكفير. والردّ يكون بالتمسك بالوحدة الوطنية وبالعروبة وبخطّ الوسطية. لافتاً إلى أن هناك من خرج مراهناً على الأميركي، وهناك آخرون أداروا ظهرهم للمقاومة وللقدس وفلسطين واتجهوا بأوامر أميركية إلى التطبيع مع العدو «الإسرائيلي». وهؤلاء مصيرهم مثل توفيق عكاشة، وإلى مزابل التاريخ ومقابر الخيانة والذلّ. وجدّد البعريني تمسّكه بالمعادلة الذهبية الشعب والجيش والمقاومة، وقال إنّه يضع كلّ إمكانياته في هذا الطريق، ولن تنحني القامات، فليردّوا أموالهم إلى جيوبهم ليصروفها في دعم المجرمين التكفيريين أو في صالات الفساد وأنديته، فنحن شعارنا مع جيشنا ومقاومتنا: العزّة أولاً، والشرف أولاً، والكرامة أولاً والشهادة مطلبنا.

مهنّا

وألقى نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين توفيق مهنا كلمة الحزب فقال: بِاسم الحزب والأول من آذار عيد مولد باعث النهضة القومية المعلّم أنطون سعاده، أتوجّه لكل المعلّمين بالتحية والوفاء، لأننا نحن تلاميذ باعث نهضة ومؤسّس نظرة فلسفية جديدة للحياة والكون والفن، نعرف معنى العلم والثقافة والمعرفة، ونعرف حمل الصدور والنفوس قيمَ المعرفة وآفاقها.

اسمحوا لي في بداية الكلمة أن أعود إلى سعاده، في مؤتمر المدرّسين الأول الذي عقده للمدرّسين القوميين الاجتماعيين عام 1948، عندما اعتبر المعلّم جندياً في خطّ الدفاع الأول، الذي عليه أن يدخل صلب المعركة ويحارب لإنقاذ الجيل الجديد من العقيدة المتأخرة، ولإدخال العقيدة القومية المحرّرة إلى النفوس. إنه لامتياز عظيم أن يكون المرء مربّياً سورياً قومياً اجتماعياً، فالمعلّم القومي الحقيقي هو الذي يشعر أنه يحمل رسالة النهضة القومية الاجتماعية إلى النشء الذي تتحرّك فيه قوة حياة الأمة الجديدة. في التعليم المعلّم صاحب رسالة وقضية، وأيّ رسالة أو قضية أعلى من بناء النفوس وبناء الأجيال؟ وهل تنهض أمة ما أو شعب ما إن لم تنهض أجياله ويكونوا حجر الزاوية في البناء وفي العزّ والتقدّم والازدهار؟

وتابع مهنّا: قال سعاده «إنّ المجتمع معرفة والمعرفة قوّة»، إذن نحن أمام معلّم قوميّ اجتماعي، أمام مربّ حمل على يديه رسالة النهضة ومشعلها وأفكارها. آمن بالحوار وآمن بالصراع الفكري الحرّ والعقل، وآمن أنّ الصراع هو حقّ التقدّم والصراع هنا صراع الفكر والمفاهيم لا صراع الإلغاء ولا الإقصاء والإرهاب والقتل، بل صراع بناء يحيي، يعطي للإنسان قيماً، وجوهره وكرامته الانسانية التي هي أنبل ما في الحياة. نحن أمام مربّ آمن بالحوار لبناء مجتمع جديد وأمة جديدة. آمن بهوية المثقف الحرّ والملتزم الذي لا يبيع ضميره لا بالدولار ولا بالريال. المثقف الذي يلتزم رسالة من أجل شعب، لا يبيع كلامه ولسانه وفكره من أجل شيء دنيويّ زائل، لأنّ التاريخ لا يرحم بل يسجّل الأفعال، ولا يسجّل رياء أو رغبات، بل يسجّل قيم النهضة التي جسّدها الأمين الراحل رؤوف نافع في مسيرة حياته. قيم النهضة هي الحاضرة أبداً في فكره وذهنه وفي لسانه وحواراته، فألف تحية في عيد المعلّم من المعلّم سعاده إلى هذا النمط من المعلّمين.

وأضاف: ما أحوجنا اليوم إلى ثقافته الجديدة تعيد إلينا اللغة والمفردات والعبارات والمفاهيم الصالحة التي تنقذنا من هذا الانحطاط الذي لا طعم له، الذي يصيب أفكاراً ويسمّم نفوساً ويهدم عمراناً. نحن بحاجة إليه، وهذه قيمة التكريم، نحن بحاجة إلى ثقافة وحدوية نهضوية في وجه التمزّق والانقسام وفي وجه الأنانيات والجزئيات وفي وجه الانسلاخ والانعزال والإرهاب، وفي وجه من يحمل سلاح الإلغاء والتهميش.

نحن بحاجة إلى ثقافة تبنّي الوطن والمواطن، قال سعاده «كلّنا مسلمون لربّ العالمين منّا من أسلم لله بالإنجيل ومن أسلم بالقرآن ومن أسلم بالحكمة، وما من عدو يقاتلنا في أرضنا وديننا وحقنا سوى اليهود».

وقال مهنّا: رسالة المواطَنة تجمعنا في الوطن، رسالة الإيمان تجمعنا في إيماننا، يجب ألا يغيب عن بالنا أننا أمة الحضارة والإبداع والعطاء والفنّ، أمة أعطت للبشرية زاداً نفتخر به، أعطت الأبجدية والعلوم. وجاءت النهضة السورية القومية الاجتماعية التي كان من ربابنة عطاءاتها رؤوف نافع.

