الطاعون الخليجي: سورية وفلسطين أنموذجَين
عامر نعيم الياس
منذ بداية العدوان «الإسرائيلي» على الأراضي الفلسطينية وتحديداً على قطاع غزة ومع مرور أسبوع على العدوان، بدأ كالعادة الحراك الدولي الدبلوماسي والإقليمي لمحاولة وقف هذا الاعتداء، على خلفية الفشل الصهيوني الملموس في تحقيق أي إنجاز على رغم اقتصار هدف العدوان الحالي على تدمير الأنفاق وليس وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه المستوطنات الصهيونية، هدف محدود يسير بالتوازي مع مبادرات محدودة لحل المعضلة الحالية للأطراف جميعها التي تفترض وجود حصةٍ لها في الدماء والمذابح التي ترتكب يومياً على امتداد قطاع غزة.
ليس جديداً الحديث عن حروب للمبادرات بين محور قطري تركي، وآخر سعودي مصري يقوم على تهميش الإخوان في معادلة الصراع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني، وتوجيه صفعة إلى حركة حماس ورعاتها في الدوحة وأنقرة. موقف من شأن تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في القاهرة وبحضور وزير الخارجية المصري أن تدعّمه، فالوزير الأميركي قال: «إن المبادرة المصرية هي الإطار لوقف إطلاق النار بين «إسرائيل» وحركة حماس». هنا لا حل أمام حركة حماس ممثلةً برئيس مكتبها السياسي خالد مشعل سوى الخروج على الطاعة القطرية ـ التركية، والذهاب إلى القاهرة عاجلاً أم آجلاً، فيما المجازر الصهيونية تتوالى تباعاً على أرض فلسطين.
سورية التي تعيش هي الأخرى حرباً قذرة مذ أربعين شهراً، والتي تتمايز عن فلسطين بوجود مؤتمر أصدقاء لها واجتماعات عاجلة للجامعة العربية، لاستدراج تدخلات دولية بالجملة على أرضها. سورية هذه لا تزال تعيش على وقع تداعيات صراع المحاور الإقليمية الذي يكتسب يوماً بعد يوم بعداً أكثر دموية شراسة من ذي قبل سواء على المستوى الميداني المادي على الأرض أو على المستوى السياسي، وهنا تحضر دائماً قطر والسعودية. فأول من أمس عزل الائتلاف السوري المعارض الذي يترأسه هادي البحرة المدعوم مباشرةً من السعودية والمقيم فيها رئيس «الحكومة الموقتة» أحمد طعمة المدعوم من قطر، وذلك بعد عشرة أشهر على تولي الأخير لمنصبه الصوري، سمير نشار عضو الائتلاف فسّر لوكالة «فرانس برس» أسباب إقصاء طعمة بالقول: «السعودية أوحت للرئيس السابق للائتلاف أحمد الجربا، بفك التحالف مع الإخوان»، عودة مرة أخرى إلى صراع المحاور وتسجيل النقاط في المعركة على أراضي سورية وفلسطين والعراق.
في ظل الربيع الأميركي يحضر الطاعون الخليجي الذي يدفعنا يوماً بعد يوم إلى الظن بأن ما يجري في فلسطين اليوم وقطاع غزة تحديداً هو حرب «إسرائيلية» بتمويل ومحرّك خليجي لحرق القطاع بمن فيه، فبحجة الحرب على الإخوان والصراع بين الرياض والدوحة وأنقرة ليحرق الجميع. الكل أعداء الوهابية والانحطاط والتخلف الخليجي والبترودولار حاضر لتمويل الجميع من دون استثناء، هنا يأتي دور المايسترو الأميركي الذي يترك تراجعه هامش مناورةٍ أوسع للأدوات في المنطقة من أجل تسعير الفوضى الخلاقة في لحظة اشتباك دولي مع روسيا والصين لا يظهر على المدى المنظور وجود نهايةٍ قريبة لها، ويحضرنا في هذا السياق توصية مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الأميركي باعتبارها توصيفاً دقيقاً لواقع الحال الذي نعيشه، فقد حذر المركز الحكومة الأميركية من «الاستمرار في إدارتها للصراع في الشرق الأوسط وفق قاعدة القول المأثور عدو عدوي صديقي، إذ إننا لا نواجه عدواً بمفرده، بل ثلاثة أعداء على الأقل: الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وخليط من مجاميع تنظيمات داعش والعناصر السنية المعادية في سورية والعراق. فضلاً عن الخصم اللدود إيران وتنامي التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا. يتعيّن على المسؤولين الأميركيين التحلي بقول مأثور مغاير، أصدقاؤنا ينبغي المحافظة عليهم كأصدقاء الأردن وتركيا و»إسرائيل» والسعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر ومصر وعُمان».
كاتب سوري