«جماليات السينما» لقاسم قاسم… محاضرات ومشاهدات بقالب سرديّ

أحمد طيّ

تقرأ العنوان، فيتّجه ذهنك مباشرة إلى أنّك ستقرأ كتاباً أكاديمياً بكل ما للكلمة من معنى. فـ«جماليات السينما» كمصطلح، لا يمكنك البتة التخمين أنّه يصلح لرواية أو قصة، خصوصاً أنّ مصطلح «جماليات» ماديّ بحت، ولا يوحي ـ بعد إتباعه بمصطلح «السينما» ـ بأيّ جمالية أدبية. ربما أراد الدكتور قاسم قاسم ذلك ليحدث لدينا ـ نحن القرّاء ـ صدمة، أو ليقدّم ما هو مغاير وخارج عن المألوف… وفي الحالتين أصاب.

خلا الكتاب من أيّ مقدّمة وربما عمد الكاتب إلى ذلك أيضاً تمهّد للقارئ ولوجه في الصفحات الـ120 التالية، لتطالعنا الصفحة الأولى في متن الكتاب الصفحة 7 ، والمعنونة «الدلالات السينمائية والفيلم الوثائقي»، بحوار مباشر نكتشف سريعاً أنّه يدور بين أستاذ جامعيّ الكاتب ، وإحدى طالباته القابعة في المستشفى على إثر حادث سير تعرّضت له.

هنا تكمن الصدمة الأولى، إذ إنّك تجد نفسك أمام حوار سرديّ يشي برواية ما، ولا يصلح له عنوان الفصل. ثمّ أنّ الكاتب يستحضر في قاعة المحاضرات طيف تلميذته الغائبة، جاعلاً إياها تنهال عليه بكمّ هائل من الأسئلة في مادة السينما، وتحديداً في ما يتعلّق بمتفرّعات هذه المادة التي يتناولها عنوان الفصل «الدلالات السينمائية والفيلم الوثائقي».

والحقيقة، أنّ أيّ قارئ يستنتج بسرعة أنّ تلك الأسئلة، إنما هي أسئلة يريدها الكاتب ـ الأستاذ المحاضر ـ أن يسألها طلابُه، ليجيب عليها مباشرة عبر مخزون الملاحظات الغزير الذي يملكه حول كمّ هائل من الأعمال السينمائبة منذ مطلع القرن الماضي، حتى مطله الألفية الثالثة.

هنا يتجلّى بوضوح الأسلوب المغاير الذي اتّبعه الكاتب في تقديم مادته الأكاديمية التي دعّمها كما أسلفنا بملاحظات وأمثلة من عشرات الأفلام الأجنبية والعربية، وبمصطلحات أدبية علمية نذكر منها: الدالّ والمدلول، حركة الزمان والمكان، التناصّ، القيمة السيمانتيكية، التسجيلي والدرامي، الأسلبة… إلخ.

ثم نشهد غزارة، لا في المصطلحات فحسب، إنما بالعبارات الكاملة التامة، التي تصلح لأن تكون قواعد ينطلق منها طلاب الإخراج السينمائي، أو كلّ من يهوى الغوص في عباب هذا العالم.

فنقرأ في الصفحتين 27 و28: «طبعاً الصورة لها السيطرة التامة على المتفرّج، ويسقط المُشاهد في غواية الصورة، وتتعطّل لديه ملكة التخيّل أو النفاذ إلى أعماق الفيلم، والفنّ يتطلب نوعاً من الانفعال المزدوج، أن ينسى المُشاهد أن ما يراه هو فقط الخيال».

وفي الصفحة 28 أيضاً: «إذا كانت غالبية الناس لا تفهم الفنّ، أو ليس لديها القدرة على النفاذ إلى داخله، هنا لا نلجأ إلى التغيير، ولا يمكن التفسير حتّى لطلاب الجامعة. إن التمرين، أي المشاهدة المستمرة، الوسيلة الوحيدة للوصول إلى فهم الفيلم».

وفي الصفحة 29: «إن فهم الفيلم، أو بالأحرى القبض على عناصره، يتطلب تمريناً»… «التمرين هو تدريب ذوقيّ، والتعلّم هو القدرة على تفكيك عناصر لها علاقة إما بالتصوير أو بالألوان…».

وبعد تحليلات لعدد كبير من الأفلام، نقرأ في الصفحتين 116 و117: «ولئن كانت السينما تكشف بالتدرّج، نفسية الأشخاص وطبائعهم فيها، فهي على الأقل تقدّمهم لنا في كلّية كيانهم الجسدي. وعلى افتراض أن السينما تُظهر لنا عن الانطلاق قدمين تدوسان العشب العالي، أو يدين تخلّصان أرنباً برّياً، سرعان ما يتعيّن أن نعرف لمن هاتان القدمان وتلكما اليدان، فالحضور الجسدي لا غنى عنه ولا مهرب في الفيلم، بينما الرواية تكتفي بالفكرة».

وأيضاً في الصفحة 117: «وكلما تفننت الرواية غي إبقائه في الظلّ لأطول مدّة ممكنة، تكون الصورة قد أفلحت في تجسيد كل التفاصيل، وشخصيات الفيلم ليست منفصلة عن المنظر، إنهم جزء أساس من الصورة»… «المنظر يعزّز الحدث، ويكسبه دقّة، وفي الأفلام الجيدة جدّاً، يساهم المنظر بهذا القدر أو ذاك في تحديد الحدث،يدلّ عليه أحياناً، وفي كثير من الأحيان يصير هو نفسه الشخصية في الحدث المأسوي».

كتاب «جماليات السينما» للدكتور قاسم قاسم، يقع في 128 صفحة من القطع الوسط، وهو صادر عن دار «مكتبة بيسان» ـ بيروت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى