كنتم الأحرار في زمن العبودية
طـاهـر مـحـي الـديـن
بمراسم وبروتوكولات رئاسية كاملة، حضر الرئيس الأسد لأداء مراسم أداء القسم الرئاسي لولاية جديدة، بحضور أكثر من ألف مدعو من ممثلي الشعب والحكومة والجيش والفعاليات الشعبية والنقابية والحزبية والفنية والإعلامية ومدرّسي الجامعات والمفكرين السياسين والباحثين الاستراتيجين وأسر الشهداء، وبعد القسم الدستوري استهلّ خطابه العابر للتاريخ والحغرافيا: «أيّها الشعب الحرّ الثائر: كنتم الأحرار في زمن العبودية».
هكذا وصف الرئيس الأسد الشعب العربي السوري الوطني الشريف، وكان خطاب القسم مليئاً بمئات العناوين التي تحتاج ربما إلى مئات المجلدات والكتب ليكتب عنها وتحلل مضامينها.
ألقى الرئيس الأسد خطاب القسم للولاية الجديدة فكان فصل الخطاب وجفّت الأقلام بعده، ورفعت الصحف فسطرت صفحات مليئة بالنصر والثبات والانتماء والكرامة والإصرار على الخيارات القومية والعروبية. سطر كلمات لن يفهمها سكان رمال الربع الخالي وحكامها أشباه الرجال، الذين أدركوا اليوم أن كلمة أشباه الرجال كانت مديحاً، فهؤلاء باعوا شرفهم وهم أصلاً لا يملكون الشرف. وضع الرئيس الأسد النقاط على الحروف ودقّ ساعة الحساب وكشف المستور وكيف باع عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود فلسطين للبريطانيين واليهود عام 1915، وهذا العقد هو الذي أوجدت ممكلة الرمال لأجله.
لن أطيل الكلام كثيراً عن تلك الأدوات الرخيصة باتت أكثر من مكشوفة ومعروفة للقاصي والداني من أبناء هذه الأمة وسائر شعوب العالم، فهم للعمالة والخيانة عناوين قذرة، بل هم عار حتى على العمالة والخيانة. قال الرئيس الأسد: «نحن لا نعمل على مبدأ العنتريات ولا البندريات»، والعنتريات معروفة بالتهور والغباء وتؤدي إلى الضرر نفسه لمن يمارسها، وضرب مثلاً ما قام به «الشقيق أردوغان»، أما «البندريات» فهي الانبطاح والعمالة والخيانة، حتى عندما لا تكون هناك سوق أو طلب على «البنادرة».
سأحاول هنا استعراض بعض العناوين التي تناولها أسد التاريخ في خطابه، من باب القراءة لا من باب التحليل :
الانتخابات والديمقراطية: «حاولوا أن يزاودوا عليكم بالديمقراطية فلقنتم العالم دروساً فيها وأثبتم أنكم أصحاب القرار والخيار، فانتخبتم برلمانكم وقررتم دستوركم واخترتم رئيسكم، فكنتم الأحرار في زمن العبيد، وقدمتم درساً يسطره التاريخ، ورفضتم أن يشارككم الخوارج عن الإنسانية والحضارة في بلدكم فكنتم أصحاب القرار و الخيار».
البذرة: «لولا لم يكن هناك جزء ولو ضئيل جداً من أبناء هذا الوطن بذرة وحاضنة لهذا الإرهاب والتكفير والفكر الوهابي الظلامي لما أستطاع أعداؤنا اختراقنا، ولما امتدت وطالت هذه الأزمة بنا كل هذا الوقت، ولما احتجنا لثلاث سنوات من الدمار من القتل والخيانة والتدمير لوطننا وأبناء وطننا، وفي عودة للتاريخ الأسود والإخوان الشياطين».
التعايش: «ليس هناك ما يسمى تعايش بعد اليوم هذه العناوين سقطت فبعد اليوم لن نسامح. هناك تكاتف وتآلف بين أبناء الوطن الواحد، فنحن لسنا فرقاً ومللاً وقوميات متخالفة متصارعة لنتعايش في ما بيننا».
الحوار: «نحن لا نحاور من راهن على الخارج في انتظار تغيير الموازين، وعندما أيقن بالهزيمة عاد ليحاور بعدما كان شريكاً في التدمير والتغطية على الإرهاب والإجرام، أولئك لا مكان لهم بيننا ولا وزن ولا مكانة، أما عملاء الخارج والمرتهنون لهم والذين أشرفهم خائن وأطهرهم خنزير وأغلاهم ثمنه بطاقة طائرة وغرفة في فندق، هؤلاء لا نحاورهم كسوريين، إنما نحاور أسيادهم ومشغّليهم، فلا حوار مع الخائن والعميل والمرتهن إذ لا وطن لهم، ولن يعودوا إليه. الحوار مع من كان له مطالب محقة ودافع عن وطنه بشرف وإخلاص ولم يكن له أجندة خارجية صهيو ـ وهّابية، وهو فعلاً الحوار الذي أطلقته وابتدأته القيادة السورية منذ بداية الحرب والمؤامرة على سورية».
مكافحة الفساد والإصلاح الإدراي: هو العنوان الأبرز في الخطاب للفترة المقبلة وأساس العمل للحكومة العتيدة، والأكبر والأهم، وشدد الرئيس الأسد على «أن الفساد معادلة ذات طرفين، وأن الحكومة والشعب مسؤولان معاً في مكافحة الفساد، فالرقابة الذاتية والشعبية أساس المكافحة وقوانين الإصلاح الإداري التي تعد خطة عمل ومنهاج مدروس يجب أن يقنن ويؤطر، وأن لا يكون اعتباطياً حتى لا نتيح المجال للفساد أن يستفيد من الزمن والتمترس بأساليب أجد وأدهى، وبالتالي يكون القضاء عليه أصعب».
