تصنيف حزب الله إرهابياً خدمة جلى لمحور المقاومة
محمد شريف الجيوسي
ووجه قرار مجلس التعاون الخليجي ووزراء الخارجية العرب باعتبار حزب الله منظمة إرهابية، باستياء واسع لدى الأوساط الشعبية العربية والعالمية، ولدى العديد من القوى والجهات والدول.
وكانت «إسرائيل» قد رحّبت في الساعات الأولى باتخاذ القرار، عبر صحيفة «معاريف» التي وصفته بـ«الإنجاز»، فيما رأت رئيسة الحكومة السابقة تسيبي ليفني أنّه «مهم ودقيق»، إذ أنّ استغلال حزب الله للديمقراطية، بحسب زعمها، لا يعني منحه الحصانة في الساحة الدولية.
ولفتت ليفني إلى أنّ العالم العربيّ يقترب من خلال مواقفه ضدّ حزب الله من الموقف «الإسرائيلي»، وقالت: «صحيح أنّ القرار قد يكون مفاجئاً، إلا أننّا رأينا في الآونة الأخيرة إشارات دفء في العلاقات وزيارة قام بها وفد سعودي لـ «إسرائيل» مؤخراً»، وهو الخبر الذي أورده موقع «سبوتنيك» الروسيّ عن زيارةٍ سريّةٍ لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، برفقة رئيس جهاز الاستخبارات خالد الحميدان.
ووصف التلفزيون «الإسرائيلي» القرار بالمهم جداً، معتبراً أنّه يأتي في سياق حملة تقودها السعودية ضدّ حزب الله. كما لفت المُحلل عوديد غرانوت إلى أنّ القرار الخليجي «ليس جديداً، وهذه ليست المرة الأولى التي يتحرّك فيها الخليج ضدّ حزب الله».
وبعد الترحيب اللافت بالقرار الخليجي في الإعلام «الإسرائيلي»، صمت هذا الإعلام وغيب الخبر في النشرات الإخبارية المركزية مساءً، رغم أنّ النشرات النهارية غطّته كما ورد، وذلك لأنّ الرقابة طلبت من الإعلاميين تجاهل الخبر والكفّ عن التعليق عليه أو الترحيب به أو إظهار الفائدة الصهيونية من اتخاذه، بغرض عدم التشويش على القرار ومتخذيه، وصولاً إلى إصابة حزب الله في مقتل.
ولكن لم اتخذ القرار؟ لأنّ البعض بات على يقين بأنّ حصاد النتائج المرجوة من الحرب على سورية غير ممكن، بل وأضحت تبشر بحصادات نقيضة، وأنّ لحزب الله بعض دور في ذلك، وأنّ المقاومة التي يقودها الحزب والتي هزمت «إسرائيل» غير مرة، من غير الممكن إلحاق الهزيمة بها في سورية، وأنّ سحب المساعدات الموعودة للبنان، لن يحقق عزل المقاومة والحزب، بل إن أنصاره في لبنان باتوا يتوفرون على كلّ دواعي ومبرِّرات التمزُّق، فكانت الورقة الأخيرة، لعلها تعطي نتيجة ما.
ومع اقتراب انعقاد المحادثات الحوارية السورية ـ السورية برعاية الأمم المتحدة، فإنّ تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، بعد فشل محاولات اعتبار بعض المنظمات الإرهابية العاملة في سورية «معارضة معتدلة» هو محاولة أخرى لإفشال الحوار، ومحاولة جديدة لكسب الوقت، لعله يكون ممكناً تحقيق اختراق ما، حتى لو كان سياسياً، لصالح الجماعات الإرهابية.
كما أنّ قراراً كهذا يعزِّز العلاقات مع «إسرائيل» والولايات المتحدة، ويسجل بالنقاط بعض الردّ على إيران، بعد اتفاقية المفاعل النووي مع مجموعة 5 + 1، إلى جانب إعدام الشيخ نمر النمر.
وتعتري القرار ثغرات مهمة، فلبنان الدولة المعنية به رفض القرار وكذلك العراق، ومن المؤكد أنّ الدولة الوطنية السورية، ترفض القرار جملة وتفصيلاً وهي الدولة الثانية المعنية به، رغم أنها خارج جامعة الدول العربية ، كما أنّ دولتين عربيتين مهمّتين أخريين هما الجزائر وتونس ضدّ القرار، وبالتزامن بدأ الشارع العربي بالتحرك ضد القرار.
وجاء القرار لسوء حظ مرتكبيه ليتزامن مع محاولة مجموعة إرهابية وهابية تكفيرية، تعكير صفو الأمن في مدينة إربد الأردنية الشمالية، وهو الاعتداء الذي أدى إلى استشهاد ضابط أردني ينتمي إلى عشائر بني حسن الأكبر في الأردن وجرح خمسة رجال أمن آخرين، ومدنيين اثنين، ما يعني أنّ حزب الله اللبناني ليس هو من يرتكب الأفعال الإرهابية القذرة ضدّ أي دولة عربية، ولكن ترتكبها عصابات إرهابية موّلتها جهات صنّفت حزب الله على أنه منظمة إرهابية، فيما لم تطلق الجهات التي ارتكبت مراراً أعمالاً إرهابية ممولة في الأردن، طلقة واحدة ضدّ الكيان الصهيوني، وإنما وجهت سلاحها ضدّ الدولة الوطنية السورية التي تدعم المقاومة في جنوب لبنان والجولان وفلسطين وفي فترة بالعراق.
وباستعراض الدول التي وافقت على القرار نجد أنها إضافة لمجلس التعاون الخليجي وليس واضحاً إن كانت سلطنة عُمان قد وافقت عليه أم لا، فللسلطنة مواقف متميزة وحكيمة وقد نأت بنفسها عن الكثير من السياسات المغامرة هي: جزر القُمر وجيبوتي والصومال وموريتانيا … وهي دول غير ذات تأثير في هذه المسألة، كما نجد اليمن وليبيا المنقسمين وغير المستقرين، ويجول فيهما الإرهاب والتدخل الخارجي بحرية، ونجد السودان الذي خسر جنوبه وشارك ضدّ الحكومة الشرعية الليبية على قدم المساواة مع «ناتو»، وصولاً إلى إسقاط الرئيس معمر القذافي، وهو الآن يتورط في حرب اليمن في وقت ما زالت هناك مخاطر حدوث انفصالات جديدة فيه وأوضاعه السياسية والاقتصادية غير مستقرة.
بقيت فلسطين والأردن ومصر والمغرب وهي في حاجة مستدامة إلى الدعم المالي الغربي والخليجي، وقراراتها موضوعياً منسجمة مع الجهات الموفرة لهذه الاحتياجات، ولا تختلف كثيراً، من حيث الاحتياجات ، عن جيبوتي وجزر القمر والصومال وموريتانيا، وإن كانت أكثر تقدماً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعلمياً، بدرجات متفاوتة.
بهذا المعنى، فإنّ قرار اعتبار المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله إرهابية، هو قرار غير مهم، فضلاً عن كونه قراراً غير حكيم، فالدول الرافضة له هي الأهم والأكثر قدرة على جعله قراراً نافذاً أو غير ذي جدوى. بل إنّ دولاً كالأردن ومصر، وبعد استقرار اليمن وليبيا لن تضع القرار موضع النفاذ القسري، فالأردن مثلاً، لم يقطع علاقاته مع سورية رغم قرار الجامعة العربية، ورغم توتر العلاقات أحياناً بينهما خلال سنوات الأزمة، فعمّان حريصة على عدم الوصول بالعلاقات إلى حافة الهاوية بحكم قضايا كثيرة، من جملتها الموقف الوطني والقومي للشعب الأردني تجاه سورية والمقاومة، وما ينطبق على سورية ينسحب تلقائياً على حزب الله، بحكم العلاقة مع دمشق، وبحكم أنه جزء من بنية الدولة اللبنانية، وليس في وارد الأردن التدخل في شؤونه الداخلية.
أما مصر فلها حساباتها الخاصة، فهي وإن جاملت الخليج كثيراً، بحكم احتياجاتها إلى المساعدات المالية والموقف السعودي من الإخوان المسلمين في مصر، إلا أنها دولة كبيرة، ولن تكون معنية بصراع وتأزيم مع حزب الله وثيق الصلة بسورية، خاصة أن لا أجندة لحزب الله في مصر أو العكس، وطالما أنه جزء من بنية الدولة اللبنانية ومعادلاتها متعدّدة الأوجه.
من هنا نفهم أنّ اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، غير ذي تأثير سلبي كبير عليه، بل إنّ القرار سيعزِّز شعبيته اللبنانية والعربية والتعاطف العالمي معه، وسيقوي محور المقاومة الإقليمي والدولي، باعتبار أنّ استهداف حزب الله هو استهداف له ككلّ، وخطوة في حال نجحت، ولن تتجح ، لتوسيع قاعدة الهجوم بقدر وطريقة كلّ طرف من مكونات هذا المحور.
بكلمات: قدم قرار اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، خدمة جُلى للحزب وللمحور الذي ينتمي إليه، وكشف القرار تفاصيل أخرى لضيق أفق البعض وارتباطاتهم، والاعتماد العددي الكمّي على حساب النوع والقدرات الحقيقية الفاعلة، واستمرارية المراهنة العبثية على تغيير طالما سخروا له المال والدم بسخاء لا يوصف، من دون التقاط اللحظة المناسبة للوصول إلى حلول تحفظ ماء الوجوه، وتوقف نزيف الدم والمال والثارات وشقة الخلافات المفتوحة.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk