أنزور : بدأت من ميراث والدي السينمائي …وفي الميراث الديني ما يجب التخلص منه لولا تدخل الرئيس ما إستطعنا عرض بعض الأعمال بسبب اعتراضات رجال الدين
رانيا مشوّح
بين الكتب السماوية وخطيئة الجسد، بين مطرقة الدين وسندان الحياة، ظهروا ليأخذونا خلفهم صمّاً وعمياناً، ليرتووا على دمّ كلّ من قال لهم «لا». متعطشين لحزّ عنق كلّ من يدافع عن معتقداته، وضدّ اندساس أفكارهم ووحشيتها.
في هذا الإطار، ومن خلال ملتقى الإبداع الذي يقيمه المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية، تم تكريم المخرج المبدع نجدت إسماعيل أنزور وأسرة فيلم «فانية وتتبدّد»، وقد حضر الملتقى كل من إدارة المعهد وأسرة الفيلم ممثلة بالمخرج نجدت أنزور، وكاتبة السيناريو ديانا كمال الدين، وبطل الفيلم الفنان فايز قزق، والفنان يوسف المقبل.
أدار الندوة الحوارية الناقد سعد القاسم، وذلك بحضور طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية.
في كلمة المعهد، صرّح الدكتور تامر العربيد مدير المعهد العالي للفنون المسرحية عن أهمية هذا التكريم قائلاً: اليوم نحتفي بقامة إبداعية كبيرة، وأنا لا أجامل. ففي المؤسسة الأكاديمية نؤمن بالمنطق الأكاديمي ونقول رأينا بصراحة. لذا، نحن نفتخر بالاحتفاء بأسرة فيلم «فانية وتتبدّد»، ونفتخر أننا في المعهد العالي للفنون المسرحية نحتفي بالأستاذ الكبير نجدت إسماعيل أنزور، فنحن نشعر في المعهد العالي أنه من واجبنا تقدير المنتج الوطني بشكل لائق، وتقدير أصحاب التجارب الإبداعية الذين يضيفون إلينا إبداعاً، ونتمنى أن نضيف إليهم نحن أيضاً.
وفي تصريح للناقد سعد القاسم الذي عبّر عن أهمية تكريم أنزور، قال: العمل الأول لنجدت أنزور «نهاية رجل شجاع»، ترك صدى هائلاً وحرّك ما هو راكد في الدراما السورية. والحقيقة أنّ هذا العمل كان هو المفصل الذي نقل الدراما السورية إلى الاهتمام بالحالة البصرية. وتبع ذلك حوارات هائلة على امتداد العالم العربي، على اعتبار أن نجدت أنزور استطاع خلق المفهوم الواقعي بعد اهتمام الكثيرين بالمفهوم الموضوعي.
بدوره، عبّر المخرج نجدت أنزور عن سعادته بهذا التكريم، خصوصاً أنه يتم ضمن جدران المعهد العالي للفنون المسرحية أي ضمن البوابة الأكاديمية الأولى لأيّ فنان فقال: كنت أتمنى أن أكون من روّاد هذا المعهد، لكن الظروف المادية والأكاديمية لم تسمح لي. هناك أمر جميل يُحسَد عليه طلاب المعهد، وهو ما وصلنا إليه من تطوّر أكاديمي. فسابقاً، لم يكن مسموحاً للبنات دخول المعهد، لكنها اليوم تدرس في المعهد وتصبح فنانة لها اعتبارها ومعترف بها في المجتمع، وهذا تطوّر كبير جدّاً يسجّل لسورية، سورية دائماً فيها ما يختلف عن الآخرين.
وأضاف: هذا المعهد هو مصنع الفنانين والنجوم والمواهب، في التخصصات الموجودة كافة الديكور، الأزياء، الإضاءة، الملابس هذا الأمر يسعدنا، فنحن بحاجة لأن تنزل هذه الخبرات على الأرض وتبدع وتجرّب. وحسّ التجريب مطلوب دائماً. فأنا قمت بتجارب ولم أخف ونجحت، المشكلة هي بالتجريب. فالقوانين والأسس نتعلمها لا لنطبقها إنما لنقدّم أنفسنا وشخصيتنا من خلال العمل والتجربة العملية. أنا حريص دائماً على تواجد طلاب المعهد في أعمالي ولي الفخر أنني هنا للمرة الأولى، وبينهم، كي أسمع منهم واستمع لآرائهم.
وعن بداياته في المجال الفني قال أنزور: كان والدي أحد مؤسّسي السينما السورية من خلال فيلم «تحت سماء دمشق» الذي عُرض عام 1931، وأنا كان لدي هدف أردت تحقيقه رغم أن والدي لم ينصحني بذلك. أعمالي الأولى كانت في الإعلانات التلفزيونية والفيديو كليب، كما قمت بتطوير فكرة الفيديو كليب إذ عملت في هذا المجال أكثر من عشر سنوات، ما أكسبني خبرة كبيرة. أما العمل التلفزيوني الأول لي فحصلت من خلاله على جائزة عالمية وكان تحت عنوان «نزهة على الرمال»، ثم جئت إلى دمشق عام 1994، ومنها انطلقت من خلال مسلسل «نهاية رجل شجاع». لقد خسرت زمناً لكنني فعلت ما أريد وعملت في المجال الذي أحبّ. ومن هنا، أكاديمياً، يمكن أن يستبق طلاب المعهد هذا الزمن ويختصروه.
وعن طريقة عمله واهتمامه بالشخصيات والصورة قال أنزور: للصورة مجموعة عناصر منها الممثل والديكور والسيناريو، إذ يجب على المخرج ألّا يهمل أيّ عنصر من هذه العناصر وأن يكون هناك اكتمال. وعن التجربة الأخيرة في فيلم «فانية وتتبدّد» أعطينا الممثل مساحة ليبرز إمكانياته وقدراته الفنية طبقاً للنصّ الذي يؤدّيه. هناك اهتمام بالممثل من خلال تجربتي البصرية التي انتُقدت عليها. لكن إذا نظرنا بموضوعية نجد أن فنانين كثيرين اليوم انطلقوا من هذه الأعمال. لذا، فالمساحة يجب ألا تكون فقط للممثل إنما لكلّ العناصر الموجودة.
وعن الفرق بين العمل السينمائي والتلفزيوني قال أنزور: العمل في السينما يحتاج إلى اهتمام أكبر بالتفاصيل، لكن المبدأ واحد. فبالنهاية نحن نتعامل مع الصورة، هناك كاميرا وهناك عناصر ولا اختلاف كبيراً إطلاقاً. الاختلاف البسيط أن الفيلم قد يأخذ وقتاً أطول لاختلاف التقنيات وطبيعة الكاميرا وعنصر الإنتاج والوقت والزمن. وعن الحيّز الكبير الذي يتّخذه موضوع التطرّف في أعمال نجدت أنزور قال: نحن نستقرئ الظواهر التي يعاني منها مجتمعنا. ما هو الأخطر من التطرّف الديني؟ على شعرة كانت سورية قد دُمّرت، وقد نبهنا منذ البداية عبر أعمال درامية، وهذا دليل على أن الفنان يستطيع أن يقرأ ما بين السطور ما يعاني منه مجتمعه والمستقبل لمحاولة تلافيه من خلال تسليط الضوء عليه. وهناك مختصون ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً للعمل على الحدّ من هذه الظواهر. واللافت اليوم أن هناك إجماعاً عالمياً على أن هذه الظاهرة فعلاً بدأت تأكل من هذا المجتمع وليس فقط مجتمعنا، إنما حتى المجتمعات الغربية بدأت تتأثر بها، فهي ظاهرة عالمية وإذا لم نتكلم عنها فمن من سيتكلم عنها؟
نترك الإخوان المسلمون يكتبون التاريخ؟ نترك الكنيسة والجامع يتحكمان بنا أم نتمكن من قول رأينا أيضاً؟ اليوم عندما تذهب إلى قاسيون وتنظر إلى دمشق تجد 2000 أو 3000 مسجد، السؤال كم مركز ثقافي بالمقابل؟ كم دار سينما موجودة؟ ما هو دورنا؟ لماذا ندرس هنا إذا لم ننتقد الظواهر ونساهم بإزالتها؟ بالنهاية، الدين هو أفيون الشعوب، الدين أمر روحي بيننا وبين الخالق، العلاقة مع الخالق لا علاقة لها بالشكل إنما بالمضمون، لذلك حتى هذا الشكل الذي نقدّمه يلامس الحقيقة لكنه لا يعبّر عنها مئة في المئة.
وعن أحداث الفيلم وشخصيته الرئيسة «أمير داعش» قال أنزور: أحببت أن تكون الشخصية رئيسة ومحورية لأنها هي الهدف من الفيلم. نحن لا نستطيع القضاء على هذه الظاهرة إذا قتلنا الأمير. وكمثال، بن لادن ليس حيّاً، لكن فكر «القاعدة» لا يزال موجوداً. الفكر يحتاج إلى فكر مقابل، لذلك قلنا في نهاية الفيلم إن الفجر لا يخرج إلا من المدرسة والعلم. لذلك يجب أن يكون هناك دعوة للفكر، لتحرير العقل، لنبذ كل الموروثات المتخلفة التي أثرت علينا لفترة طويلة.
وأضاف: لم نستطع قبل الأزمة أن نعرض مسلسل «ما ملكت أيمانكم» لولا تدخل السيد الرئيس شخصياً، كان من المستحيل عرضه وقد وقف في وجهنا آنذاك رجال الدين هم اليوم موجودون بيننا، لأنهم كانوا ينظرون إلى الأمام على العكس منّا، وعندما بدأنا نرى ونتوعى بدأنا نقدّم شيئاً فعلياً، في هذه الأزمة هناك خطوط حمراء تكسرت ومفاهيم اندثرت ونحن من نضع الخطوط والمفاهيم الجديدة، إنما القواعد الأساسية هي التمسك بالوطن والتنوّع السوري الجميل والتآخي يبقى موجوداً ونستطيع التحدث عن أي موضوع وأي شخص بشكل موضوعي ومن دون تجريح ومن دون ذمّ وإهانة واستهتار بالمعتقدات الأخرى، وأن نكون سوريين حقيقيين بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
وفي الإطار نفسه، قال الفنان فايز قزق أثناء النقاش على الدور الذي لعبه من خلال القضاء على شخصية «أمير داعش» بين مؤيد ومعارض للنهاية التي اختتم فيها الفيلم: يجب أن نحاكي العقل وألا نتبع الخطوات الهوليودية التي توجب أن النهاية مرتبطة بموت الشرير. فكل العالم يموت إلا الأميركي الذي سيخلّصنا من الكائنات الفضائية. نأمل ألا نندرج مع المندرجين في مسألة التفكير في أداة السينما من وجهة نظر هوليوود، لأنها ليست من مصلحة البشر بما فيه الشعب الأميركي.