أوباما المفاخر وكيري المُنكِر.. التحول لا يخلو من المكر
د. محمد بكر
تصريحات من العيار الثقيل أدلى بها الرئيس الأميركي باراك أوباما لمجلة «أتلانتيك» لجهة عدم ندمه على قراره بالتراجع عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، مظهراً شعوره بالفخر بتلك اللحظة، مضيفاً أن الضغط على زر التوقف كان من شأنه أن يكلفه سياسياً، ويطعن في مصداقيته ومصداقية بلاده، إلا أنه رأى أن قراره كان قراراً صحيحاً، أوباما لم يكتفِ بذلك فقط، بل لم يجد أي حرج في إفاضة المزيد من كلمات «جلد الذات»، ومفردات «التجريح» لحلفائه الأوروبيين ودول الخليج، إذ وصف دعمه للتدخل العسكري في ليبيا بالخطأ، مبيناً اعتقاده المغلوط وقتها بقدرة بريطانيا وفرنسا على تحمل عبء العملية العسكرية، مضيفاً أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كان قد أصيب بالإرباك، بينما كان ساركوزي حينها يطلق النفير للغارات الجوية، بحسب تعبير أوباما، الذي تابع «سكب الماء البارد» على حراك دول الخليج والذي كان آخره اجتماعهم مع المغرب والأردن، وانتقادهم للتدخلات الإيرانية في المنطقة ليخذل أمنياتهم، ويطلق التوصيفات الصافعة لحماستهم لجهة أن «جموحهم» واندفاعهم يسعى الى توريط الولايات المتحدة في صراعات طائفية لا مصلحة لأميركا فيها، وأن عليهم أن يدركوا ضرورة التعايش مع إيران، وتحقيق نوع من السلام البارد وعلى الرياض أن تدرك كيفية تقاسم المنطقة مع عدوها إيران.
كيري كان أكثر اهتزازاً في خطابه الطافح ليس بالتراجع في حدة اللهجة فقط، بل في إنكار ما كان قد تكاثر على لسانه من وجود خطة بديلة، في حال فشل اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، إذ أكد كيري وبصورة بدا فيها ناطقاً باسم الخارجية الروسية التي اعتبرت في وقت سابق أن الخطة البديلة غير موجودة لا حالياً ولا مستقبلاً عندما قال أي كيري لقناة «ctv « الكندية أن بلاده لم تتحدث مطلقاً عن خطة بديلة، ولم تنطق حتى بها، وكل ما يقال حول ذلك هو إشاعات، ولا أحد في مجموعة العمل الدولية يتحدث عن تقسيم سورية، والمطروح فقط هو سورية الموحدة العلمانية لكن من دون وجود الأسد في مستقبلها، فهل ضغط أوباما أيضاً على «زر التوقف» مرة أخرى، وباتت مصلحة بلاده كما أعلن هو الخروج من صراعات الشرق الأوسط، أم كل الحاصل هو مناورة وانعطافة مرحلية كما هي العادة في السياسة الأميركية التي يطلق أحد مسؤوليها تصريحاً بعينه صباحاً ليطل آخر وينسفه ليلاً؟
في اعتقادنا أن الحكمة التقليدية بحسب تعبير أوباما التي منعته من توجيه ضربة عسكرية الى سورية، هي ذاتها من يفرض عدم انسحاب أميركا وتراجعها عن إيغال اليد في الموضوع السوري بهذه الطريقة، وهي التي تدرك الأبعاد المتقدمة لامتدادات وتبعات النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط، فواشنطن التي لعبت دوراً بارزاً منذ السبعينات والتسعينات وردت على التحركات الروسية وقتها، ستستمر في حماية مركزها ودورها، وذلك بحسب الدراسة التي نشرها السفير الأميركي السابق لدى بغداد وأنقرة جيمس فيري، الذي تساءل بصورة وجيهة وإن كان قد اعتبر أن بوتين ينتقل من انتصار إلى انتصار في سورية على حساب تراجع أميركا، تساءل؟ أين ستكون عملية بوتين المقبلة؟ وماذا سيحدث لو أخطأ بوتين في الحسابات ووقع في خطأ فاضح في منطقة ما؟ ومن هنا ومن زاوية العمل للتضييق على بوتين وإيقاعه في حسابات خاطئة في سورية، نفهم استمرارية الأميركي في التعويل على هذه الجزئية التي ما زال يعلن حتى هذه اللحظة أن المعركة مع داعش معركة طويلة جداً ما يؤكد أن الاستثمار الأميركي في ذلك سيستمر.
ربما ما أعلنه أوباما حول ضرورة أن تعي السعودية ضروة التعايش مع إيران، وتقاسم النفوذ معها وتحقيق السلام البارد، هي رسالة أميركية موجهة للروسي بشكل مباشر لضرورة «الفرملة»، وطرح صياغة جديدة، وتغيير لبنود الطروحات التي من شأنها أن تؤدي لتقاطعات توافقية لتقاسم النفوذ بين الرأسين الدوليتين الحاميتين ولا سيما أن جولة جديدة من محادثات جنيف على الأبواب.
نعم «السلام البارد» على المحك، والأميركي يركل الكرة مجدداً في الملعب الروسي، لكن في اعتقادنا أن كل ذلك التحول الأميركي والبرودة. «غير البريئة» لا تخلو مطلقاً من المكر، وإن خلت، فالأثمان المقبوضة كبيرة وكبيرة جداً أولها وليس آخرها الشأن الفلسطيني.
Dr.mbkr83 gmail.com