مكافحة الإرهاب : أكد الرئيس الأسد أن مكافحة الإرهاب مستمرة حتى تطهير آخر ذرة تراب من أرض الوطن السوري، قائلاً «لن تتوقف إلى أن يدحر آخر إرهابي عن أرض سورية، وهزيمة كل الدول والأحلاف الداعمة للإرهاب»، وأكد «أن الشهداء ودماؤهم هي اللبنة الأساسية للوطن، وأن عائلاتهم هي مسؤولية الوطن، وبسببهم صمد الوطن، وسيظل قادراً على الصمود».
سوا بكم ومعكم: «هو أن نرتقي لمستوى الوطن معاً، لأننا كلنا سوريون، ولأن الوطن لا يبنى ولا يدوم ولا يكون قوياً إلا عندما نكون سوا، ولن نستطيع أن نهزم أعداءنا إلاّ سوا، ولن نستطيع أن نكمل المشوار إلاّ سوا، ولن نستطيع أن نعيد الإعمار إلاّ سوا.
الشكر للحلفاء والشركاء : تقدم الرئيس الأسد بالشكر إلى الحلفاء الإيرانيين والروس والصينين الذين ثبتوا ودعموا خيارات الشعب السوري والتزموا في جميع المحافل الدولية بالمواثبق الدولية التي تؤكد على سيادة الدول وحقها في الدفاع عن أراضيها وشعوبها، ووقفوا في وجه الإمبريالية العالمية جمعاء، وأكد الرئيس الأسد موقفه الدائم والثابت بأنه سيد الوفاء للشركاء المقاومين من لبنان، ووجه إليهم الشكر لما قدموه من شهداء للدفاع عن محور المقاومة وسورية، وأنهم كانوا يحمون لبنان كما سورية كما كل دول المحور الممتد من طهران إلى جنوب لبنان.
إعادة الإعمار: «هي رأس الهرم لعمل الحكومة القادمة، وأولى الأولويات، وتم تخصيص موازنات كبيرة لهذا العمل، من إعادة البنى التحتية، ومؤسسات الدولة التي دمرها الإرهاب من مدارس ومستشفيات وقطعات عسكرية، والتعويض للمواطنين الذين تعرضت أملاكهم ومصانعهم للإرهاب، لإعادة بناء الاقتصاد الوطني الذي تضرر بشكل كبير، ولكنه لم يحقق مبتغاه، فالدين الخارجي على سورية تكاد نسبته تساوي الصفر».
»الربيع العربي» والجامعة العربية والدول المارقة والطارئة على التاريخ: أكد الرئيس الأسد في خطابه أن هذا «الربيع العربي» لم يكن سوى مخطط صهيوني بأدوات رخيصة، وعلى رأسها جامعة الدول العربية التي لم تتخذ يوماً قراراً في مصلحة العرب، بل كانت عدواً معلناً وغطاء لتدمير الدول العربية ومنفذة لأجندات الصهيونية العالمية، من فلسطين إلى العراق فليبيا ومصر وسورية واليمن، وهي المشرع الرسمي لتدمير جميع تلك البلاد التي يؤدي سقوطها إلى تأمين حماية مجال الأمن القومي الصهيوني، وأن هذه الأنظمة العربية العميلة والمستعبدة والتابعة التي أتت على ظهر الدبابات البريطانية والأميركية، وهي نفسها من دعم وموّل جميع إرهابيّي الأرض لتفتيت الوطن.
فلسطين: تساءل الرئيس الأسد أين التمويل والدعم بالمال والرجال لفلسطين المحتلة وأهل غزة ومقدسات المسلمين والمسيحيين؟ موضحاً كيف أمعنت ممالك الرمال والجهل والخيانة في محاربة تاريخ العرب والمسلمين كله، فدمروا المساجد والكنائس والمقامات الدينية، ونسوا أو تناسوا أو ظنوا أنهم قادرون على طمس التاريخ وذبح الحضارات، وظنوا أنهم قادرين على القيام بما عجر عنه كل طغاة التاريخ الذين سقطوا على بوابات دمشق، معتبراً أن من يظن «أن ما يحدث في أراضينا منفصل عما يحدث في فلسطين هو واهم ومشتبه أو عميل وخائن، إن كان مدركاً أو غير مدرك لما يقوم به، وأن القفز فوق الوقائع هو انفصال عن الواقع، وأن سياسة النأي بالنفس ما هي إلاّ غباء مدقع وجنون مطلق وعمالة معلنة، فمن ينأى بنفسه عما يحل بدار جاره، سيطاله أدهى وأمر ممّا طاول جاره وأن الدور الآتي عليه حتماً».
الرئيس الأسد الرجل والإنسان: «أما أنا فسأبقى الشخص الذي ينتمي إليكم، ويستمد قوته وفكره وصموده وشرعيته منكم، وسأبقى ذلك السوري الذي عرفتموني أدرك وأعرف تمام المعرفة الآمال والأماني المعقودة والمتوقعة من هذا الخطاب، وأتمنى أن أستطيع قيادة الدفة لمصلحة الوطن، ولما يتماشى مع أمانيكم وآمالكم للتقدم وبناء هذا الوطن».