ورسالة سعاده أن نكون أحراراً في أمة حرّة، وفي مبادئه التي تدعونا لأن نكون رابطة واحدة لأننا أبناء مجتمع واحد وتاريخ واحد، وعدوّنا هو الذي يغتصب فلسطين.

وتابع: إن الذين يرون اليوم في العدو صديقاً وعوناً، غاب عنهم أنّ العدو تخلّى عن الذين تعاملوا معه. فهذا العدو لا يبحث إلا عن مصالحه وأطماعه واستراتيجيته.

إن الإرهاب والفكر الظلامي اللذين يهدداننا في حياتنا وأرضنا، في لبنان والشام والعراق، لا يستثنيان أحداً. فضحيتهما شعبنا كلّه، وبالأمس سقط أحد أبناء عكار والجيش اللبناني في مواجهة الإرهاب.

وحمل مهنا بشدّة على المتطاولين على المقاومة، وقال: ليس للمقاومة هوية مذهبية، فالمقاومة هي من كلّ النسيج الاجتماعي، أليس علي غازي طالب ابن عكار؟ أليست نورما أبي حسان ابنة زغرتا، أليس وجدي الصايغ ابن الجبل؟.. ولمن أكمل ويكمل مسيرة المقاومة له منّا ألف تحية، ولا يضعنّ أحد المقاومة في إطار مذهب أو منطقة.

وأضاف: لذلك نحن نرى المعلّم في عيد المعلّم مقاوماً بدمه، ونرى الجندي مقاوماً بدمه، ونرى أبناء شعبنا متّحدين خلف راية الوحدة لمواجهة التفتيت والتعصب والطائفية والمذهبية في مواجهة مشاريع التقسيم التي تطلّ علينا من جديد بأسماء مختلفة. كيف يمكننا أن نحيا أحراراً إذا ما تجزّأت أمتنا؟

وقال: لقد كان المربّي رؤوف نافع في هذه المنطقة المحرومة لكنها غنية وكبيرة برجال كرؤوف نافع وغيره من المقاومين. بالأمس سمعنا وزير التربية يقول إن الدولة لا تعطي اهتماماً للقطاع التربوي، نحن نحييه على صراحته، نحن بحاجة لأن تعطي الدولة الاهتمام الأول للتربية لأنها حجر الزاوية في بناء الدولة وصوغ الهوية وتقدّم المجتمع وتمكين الروابط. إلى متى يبقى هذا النظام الطائفي شركة محاصصة على حساب الوطن والمجتمع والشعب؟ إلى متى يبقى يقفز فوق الإهمال؟ نقرأ في تاريخنا أسماء قادة الاستعماريين يحتلون بلادنا، إلى متى لا ترتفع في شوارع مدننا وقرانا أسماء الأبطال وأسماء القادة أمثال القائد التربوي الأمين رؤوف نافع؟ هذا النظام التربوي الجديد يعاقب الأجيال الجديدة ورجال النهضة لأنه يخاف من فكرهم وثقافتهم، لأن الواقع هكذا. وقعنا في حروب مذهبية نعاني من التشرذم والتمزق، إنها صرخة من العقل بأن نتكاتف معاً لاستعادة هوية تربوية نهضوية نظيفة ونعطي المعلّم حقه وننصفه، لأنه أحد قادة الإنتاج في بلادنا.

وختم مهنّا كلمته مجدّداً تقديم العزاء بِاسم الحزب وقيادته لعائلة الراحل.

نافع

ثم ألقى كلمة العائلة الزميل الصحافي جهاد نافع قال فيها: أقف بينكم اليوم لأتقدّم منكم بالشكر نواباً وقيادات سياسية ودينية وحزبية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ونقابية، ولشكر كلّ من سارع إلى مشاركتنا الأسى والحزن، ووقفوا إلى جانبا في المواساة.

وشكر نافع كلّ من شاركهم لوعة الفراق ومن حضر حفل تكريم من أمضى سنيّ حياته في ساحات النضال القومي ولم يحد قيد أنملة عن مبادئ اعتنقها، مواجهاً في أحلك الظروف الصعاب والمشقّات يوم كانت الصعاب مشروع استشهاد في كل لحظة. وأمضى سنوات عمره مربّياً في ساحات التربية والتعليم كاشحاً الظلام بنور الحرف والأبجدية، مناضلاً لتنشئة أجيال بناة الحياة الجديدة.

وأضاف: مضت سنة على غياب الوالد، لم يفارقنا ولم يفارق الرفقاء قدوة في المناقبية، ولم يفارق الأصدقاء الذين يفتقدونه صبيحة كلّ يوم، ولم تفارقهم بسمته كما لم تفارقني توجيهاته الحازمة في الحق وتعليماته التي حرص عليها حتى الرمق الأخير.

وختم: «قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود ولن تزول»، شكراً لكم جميعاً، شكراً لكلّ الكلمات الصادقة النابعة من قلوبكم العامرة بالمحبة والصفاء والوفاء، شكراً لكلّ من واسانا ولكلّ من شاركنا العزاء وتكبّد عناء الحضور.

في الختام، قدّم منفذ عام عكار في الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين ممتاز الجعم درعاً تقديريةً بِاسم منفذية عكار للعائلة، استلمه الصحافي نافع الذي بدوره سلّم الدرع لشقيق الراحل رؤوف، الأستاذ حسن نافع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى